رأي آخر في حقوق التأليف
رأي آخر في حقوق التأليف(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
في مطلع كتاب (أهوال القيامة) للشيخ/ عبد الملك بن علي الكليب وردت الإشارة التالية: (حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كلّ مسلم، وجزى الله خيراً من طبعه وغفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين).
عندما بدأ التّأليف في العلوم الشرعيّة لم يكن من بين أهدافه الكسب المادّي بل كان – والله أعلم – خالصاً لوجه الله إن لم تشب هذا الإخلاص شائبة السّمعة أو مجرّد الهواية ذلك أنّ علماء المسلمين في الثلاثة عشر قرناً الماضية عرفوا أن هذا العلم هو أشرف العلوم وآثرها عند الله إن جاز أن تسمّى بقية الفنون والمهن علوماً.. وعرفوا أن الله يهب هذا العلم من يشاء من عباده للعمل به وتبليغه.. وأنه لا يصح اعتباره متاعاً دنيوياً يملك ويخزن ويمنع ويحتكر ويتاجر به.. وانه مثل الهجرة لا يصلح وسيلة لدنيا يصيبها المسلم أو شهرة يعرف بها.. فإن ” من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجلّ لا يتعلّمه إلاّ ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد ريح الجنّة يوم القيامة“ وأن ” من أول من تسعّر بهم النار يوم القيامة رجل آتاه الله علماً فنشره ليقال: عالم“.. وربما اعتبر علماء الحديث من أسباب الجرح أخذه الأجرة عليه.. وعرفوا أن قيمة هذا العلم أرفع من كلّ غاية دنيوية فإن ” من سلك طريقاً يلتمسه فيه سهل الله له به طريقاً إلى الجنّة“.
ثم جاءت هذه الحضارة الجاهليّة التي لا تعرف غاية ولا معبوداً غير الدّرهم والدّينار وغير إرضاء النّفس ورضى الخلق.. واصطبغ كثير من طلاّب العلم الشرعي في القرن الأخير بصبغة طلاب العلم الأدنى وصدروا مؤلفاتهم (قبل البسملة) بالتعويذة المالية: (حقوق الطبع محفوظة للمؤلف – أو للناشر أو لكليهما) في مناقضة صارخة لشرع الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم ونهج السلف الصالح.. ولقد بلغ الجشع والعدوان على علم الشرع بأحد أصحاب دور النشر (الاسلامية) أن همّ بمقاضاة أحد المحسنين لأنه تبرّع بطبع رسالة من منشوراته دون إذنه وتوزيعها دون مقابل لولا نصيحة أحد المتعاونين معه بالكفّ عن ذلك وإذا جاز للنّاشر أن يمنع غيره من تصوير منشوراته بحجّة أنه بذل فيها جهدا يريد احتكاره لغرض الدّنيا فكيف يجوز له أن يمنع غيره من إعادة الطّباعة بجهد جديد وكيف يجوز للمؤلّف أن يحتكر علمه وهو قد أخذه كلّه في أغلب الأحوال من مؤلف سابق لم يحتكر.. حتى صدق على أغلب المؤلفات الحديثة إن لم يكن عليها كلّها وصف: (خذ من هنا وضع هنا وقل مؤلفه أنا).. وليس للمؤلف الجديد إلاّ التجميع وإعادة التبويب والتّرتيب.
أحسب أن العلم الشرعي مشاع بين النّاس أكثر من الهواء والماء والمرعى لا يجوز احتكاره.. وأن للجميع حقّ إعادة الطبع والنشر دون مقابل أو حتى بمقابل معقول دون استئذان المؤلف والناشر الأول.. واقترح على الإدارات العامة التي تعودت إعادة الطبع والنشر مجاناً في المملكة مثل الرئاسة العامّة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد ورابطة العالم الإسلامي ووزارة المعارف والإعلام والجامعات أن تؤكد ذلك بعدم إعارتها قانون حقوق التأليف الطاغوتي أي اهتمام.. وأثق أن المحاكم في المملكة وكلها شرعية ولله الحمد لن تقبل أي دعوى تقام بهذا الإفتراء على شرع الله.
وأرجو من علماء الشريعة (من غير ذوي المصلحة العاجلة) أن يبيّنوا الحكم الشرعي في هذا الأمر، وردّي إلى الحقّ إن كنت تجاوزته وأستغفر الله.. وعسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشداً.
(1) كتبت هذه الأسطر إثر زيارتي لمحدِّث العصر الألباني رحمه الله ومناقشته في حفظ حقوق التّأليف له.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن