المُلْكُ لله ثمّ لمن يولّيه الله المُلْك حتى يقبضه

المُلْكُ لله ثمّ لمن يولّيه الله المُلْك حتى يقبضه

بسم الله الرحمن الرحيم

هدى الله عباده الصّالحين ومَنْ هُمْ دون ذلك لطاعة وليّ أمرهم حتى يتوفّاه الله، ومات سليمان صلى الله عليه وسلّم متّكأً على عصاه، ولم تنته ولايته على الإنس والجنّ حتى أكلت الأرضة مِنْسَأتَه، فَخَرّ.

وحتّى الملوك الفلاسفة في جمهورية أفلاطون المثاليّة الخياليّة لم يُحَدِّد لولايتهم سنوات معدودة فيما أذكر، وهو القدوة في الغرب.

وعلى هذا النّحو عاش ومات ملوك الحضارات الوثنيّة جميعاً.

ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وليّ أمر المسلمين، ومات بعده خلفاؤه الراشدون ثمّ معاوية (رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم) وهم ولاة.

ومعاوية كان أجدر ولاة المسلمين بأن يكون الخليفة الخامس لو كانوا خمسة، فلم يجتمع المسلمون على البيعة لصحابيّ بعد الخلفاء الرّاشدين غيره رضي الله عنه وأرضاه، وائتمنه النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وأرضاهم، فكان كاتب الوحي المُحدِّث الفقيه الفاتح الوالي، قبل ولايته العامّة لجميع المسلمين.

واستمرّ الأمر على ذلك حتّى أنّ صلاح الدّين الأيّوبي تجاوز الله عنه لم يَصْرف رمز الولاية المبتدع: (الخطبة يوم الجمعة للوالي) عن آخر ولاة الفاطميّين (العاضد) حتى فَقَد الوعي في مرض موته، بل ولم يُغَيِّر مذهب العبادات والمعاملات في الأزهر (من الشيعي إلى الشافعي) حتى مات، أما مذهب الاعتقاد فإنّ أكثر المنتمين إلى السّنّة والشيعة أقرّوا أو لم ينكروا وثنيّة المقامات والمزارات والأضرحة، ومضت أكثر من عشرة قرون بعد قرن النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم تؤسّس دولة – غير السّعودية – لمحاربة الوثنيّة وما دونها من البدع غير نوادر فردية من الإنكار باللسان على استحياء.

ثمّ جاءت الثورة الفرنسيّة الغاشمة الكافرة قبل قرنين وجاء معها تحكيم القوانين الأوربّية  بعيداً عن العقل وأبعد عن الشرع.

ومن حسن الحظّ – بتقدير الله – أنّ العَرَبَ والمسلمين عامّة تأخّروا نحو مائة وخمسين عاماً عن تقليد الغَرْب وتحكيم قوانينهم وكان من أول أمثلة تحكيمها في الولاية تحوّلها في مصر من الملكيّة إلى الجمهوريّة.

ومع تغيير الإسم بدأ – نظريّاً – تقليد أوروبّا في تحديد سنوات الولاية بأربع أو خمس سنوات تتكرّر مرّة أو مرّتين بالانتخاب وهو الأسوأ.

ومن حسن الحظّ – بتقدير الله تعالى – أنّ العرب يكفيهم القول عن الفعل والشكل عن المضمون، فحكم جمال عبد الناصر والسّادات وحافظ الأسد حتى مات الثلاثة رحم الله من مات منهم وهو يعبد الله وحده، ثم أحرق تونسيّ نفسه فتبعه الغوغاء يطالبون بسقوط القذّافي بعد 40سنة وحسني مبارك وعبد الله علي صالح بعد نحو 30سنة، وهم لا يتّبعون في ذلك شرعاً ولا عقلاً، {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإن هم إلاّ يخرصون}.

وهم يتّبعون ظنّ النّاعق الغربي قبل ظنّهم فيجتمع الشّرّان.

وطَرِب سفهاء الأحلام عندما وفى (سوار الذّهب) بوعده فسلّم السّلطة للحكومة المنتخبة وعدّوه قدوة وفقاً لمنهاج سيّد قطب تجاوز الله عنهما، فلا أهمّية لجهله بالشريعة ولا لتصوّفه المبتدع المهم: سياسة الحكم بعد سياسة المال، لا إنكار الوثنيّة ولا ما دونها من الابتداع في الدّين.

وطرب سفهاء الأحلام بدرجة أقلّ لتنازل أمير قطر عن الحكم لابنه، لم نسمع منهم احتفاء بعودة قطر إلى طبع وتوزيع الكتب والمراجع الدّينيّة بعد توقّفها عشرات السّنين منذ وفاة الشيخ السّلفي أمير قطر علي بن ثاني رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنّة، بل أحْيَتْ قطر هذه السّنّة بطريقة لا تتوقّف بعدها أبداً إن شاء الله،  ففي وزارة د. فيصل بن عبد الله بن محمود للأوقاف والشؤو الاسلاميّة وفّق الله الوزارة لإحياء هذه السّنّة وتخصيص وقف للصّرف عليها حتى لا تتوقّف بموت المموِّل كما حدث من قبل والشيخ/ عبد الله بن زيد آل محمود رحمه الله والد د. فيصل أثابه الله أرسله الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله ليتولّى القضاء في قطر بطلب من أمير قطر عبد الله بن قاسم آل ثاني رحمه الله أثناء حجّ عام1359هـ، ولم يكن في قطر قاضٍ يَوْمَهَا منذ عودة الشيخ محمد بن مانع رحمه الله إلى المملكة المباركة (ثمّ تولّيه مديريّة المعارف).

ولم نَرَ مِنْهُم احتفاءً بإحياء قطر ذكر إمام الدّعوة وتجديد الدّين في القرن الثاني عشر/ محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنّة (ولو برفع اسمه على مسجد الدّولة وتوكيد ذلك ببيان من مكتب الأمير) ولعلّها المرّة الأولى التي تَذْكُر فيها دولة غير السّعوديّة المباركة اسم إمام الدّعوة، وحاول الفتّانون إفساد الأمر  بوصمه (مزايدة قبيليّة)، والله أعلم بما في صدور عباده، وليت العرب وبقيّة المسلمين يلتفتون إلى واقع نعمة الله بالتّجديد الدّينيّ (الرّجعيّ) ويؤيّدونه لأيّ سبب.

وعوداً إلى تحديد سنوات الولاية؛ ليس ذلك من شرع الله، ولا من حِكْمة القرون الأولى صالحة أو دون ذلك، ولا من واقع الأمر، وإنّما هو سنّة أوروبّية سيّئة لم تُعْرَف قبل قوانين الثورة الفرنسية الهمجيّة الظّالمة، ولم تعرفها بلاد المسلمين (عامّة) والعرب (خاصّة) قبل القرن الماضي، بعد أن صار (الفرنجي برنجي) والحَكَم: التقليد الأوربي الأعمى.

ولا زالت أكثر أوروبّا الغربيّة – مع ذلك – لا تنتهي ولاية المَلِك أو الأمير فيها إلا بموته أو عجزه أو تنازله – نادراً –  لسبب آخر.

ولا تزال دول الخليج التّعاوني والأردن والمغرب ثابتة – بفضل الله – على مقاومة التقليد الثوري الأوروبي، ثبّتها الله بالقول الثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه. في 1435/9/17هـ