وسائل الإعلام لا تؤمن على الشرع ولا العقل[نقد لفكر الشيخ عبد الله بن منيع]

وسائل الإعلام لا تؤمن على الشرع ولا العقل[نقد لفكر الشيخ عبد الله بن منيع]

بسم الله الرحمن الرحيم

لسْتُ (بنعمة الله عليّ) ممّن ابْتُلي بتصفّح الجرايد ولا الإنترنت ولا متابعة الأخبار الدّاخليّة ولا الخارجيّة في أيٍّ من وسائل الإعلام فقد قاطعتها قبل ثلاثين سنة وأرجو الله أن يتوفّاني قبل الكفر بشيء من نعمه.

ولكنّ أخاً عزيزا عليّ ممن ابْتُلِي بما عافاني الله منه حمّل نفسه الصّبر على الجرايد والصّبر على تزويدي بما يُنْكره من مقالاتها.

وعجبت هذه المرّة أن يكون المقال المنْكَر بتوقيع الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع وهو أكبر منّا سنّاً وأسبق للدّراسة العامّة، وتخصَّصَ عمليّاً (إن لم يكن نظريّاً) في الأحكام الشرعيّة (المعاملات بخاصّة).

وقرأت المقال المنشور في جريدة الرياض(العدد15520 في1432/1/15هـ) ووجدت المُنْكِرَ على حقّ:

1) العنوان قبل بقيّة المقال يَشْهد (غَيْباً) للأستاذ محمد عبده يماني تجاوز الله عنه بالشهادة، وهذه مخالفة صريحة لشرع الله؛ ففي صحيح البخاري رحمه الله (أصح حديث بعد كتاب الله) باب77 من كتاب الجهاد56، (لا يقول فلان شهيد)، قال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “الله أعلم بمن يجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله” وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا… وفي أصحابه رجل لا يدع لهم شاذّة ولا فاذّة إلاّ اتّبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منّا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أما إنه من أهل النار… وأخرجه مسلم، وفي صحيح مسلم أيضاً (ثاني أصحّ حديث بعد كتاب الله) ذِكْرُ غلام النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي قُتِل يوم خيير فقال بعض الصحابة رضي الله عنهم: هنيئاً له الشهادة يا رسول الله فقال: ” كلاّ والذي نفس محمد بيده، إنّ الشملة لتلتهب عليه ناراً أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم، ورواه البخاري بنحوه.

هذا في الغزو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ” لتكون كلمة الله هي العليا ولا نعلم أن مُدَّعي الشهادة ولا المُدَّعاة له قاتل لتكون كلمة الله هي العليا مطلقاً، ولا جعل الدّعوة النّبويّة لإفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه أكبر همّه ولا مبلغ علمه، مع أنّه لا يُحْتَمل جَهْل ابن منيع أنّها أوّل وأهمّ ما بعث الله به جميع رسله كما قال الله تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} وأن أوثان المقامات والمزارات والأضرحة قاسم مشترك بين بلاد المسلمين سواء انتموا إلى السّنّة أو الشّيعة أو غيرهما يتقرّبون بدعائها إلى الله كما كان يتقرّب المشركون قبلهم بها لِتُقَرِّبَهُم إلى الله زُلْفى وتشفع لهم عنده، ولم يتطهّر منها غير السّعوديّة في مراحلها المباركة.

2) ولا يتوقّف الشيخ عبد الله بن منيع عند خطئه الأوّل: الحكم على الغيب بما لا يعلمه إلا الله والشهادة لمن لم يقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، بل ولم يمت غريقاً أو حريقاً أو مبطوناً أو مطعوناً، ولم يشهد له الوحي بالشهادة (غير وحي الهوى والعاطفة)؛ بل تجاوز ذلك إلى الحكم على قلب ممدوحه (بالهاجس الإيماني ومكانة كتاب الله في نفسه وقلبه).

3) اتّهم الشيخ عبد الله بن منيع حِلَقَ تحفيظ القرآن (إضافة إلى القراءة والحفظ والتّجويد) بالتّفسير وإحياء القراءات العَشْر وأهلها.

