حياة ابن لادن في رواية مؤيِّده، وموته في رواية قاتِلِه
حياة ابن لادن في رواية مؤيِّده، وموته في رواية قاتِلِه
بسم الله الرحمن الرحيم
أَعُدُّ أسامة ابن لادن (عذره الله بجهله) مثلاً لخوارج العصر من (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البريّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم) كما في الصّحيحين.
الراوي الأول (scheuer): عمل في (c.i.a.) اثنتين وعشرين سنة، ولعلّه من متابعته ابن لادن في وظيفته أصابته عدوى فكره الضّالّ فظنّ أنّه أهل للاجتهاد والاستنباط من الكتاب والسّنّة دون الخضوع لفهم السّلف من الصّحابة ومن تبعهم بإحسان (في القرون الخيّرة بخاصّة) رضي الله عنهم وأرضاهم، وفي روايته ما يلي:
ولد أسامة عام 1957 ومات عام 2011 كريكورية، وهو الابن رقم (17) لمحمد بن لادن (ولد 1908 ومات 1967 رحمه الله) وهو سعودي من أصل حضرمي، هاجر من حضرموت إلى الحبشة في شبابه ثمّ إلى جدّة.
وعمل حمّالاً وبنّاءً، وفي سنّ (35) أسّس شركته للمقاولات.
وكان لا يكاد يقرأ ولا يكتب، ولكنّ الله أعطاه ذكاءً فطريّاً وقدرة على ضبط الحسابات على الطريقة القديمة، وأعطاه الله خُلُقاً حسناً يتعايش به مع النّاس ويكسب به ثقتهم، ونشاطاً في العمل وبعداً عن التّكلّف في المظهر والمطعم والملبس فكان لا يأنف من مشاركة عمّاله عملهم وحياتهم اليوميّة.
[وبمثل ذلك تمتّع بثقة ولاة الأمر في السّعوديّة فأُعْطِي مقاولة بناء طريق الطائف – مكة (طريق كرا)، ومنحه ولاة الأمر كلّ مقاولة لتوسعة الحرمين (وغيرهما) ابتداء من عام 1373هـ إلى اليوم دون منافس.
وكان يكفيه الربح المعقول تقديراً لثقة ولاة الأمر، ولكنّ من ولي شركته من بعده لم يكتفوا بأقل من أضعاف الربح المبالغ فيه، ومع هذا لم تزل الدّولة تقابل استغلالهم ثقتها بالصّبر خدمة للحرمين، ووفاءً لذكرى والدهم.
وفي الأزمات الماليّة وضعف السّيولة كانت تدفع استحقاقهم بمئات الألوف من براميل النّفط لكلّ فترة من عقود مقاولتهم] حتى لا تتوقف التوسعة.
وعندما أعلنت الأردن مناقصة لتجديد قبّة الصّخرة في بيت المقدس نافس محمد بن لادن بأقلّ عطاءٍ ليفوز بتجديدها ظنّاً منه أنّها مميّزة بسبب ما حِيْك حولها من أساطير كاذبة، ووَضَع فوقها قشرة من الذهب [جعل أكثر المسلمين يظنّون أنها المسجد الأقصى، ولا ميزة لها إلا أنها كانت قبلة لليهود فصرفنا الله عنها كما يقول ابن تيمية رحمه الله].
ولم يكد أسامة يعرف أباه؛ فلم يقابله أكثر من خمس مرّات إذ كان يعيش مع أمّه المطلقة علياء الغانم سورية من أصل يمنيّ في اللاذقيّة، قيل عنها وعائلتها بأنّهم علمانيّون وعلويّون، وأنّ ابن لادن تسرّرها ولم يتزوّجها، وتزوّج أسامة بنت أختها، وإلى أن بلغ (17) سنة كان يقضي الصّيف مع أمّه وإخوانه منها أبناء محمد العطاس.
ودرس أسامة في النموذجيّة وهي تركّز على العلوم الكونيّة والرّياضيات والانكليزيّة أكثر من الدِّين (كما يقول أستاذه براين شِلَرْ)، ولم يكن جيداً في العربيّة، ومستواه متوسّط في غيرها، وأحبّها إليه: التّاريخ.
وتلقّفه وعدداً من زملائه مدرّب الرّياضة السّوري من حزب الاخوان المسلمين فيما سمّوه: لجنة التّوعية الدّينيّة[فالتقط عدوى الضّلال]؛
تأثر بفكر محمد قطب وعبد الله عزّام وبسفر الحوالي وسلمان العودة وتدارس مع محمد خليفة كُتُب سيّد قطب (معالم في الطّريق وفي ظلال القرآن بخاصّة)،
[وهذا هو طريق الضّلال الذي ركبه أكثر خوارج العصر].
[ومن ثوابت فكره الضّال]: (يجب أن يتّحد المسلمون بصرف النّظر عن اختلافهم في الاعتقاد والعمل).
رحّب بمعونة الدّولة السّعوديّة وأمريكا للمجاهدين الأفغان (بقصد إخراج روسيا من أفغانستان) بالسّلاح (صاروخ سْتِنْكَر الأمريكي المحمول على الكتف بخاصّة)، وتتراوح تقديرات عدد ما قدّمَتْه أمريكا منها بين 500 و2.000 صاروخ بين1986 و1988 كريكوريّة، ويعتقد أنّها غَيَّرَتْ مجرى الحرب، ولما بدأ المجاهدون يبيعونها لإيران وغيرها تقدّمَتْ أمريكا لشرائها بعد انتهاء الحرب، ويعتقد أنّها استردّت 300 منها بما يتجاوز 180 دولار ثمناً للصّاروخ الواحد).
وبعد احتلال العراق الكويت، واستئجار السّعوديّة القوات الدّولية لتحرير الكويت صدّق ابن لادن ظنّ سفر الحوالي وعصابته أنّهم لن يخرجوا إذا دخلوا، وأنّهم سينصّرون المسلمين في جزيرة العرب.
وعرض على تركي الفيصل رئيس الاستخبارات: بناء خطّ دفاعي واستأجر 100 من الأفغان وسلّحهم، ولما رفض تركي الفيصل عرضه الخيالي ذهب إلى الباكستان وانشغل بمحاولة الاصلاح بين حكمتيار وملاّ عمر، ثمّ إلى السّودان لينشغل بمحاولة الاصلاح بين الدّولة وبين الأحزاب المعارضة (1991-1992)، وأنشأ شركة بناء لإعانة حزب التّرابي وغيره، وطلب من أصدقائه الأغنياء في السّعوديّة والخليج الاستثمار في السّودان لإعانتها.
وعندما بلغت قطيعته للدّولة [والبلاد التي أنْعَمَتْ عليه بكلّ النِّعَم التي أنعم الله بها عليها أكثر من جُلِّ مواطنيها] حدّاً لا يمكن استمرار صبرها عليه حرمته من جنسيّتها، فأعلن بَكْر بن لادن قطع علاقة عائلته به، وعندما سئل بعد بضع سنين عن علاقته بعائلته أجاب: الدّم أكثف من الماء.
ويُعْتقد أنّ بعض أفراد عائلته المئات استمرّوا في إعانته [حتى مات].
ومن رواية الثاني (owen) وهو أحد أفراد بعثة قتل بن لادن: تدرّبت البعثة في أمريكا بضعة أسابيع في انتظار موافقة البيت الأبيض على العمليّة، ومعهم مخطط للبيت الذي يسكنه ابن لادن في الطابق الثالث وابنه خالد في الثاني ومن سّمَّوْه: أبرار الكويتي في الأوّل، ويسكن في الملحق من سَمَّوْه: أحمد الكويتي، في (أبوت أباد – باكستان).
ولما جاءت الموافقة نُقِلوا بالطّائرة إلى ألمانيا ثمّ إلى قاعدة جلال أباد العسكريّة في أفغانستان، ثمّ حملتهم مروحيّتان إلى أبوت أباد، (12 لكلّ مروحيّة) وكان من المقرّر أن يكون الرّاوي (owen) أوّل من ينزل من مروحيّته إلى سطح البيت بالحبل في الظّلام الحالك بسبب انقطاع الكهرباء المعتاد، واستعدّ المهاجمون بلبس نظّارات خضراء تساعدهم على الرؤية في الظلام كالقطط.
ولكن الحوامة الأولى عجزت عن الوقوف في الهواء فوق السّطح فلجأوا إلى الخطّة الثانيّة المقرّرة في حال إخفاق الخطّة الأولى: النّزول على الأرض بأفراد راكبي الحوّامتين ومهاجمة البيت من الأسفل، ولكنّ الحوّامة الأولى ارتطمت بسور البيت دون أن يتأذّى ركّابها.
وبدأ الهجوم حسب الخطّة الثّانية على الملحق الذي يسكنه أحمد الكويتي ولما عجزوا عن فتح الباب أو الشّبّاك بسبب الحماية الحديديّة القويّة فتحوا طريقهم إلى داخل البيت بالمتفجّرات، وكان أهل البيت كلّهم قد أيقظهم صوت المروحيّات بلا شكّ، وقبل أن يستطيعوا الدّخول إلى المُلْحَق أُطْلق عليهم الرّصاص من الدّاخل فردّوا بوابل من رصاصهم ثم سمعوا الباب يُفْتح من الدّاخل ونادتهم مريم زوجة أحمد الكويتي ليوقفوا إطلاق النّار ثم ظهرَتْ وهي تحمل رضيعها وقالت لهم: لقدْ مات، قتلتموه، ولما تأكّدوا أنها لا تحمل سلاحاً دخلوا فوجدوا الرّجل ملقىً على الأرض وبجانبه مسدّس ورشاش، فانتقلوا إلى المنزل ليساعدوا رفقاءهم من المروحيّة الثانية التي وقعت على السّور وفجّروا الباب الشمالي للسّور ليستطيعوا الدّخول.
وهم يعلمون أن المنزل يوصل إليه من الباب الشمالي الذي يدخل منه ابن لادن وعائلته، ومن الباب الجنوبي الذي يدخل منه الكويتي.
ولمّا فجّروا طريقاً إلى المنزل رأوا رأساً من إحدى النّوافذ فرماه أحدهم برصاص من بندقيّته، وتبيّن أنّه الكويتي الثاني ولما حاولت زوجته بُشْرى وقايته من القتل قُتِلا معاً، ولما دخل المهاجمون الغرفة وجدوا امرأة أخرى وعدداً من الأطفال يبكون في إحدى الزّوايا، ووجدوا رشّاشاً فأفرغوه من الرّصاص ورموه خارجاً، واتّجهوا إلى الدّور الثّاني وفجّروا طريقاً إلى داخله، فرأوا رأس رجل غير مُلْتحٍ، يحاول أن يرى أحداً ممن يسمع أحذيتهم فناداه من يتكلم العربيّة منهم: (خالد)، فأخرج رأسه مرّة أخرى فأطلقوا عليه النّار قبل أن يتمكّن من استعمال رشّاشه.
كان خالد قادراً على أن يقتل عدداً من المهاجمين وهم يحاولون الصّعود إلى الدّرج الضّيَق وكلّ منهم يحمل سلاحَه وحقيبةً فوق ظهره فيها كلّ ما قد يحتاج إليه من المعدّات والمتفجّرات، ولعلّ سماعه من يناديه فاجأه ودفعه إلى إخراج رأسه للقنّاص. [وهي إرادة الله عزّ وجلّ].
