من غرائب المخلوقات: (cnn-ted turner)
من غرائب المخلوقات: (cnn-ted turner)
بسم الله الرحمن الرحيم
1) لقد اخترت كلمة (المخلوقات) تذكيراً بقول الله تعالى: {إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ} مهما بلغوا من الإنجاز والتّميّز والغنى.
2) و(تِدْتِيْرْنَر) مِنْ أبرز مَنْ حقّق الله له الانجاز والتّميّز الدّنيوي في هذا العصر،
والثروة الماليّة إذ ضاعف رأس ماله من تركة والده (مليون دولار) خمسة آلاف ضعف، فعُدَّ (26) من بين أغنى الأغنياء في أمريكا إن لم يكن في العالم.
3) لم يكن متميّزا في دراسته، وكان مشاغباً أكثر زمن دراسته، وكان أبوه يضربه لمجرّد أنّه لم يقرأ كتاباً كاملاً في اليومين الماضيين، فإذا بكى ضربه مثلها لمجرّد أنّه بكى.
4) وفي نهاية المرحلة الثّانويّة مَلَّ من كثرة المشاغبة فلم يجد بديلاً غير محاولة التّميّز، وفرح والده بالتحاقه بكلّيّة متميّزة في جامعة براون، ثمّ غضب عليه لاختياره التّخصّص في الآداب الإغريقيّة والرّومانيّة النّظريّة على إدارة الأعمال العمليّة.
5) وفي دراسته الجامعيّة فُصِل مؤقّتاً لمخالفته نظام السّكن الجامعي – مع أنّه وافق فكرة والده تغيير تخصّصه لإدارة الأعمال – ثم فُصِل مرّة أخرى مؤقّتاً للسّبب نفسه فترك الجامعة نهائيّاً.
وحاول أن يجد عملاً غير تجارة والده في لوحات الإعلانات التّجاريّة، فلم يوفّق، وعاش عيشة الفقراء مع المهاجرين الكوبيّين في ميامي.
وحرصاً على عدم الاضطرار إلى العمل في تجارة أبيه، عاد لأداء واجبه العسكري الاحتياطي في خفر السّواحل فأُعْجِبَ قائد السّفينة التي يعمل فيها بتفانيه في العمل فعرض عليه ترشيحه للدّراسة في أكاديميّة خفر السّواحل، فرفض وفاجأ نفسه وغيره بقوله لقائد السّفينة: (سأعود إلى البيت حيث يوجد أبي)، لقد وجد الصّواب دائماً في اختيارات والده العمليّة الدّنيويّة، بما في ذلك ضربه وتعنيفه المتكرّر في حياته.
6) عاد (تِدْتيرنر) إلى العمل في تجارته، وفرح والده بتميّزه على خير العاملين معه، ولم يتمتّع (تِدْ) طويلاً بفخر أبيه إذ قضى الله على والده الموت بعد أن عيّنه مديراً لأحد فروع تجارته.
7) ونجح (تد) في تطوير تجارة أبيه إلى درجة التغلّب على جميع منافسيه في الاعلانات التّجاريّة على الطُّرُق السّريعة، ولكنّه ملّ – كعادته – من هذه التّجارة فاشترى محطّة تلفزيونيّة على شفا الإفلاس، وكان إرسالها ضعيفاً إلى درجة أنّه عجز عن التقاطها على جهاز تلفزيونه عام 1970، فاشتراها بمليونين ونصف دولار من أسهم شركته، وظنّ أكثر من حوله أنّ مآله الإفلاس.
8) كان يكره الأخبار ويعتقد أنّها تسبّب الشعور بالشّقاء لدى النّاس لتركيزها على الشّرّ ومبالغتها في رواية أخباره، ويوكّد أنّ الأخبار لن تكون جزءاً من بثّ محطّته (wtcg)، وملأ ما بقي له من لوحات الاعلانات بالدّعاية لها، ولما عَرَف أنّ الأنظمة الفدراليّة تلزمه ببثّ 7ساعات من الأخبار في الأسبوع وقَّتَ إذاعة هذه الأخبار السّاعة 3 بعد منتصف الليل حيث ينام أكثر المشاهدين.
لم يوظّف مراسلين، بل كان المذيع يقرأ قصاصات من الجرايد، ولأن (تد) شجّعه على عدم الجدّيّة في بثّ الأخبار اتّخذ الهزل سبيلاً؛ فكان يبثّها أحياناً وعلى رأسه كيس ورق من البقالة، وأحياناً يلبس لباس غوريلاّ، ومرّة أحضر كلباً ولطّخ فمه بزبدة الفستق ثمّ صوّره وهو يلعقها في الوقت الذي سُمِع فيه صوت (والتركرانكايت) أشهر مذيع للأخبار، وكأنّ الكلب هو مذيع الأخبار.
وركّز على إذاعة الأفلام والمسلسلات المرغوبة، وفي خلال 3سنوات بدأ (تيرنر) يجني الأرباح من محطّته. وطمعاً في زيادة الأرباح نقل مباريات الرّياضة العنيفة (الكرة والمصارعة) واشترى أحد فِرَق الكرة، وبنى في محطّته ملعباً للمصارعة، ولكنّ مشكلة ضعف البثّ محتاجة لحلٍّ لتصل برامجه إلى جمهور أكبر، فوجد الحلّ في القمر الصناعي (rca) ولم يسبقه إليه غير(timeinc.) وكان هو الثاني.
9) ولرغبته في التّحدّي ومحاولة النّجاح فيما حاوله غيره وأخفق فيه؛ غامر بكلّ ثروته لإيجاد أول محطّة إخبارية (cnn) عام 1980، وردّ على أسئلة وعلامات التّعجّب: كيف يخاطر بعمله الناجح في سبيل عمل لم ينجح فيه من هو أكبر وأقدر منه في عمل يكرهه: الأخبار، بأنّه يريد أن يتأكّد من قدرته على إنجاحه، وظنّ كبار المستثمرين في الإعلام أنّه سيخفق، وفي البداية كانوا غير بعيدين من الصّواب.
كانت ميزانية (cnn) إثناعشرة مليون دولارا يوم افتتحت، وبعد أسبوع زادت إلى 18مليون، وبعد شهر زادت إلى 30مليون، ثمّ واجهت عجزاً ماليّاً قدره 250مليون دولاراً، وهو يوكّد أنّها ستنجح نجاحاً باهراً.
10) وبدأت (cnn) تتغلّب على كبرى المحطّات الفضائيّة في أمريكا وفي العالم بسرعة تقديمها أخبار محاولة قتل الرّئيس الأمريكي رَيْكَن وزلزال سان فرانسِسْكو، ثم سقوط جدار برلين واخفاق ثورة الشيوعيّين على تجديد كورباتشوف، وأهمّ من ذلك كلّه: معركة عاصفة الصّحراء لطرد حزب البعث العراقي من الكويت.
11) وكان من نتائج تحدّيه للصّعاب ومحاولة تذليلها زيارته لطبيب نفسيّ، (وليته لمّا كان مثلي يَكْره الأخبار والتّكييف كَرِه مثلي الطّبّ النّفسيّ)، فأعطاه الطّبيب علاجاً استمرّ في الاستشفاء به ثلاث سنوات ولم يَرَ منه فائدة فذهب إلى طبيب نفسيّ آخر فكذّب تشخيص الطبيب الأول، وكان العلاج: تغيير عتبة بابه، فطلّق زوجته سيّئة الخلق وتزوّج امرأة أصلح منها له.
وهو متناقض وغريب الأطوار- بلغة الإعلام – فهو يطالب بتغيير النشيد الوطني الأمريكي بصفته نشيد حرب، ويتبرّع بألف مليون دولاراً للأمم المتّحدة لحفظ السلام وكان يكره الأخبار لنشرها الشّرّ وهو يبتكر ويدير ويملك أوّل وأكبر محطّة فضائية لنشر الأخبار في العالم وينشر رياضة العنف.
ومع أنه يصنّف مع أكبر الأثرياء في العالم فهو يسكن مع زوجته في بيت خشبي من طابقين (وإن كان أكبر مالكي الأراضي)، ومرّة كاد أن يؤذي نفسه محاولاً التقاط 10 سنتات أسفل باب دوّار، وغرائبه يصعب إحصاؤها لأنّ لسانه يسبق عقله، وهو يبذل كثيراً من الأموال في المحافظة على الأرض والماء والغابات، ولكنّه يفقد أهمّ ما يحتاج إليه، فلم يقل مرّة: لا إله إلاّ الله، ولا: اللهمّ اغفرلي خطيئتي يوم الدّين.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن في 29/12/1434هـ بمكة المباركة