أمّا التّفسير (وهو الأهمّ، لأمر الله عباده بتدبّر القرآن) فلم يَدَّعه أحد من المحفّظين لحِلَق التّحفيظ قبل أن يتطوّع الشيخ عبد الله بالحكم بما لا يعلم. 

ولأن التّدبّر فريضة فقد حرص الشيطان والنفس الأمّارة بالسّوء على إشغال المسلمين عنه بالنّافلة (الحفظ) والتزام ما لم يُعْرف دليل شرعي (في فقه ابن باز وابن عثيمين وابن سعدي) على الالزام به: (التجويد)، ومن مكايد الشيطان: صرف المسلم عن الأهمّ بالمهمّ وما لا أهمّية له.

وأين وَجَد الشيخ عبد الله حُكْم إحياء القراءات العَشر وأهلها؟ في كتاب الله أم في سنّة رسوله أم في سنّة الخلفاء الراشدين، أم في فقه الصّحابة والتّابعين والأئمّة الأربعة؟ أم في جعبة فكره وتقليده؟ علمنا أن الصّحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا معانيهن والعمل بهن، وعلمنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يجمع القرآن غير أربعة كما في الصّحيحين، وعلمنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم حذّر من شباب يحقر الصحابة قراءتهم عند قراءتهم وصلاتهم عند صلاتهم يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم كما في الصحيحين أيضاً، (وجُلّ الخوارج الأولين والآخرين منهم)، وعلمنا أنّ الله يَسَّر القرآن للذّكر، فأين من ذلك كلّه إهمال التّدبّر والتّسابق على تحفيظ القرآن بما لا يتجاوز التّراقي، والتّشدّق والتّفيهق والتّنطّع بِعَدِّ حركات المدّ وجوباً أو جوازاً، والقلقلة الكبرى، والإشمام والروم، والمعانقة عند المتقدّمين والمتأخّرين، وحذف حرف أنزله الله ووعد عليه عشر حسنات بإدغامه في حرف منزّل آخر (كما ورد عن الإمام أحمد كراهيته) وبإخفائه أشنع؟ وأين من ذلك تضييع أموال المتَبرِّعين في الاحتفالات والجوائز للحثّ على سرعة الحفظ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وعن سرعة القراءة فضلاً عن الحفظ؟ وبقي سؤال عن سرعة النّسيان.

4) ذَكَّرَني حُكْم الشيخ عبد الله لليماني بالشهادة ثمّ الدّعاء له بها: بأحكام المهداوي على المتّهمين بالادانة ثمّ محاكمتهم يوم كان رئيساً للمحكمة العسكرية في العراق في عهد عبد الكريم قاسم.

5) غبَطَ الشيخ ابن منيع ممدوحه بدعوىً نفخت فيها الاشاعات والدعايات التي لا تصلح مرجعاً لطالب العلم بل المسلم الأمّيّ فضلاً عمن أدْخِل في صفوف العلماء والقضاة قبل عشرات السّنين: أن اليماني تجاوز الله عنه مات بسبب (الفزع والاضطراب والقلق النّفسي وارتفاع الضغط والسّكّر) وكأنّ هذا كلّه لا يكفي سبباً للموت (إضافة إلى أننا الثلاثة تجاوزنا الحدّ الأقصى لأعمار هذه الأمّة وقد لا تكون الحياة خيراً من الموت إذا تولّت الاشاعات ووسائل الإعلام توجيه الأمّة إلى طرق الضّلال).

6) وغبط الشيخ ابن منيع ممدوحه على قناة (إقرأ) الفضائية التي يعدّها السّلفيّون أقرب القنوات (التي يموّلها مواطنون في بلاد التّوحيد والسّنّة) إلى الاتّجاه الصّوفي الذي ميّز الله هذه البلاد والدّولة المباركة بالطّهارة من زواياه وبدعه ومقاماته ومزاراته الوثنية.

7) يبدو لي من لَحْن الشيخ في مقاله أنه يظنّ – خطأ – أنّ ممّا يسمّيه (ثوابت هويّة بلادنا): حِلَق تحفيظ القرآن. والحقيقة أنها من ابتداع رجل باكستاني يتقرّب إلى الله بالحفظ دون تدبّر كما هي حال أكثر الأعاجم أما علماؤنا سلفهم وخلفهم فكانوا على منهاج النبوّة والصّحبة والاتّباع يَتْلون كتاب الله ويتدارسونه (يتعلمون حلاله وحرامه) ويعملون به ويبلّغونه. وعندما تسلل المنهج الإخواني المبتدع من مصر إلى بلاد التوحيد والسّنّة ووصل إلى إدارة التعليم الدّيني في وزارة المعارف وتغيّر عنوانها إلى: (تربية وثقافة وتوعية إسلامية) جرت محاولة لإنشاء مدارس (تحفيظ القرآن) فحوّلها علماء الشريعة إلى مدارس شرعيّة يُتَعَلَّمُ فيها الإيمان والتّلاوة والتّدبّر والفقه واللغة العربية؛ ليحفظ الناشئ كتاب ربّه {على مُكْثٍ}كما أنزله الله، على مدى تسع سنوات في المرحلتين الابتدائية والمتوسّطة ثم يتعاهد حفظه ثلاث سنوات أخرى في المرحلة الثّانويّة (وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة وعن عبد الله بن عمر أنه حفظها في ثمان سنوات) والطالب في هذه المدرسة لا ينفكّ ولا يغفل عن تعلّم التّوحيد والتّفسير والفقه وعلوم الآلة، وهذا هو منهاج الصّحابة ومن تبعهم.

وقد طلبتُ وحصلتُ على إحصاء لهذه المدارس عام1428 من الوزارة فوجدت أن عددها وصل ذلك العام إلى: (1865) مدرسة ووصل عدد طلابها وطالباتها إلى: (124.000)، إضافة إلى فتح جميع مدارس دولة الدّعوة إلى التوحيد والسّنة ومحاربة الشرك والبدعة لكل طالب أو طالبة لحفظ القرآن داخل المدرسة وتحت إشرافها لتجنب معاصي الشبهات والشهوات التي ظهرت في الحِلَق والدّور والمكتبات التّحفيظيّة دون  إشراف منظّم؛ فأيّهما خير وأيّهما أولى بالبقاء؟ 

8) وخلط الشيخ ابن منيع عفا الله عنا وعنهما بين دعوى محبّة النبيّ صلى الله عليه وسلّم وبين اتّباع سنّته، وفَرْقٌ بَيْن دعوى المبْتَدعِة المحبّة بالموالد وزيارة مزارات الابتداع، وبَيْن نشر السّنّة ومحاربة البدع؛ (البدع التي يمارسها ويدعوا إليها – سرّاً أو جهراً – بعض مواطني دولة السّنّة وتجديد الدّين كفراً بنعمة الله عليهم بالدّين والدّنيا)، كفى الله الإسلام والمسلمين شرهما.

9) سبق لي أن جلست مع الشيخ ابن منيع مرّات عديدة ذكّرْتُه بنعمة الله عليه في العلم والمال والوظيفة (قبلَ وبعدَ تسابق البنوك على توظيفه في رئاسة أو عضويّة لجانها [الشرعيّة])، وشكرت الله وذكرته بما تفضل الله به عليه من تأليف كتاب في الرّدّ على باطل محمد علوي مالكي الذي وصفه الأستاذ سفر الحوالي – جزاه الله بهداه – في ردّه عليه بأنّه: (مجدّد ملّة :عمرو بن لحيّ، الذي جلب الأصنام إلى مكّة) ووصفه ابن عمّه الشيخ سمير المالكي وفقه الله بأنه (سوّد صحائف كتابيه الذّخائر والشفاء بما يهدم قواعد الدّين بالكلّيّة وينقض عراه عروة عروة)؛ ذكّرته بذلك ورجوت الله ألاّ يتجاوز لينه المعاملات، فأصرّ على العبادات أيضاً، وقلت في نفسي: اللهم سلّم سلّم، لئلاّ تصل موجة (أو موظة) اللين إلى الاعتقاد، وطلبت منه أن يحذر من سيطرة حزب الاخوان المبتدع على مجلة الوقف الاسلامي (الأسرة) والشيخ أحد مؤسّسيه فقد حاولت القائمين عليها من الحركيّين أن يَدْعُوْا مرّة واحدة لإفراد الله بالعبادة والنّهي عن الشرك الأكبر وأشنع مظاهره: أوثان المقامات والمزارات، فلم يستجيبوا غير مرّة واحدة في بضع عشرة سنة بشفاعة أحد أبناء المؤسسين. فتعهّد لي في المسجد الحرام بعد صلاة التّراويح في رمضان إن أنا كتَبْتُ مقالات عن هذا الأمر أن تنشر في (مجلة الأسرة) فكتبت لهم عدّة مقالات قصيرة وسلّمتها له، وبعد بضع سنين قلت له إنّها لم تنشر، لأني أعرف أنها لن تنشر في الغالب*، فاعتذر بأنهم يقولون أن كتابتي شديدة، فسألته: هل وجدت فيها شدّة، فقال: لا والله ما رأيت فيها شدّة، إذَنْ كيف يَغْلب منهجُ حزب الاخوان المبتدع منهجَ حزب الله الذي نشأتَ عليه، فتصدّقهم وتكذّب عينك وعقلك؟ كيف ترضى لدينك وأمانتك أن تذلّ نفسك ومؤسّستك التي تُمَوَّل بتبرّعات المحسنين في بلاد ودولة التوحيد والسّنّة لفرد أو أفراد ضلّ سعيهم فتجنّبوا نشر رسالة الله لكلّ رسله وكلّ عباده وعَدُّوْها تشدّداً؟ لماذا لا تلزمهم بالنشر لغيري من أهل منهاج النّبوّة؟ ولا جواب، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. 

لعلّ الله أن يهدي الاخوان المسلمين ومنهاجهم المبتدع للرّجوع إلى الحقّ فهذا هو المخرج الوحيد – فيما يبدو – لإنقاذ ديننا ودنيانا من سيطرة الحزب الضّالّ على أكثر الاعلاميّين والمدرّسين والاداريّين وغيرهم من التّنفيذيّين بل والمستشارين، وهم منذ التزموا منهج الحزب وهم فتّانون.

10) بدأ الشيخ ابن منيع رحلة  التّليين – فيما أعلم – برسالة يجيز فيها النّحر قبل يوم النّحر مستشهداً بقول من سَبَقه متأوّلاً قول الله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}، فردّ عليه الشيخ ابن حميد رحمه الله برسالة أنكر عليه الخروج عن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلها الله بياناً للقرآن {لتُبَيِّن للنّاس ما نزّل إليهم}، وفهمت من مقال للشيخ ابن منيع في مجلّة الدّعوة (السّعوديّة) أن الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله مفتي المملكة في النّصف الأخير من القرن الماضي أنكر عليه نشر رأيه المخالف لفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحّاه عن مجلسه شهوراً، فطلب من الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله أن يعرض على المفتي العام التّوقّف عن اشتراكه في لجنة الافتاء، فدعاه المفتي وبيّن له أنّه إنّما أخذ عليه تسرّعه في نشر رأي يخالف فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله: ” خذوا عنّي مناسككم“، ثمّ يخالف فعل الخلفاء الرّاشدين المهديّين وولاة أمور المسلمين (علماء وأمراء) منذ حجّة الوداع.

ولم تنته رحلته التّليينيّة – فيما يبدو -، ونسأل الله لنا وله حسن الخاتمة. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتّبعي سنّته.

*المقالات نفسها نشرتها مجلة الاستقامة في البحرين وأمر الشيخ د. عبد الله التركي بنشرها، ولم يجد فيها شدة غير الموبوئين بمنهاج حزب الإخوان المبتدع في (مجلة الأسرة)، وهي حجة المتحزبين والحركيين والمبتدعة عامة لاهمال نشر التوحيد والتحذير من الشرك ومناوأة منهاج السنة منذ ولد الحزب عجل الله بموته وكفى الإسلام والمسلمين شره.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.