وقبل أن أصل إلى أعلى الدّرج المؤدّي للطّابق الثالث سمعت طلقتين وعندما وصلت عرفت أنّ أحد المهاجمين رأى رجلاً يطلّ من باب إحدى الغرف فأطلق عليه الرّصاص، وفتحنا الباب فوجدنا امرأتين تقفان بجانب رجل مصاب برصاصة في جمجمته ولكنّه لا يزال يتحرك فأطلقنا عليه عدّة رصاصات حتى توقّفت حركته، وكانت المرأتان تصرخان وانطرحت إحداهما على الفراش وهي تمسك برجْلها، وتبيّن إصابتها بشظيّة أو رصاصة مرتدّة وجُرْحها غير كبير فتولاّه المترجم يضمّده، وجُمِعَ الأطفال والمرأة الأخرى خارج الغرفة في الشرفة لتهدئتهم، وبدأتُ أقارن بين الرّجل الميّت وبين صور ابن لادن وأوصافه فوجدتها متماثلة عدا أنّ لحيته سوداء ولا شيب فيها، وتوقّعت أنّها مصبوغة وتأكّدنا عندما وجدنا بين متاعه صبغة شعر سوداء للرّجال.
وسألنا المرأتين عن اسمه فلم تردّ إحداهما، وبعد عدّة محاولات قالت إحداهما: إنّه الشيخ، وسألناها: من الشيخ؟ فقالت أسامة، وكانت إحدى البنات الصّغيرات أسرع في الإجابة؛ قالت: أسامة بن لادن.
وعُدْنا لإحدى المرأتين فخافت وقالت: هو أسامة بن لادن.
أخذنا جثّة بن لادن معنا، وأجهزة اتّصاله ومن بينها آلة تسجيل لتصريحاته طلبَتْ منا (c.i.a.) البحث عنه وأرتنا مثيلاً له، ثم أخرجنا النّساء والأطفال إلى الملحق مع عائلة أحمد الكويتي، وفجّرنا المروحيّة المنكوبة بعد مغادرتنا.
وأخذنا الجثّة معنا في مروحيّة بديلة بعد أن حصلنا على عينة من الدّم واللعاب زيادة في التّوكيد، وتمّت العمليّة في نصف ساعة المقرّره.
وسلِمْنا من الشّرطة الباكستانيّة، ولكنّ عدداً من الجيران نبّهتهم التّفجيرات فحثّهم المترجم بلغة البشتو على الرّجوع إلى منازلهم وأخبرهم أنها عمليّة أمنيّة.
قلت: أمّا الرّاوي الأخير (owen) فهو أحرى بالتّصديق لأنه شاهد عيان يروي ما يقول بأنّه شاهده واشترك فيه.
وأمّا الرّاوي الأوّل فهو أقرب إلى محنة ابن لادن؛ أحدهما يهرف بما لا يعرف وهو مواطن أمريكي كان ينتقد كلِنْتُون وبُشْ لتفويت عدّة فرص للقبض على ابن لادن، ثم صار ينتقد أمريكا لأنها صارت تطارده، ولن تستطيع هزيمته، وفرح ابن لادن بفكره وهو مثله كان يشكر السّعوديّة وأمريكا على إعانتها المجاهدين الأفغان ثمّ تحوّل إلى طالبان فآووه وكان وبالاً عليهم وعلى نفسه.
ولكنّي أرجوا الله أن يتجاوز عنه نشر الفتنة في بلاد المسلمين لما أظنّه من إفراده الله بالعبادة مع أنّ أكثر قومه صوفيّة قبوريّة.
أما سعيه لقتل مئات بل آلاف الأنفس بغير حقّ فقد توعّد الله تعالى قاتل نفسٍ واحدة بعذاب النّار. وقد لقي ربّه والأمر لله وحده، وتجاوز الله عنّا وعنه وعن كلّ مسلم.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 1435/3/7هـ