الفضل لله على عباده في الرّزق والخُلُق
الفضل لله على عباده في الرّزق والخُلُق
بسم الله الرحمن الرحيم
فضّل الله بعض عباده على بعض في الرِّزق الدّنيوي، كما قال الله تعالى: {والله فضّل بعضكم على بعض في الرِّزق فما الذين فُضِّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء}.
وزاد بعضهم درجة ففضّله في الخُلُق كما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: ” إنّ الله قسَم أخلاقكم كما قسَم أرزاقكم“ و: ” إنّ الرّجل ليدرك بِحُسْن الخُلُقِ درجات الصّائم القائم“.
وخَيْر الخُلُق: الدّين، كما ورد عن عائشة أمّ المؤمنين رضي الله عنها في وصف النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (كان خُلُقه القرآن) أي: دينه ومنهاجه وطريقته، كما قال الله تعالى: {إن هذا إلاّ خُلُق الأوّلين}.
أمّا قَصْر الخُلُق على المعاملة فخطأ شائع.
وقد يجمع الله للمصطفين من عباده كلّ أنواع الفضل كما أورث عبده سليمان عليه الصّلاة والسّلام النّبوّة والملك وتسخير الرّيح والجنّ.
ولكنّ الله لا يعطي العبد من عباده كلَّ شيء ولا يحرمه من كلِّ شيء كما قال تعالى: {كلاًّ نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربّك محظورا*أنظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}.
وكان أقدس بيوت الله وخير البقاع على وجه الأرض في يد مشركي قريش؛ يعمرون الكعبة ويسقون الحاج إليها قبل فتح مكّة المباركة بجيش المسلمين يقوده سيّد ولد آدم يوم القيامة محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومتبعي سنّته إلى يوم الدّين.
وعمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج إليه شرف عظيم، وأعظم من ذلك شرفاً وفضلاً من الله تعالى: الإيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فلا يُعْبد في الأرض غير الله (دعاءً أو استغاثةً أو ذبحاً أو نذراً أو طوافاً أو نحو ذلك) ولا تدنّس المساجد بأوثان المقامات والمزارات والمشاهد، ولا بزوايا وطقوس الصّوفيّة الضّالّة ولا بأفكار المبتدعة المنحرفة؛ قال الله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله}.
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصّالحات؛ لقد جمع الله لولاة هذه البلاد المباركة ما لم يجمعه لغيرهم من ولاة المسلمين منذ نهاية القرون المفضّلة؛ فجدّد بهم دينه في القرن الثاني عشر والثالث عشر والرّابع عشر الهجري وأزال بهم البدع الوثنيّة فما دونها، وحقّق بهم الأمن، ونشر بهم توحيد الله وإفراده بالعبادة وما دون ذلك من أحكام شرعه والدّعوة إليه على بصيرة ومكّن لهم وبهم في الأرض.
وفي هذا القرن ومنتصف القرن الذي قبله فتح الله لهم وبهم من خزائن الأرض ما لم يفتحه لغيرهم؛ فأطعم بهم من جوع، وآمن بهم من خوف، وعلّم بهم من جهل، وشفى بهم من مرض الجسم، والعقل، والقلب، وَوَزَعَ بهم من معصية الشبهة والشهوة ما لم يَزَعْه بالقرآن وحده.
وفوق هذا كلّه وأعظم منه: جمع لهم عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاجّ والمعتمر والمقيم، والحكم بشرع الله من الإيمان بالله وباليوم الآخر والجهاد في سبيل الله حتى سقطت جميع الأوثان والبدع وزوايا التّصوّف وفِرَق الضّلال، وظهر الحكم بما أنزل الله على جميع أحكام الجاهليّة القديمة والجديدة في الاعتقاد والعبادة وجلّ المعاملة.
وهذه المنجزات التي ذكرناها من شهود العدل على ما نقول، نرجو الله أن ينفع بها النفع المأمول منها، وأن يثقل الله بها موازين ولاة الأمر يوم القيامة، والله ولي التّوفيق.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن