من يستفيد من التجارة الحرة؟

من يستفيد من التجارة الحرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

أجاب عن هذا السؤال كاتب أمريكي لا ينقصه المرح ولا الحكمة المعيشية. اسمه (أورورك)، وجوابه: يستفيد الجميع. يقول في كتابه (وعنوانه: كُلُوا الأغنياء): السبب في غنى بقعة من العالم وفقر أخرى ليس الذكاء؛ فلا يوجد على وجه الأرض أكثر غباوة من (هوليود) أغنى بقاع الأرض، وفي روسيا التي يعد فيها الشطرنج رياضة شعبية يعيش أكثر المواطنين في مستوى الفقر. وليس وفرة المواد الطبيعية، فإن أفريقيا الفقيرة تملك كنوز الذهب واليورانيوم والنّفط، بينما تعدم هولندا الغنية كل ذلك إضافة إلى أن نصف مساحتها مغطاة بمياه البحر، [ومثل هولندا ليس لسويسرا نصيب من الموارد الطبيعية ولا خفّة الدّم، وأغلب أوروبا كذلك، ولم تعد لأي منها مستعمرات تحميها الأساطيل] السبب واضح لو فتح الناس أعينهم عليه: حرية التجارة، وتعني الإقرار بحق الفرد في امتلاك ثمرة جهده والتصرف فيها بأي شكل يختاره دون تعدٍّ على حقوق الآخرين.

ولكن أكثر الناس لا يعقلون هذه الحقيقة، ولا يقفون، ولا يعترفون بالحدود الفاصلة بين حقوقهم وحقوق غيرهم، فمنهم من يسرق من المال الخاص أو العام، ومن يغتصب أرض جاره أو الاستمتاع بحليلته أو شيئاًَ من حقوقه، ومنهم من يخون أمانته في وظيفته أو وصايته على اليتيم أو القريب أو الولد أو الزوجة، ومنهم من يضمر الحقد والحسد لأخيه الغنيّ ويظهر المطالبة بتوزيع الثروة. وقد رفض الاشتراكيون ودعاة المساواة الاقتصادية مبدأ حرية التجارة بحجة أنها لا تحقق العدل، وأنها السبب في وجود هوة سحيقة بين الأقلية الغنية وبين الأغلبية الفقيرة، وظنوا أن الطريق الصحيح لردم هذه الهوة أن تؤخذ أموال الأغنياء وتعطى الفقراء. ولكن التجربة أثبتت فشل هذه النظرية في الدول الاشتراكية الأصلية وفي الدول المقلّدة لها؛ وكان الناتج في كل حال: اختناق العملية التجارية، وفقد حوافز العمل، بل فقد البضائع من الأسواق، لو تحقق الحلم بامتلاك الأكثرية لأموال الأقلية. وبهذا تم تأميم الفقر.

المصيبة هي الفقر نفسه وليس الفرق بين غنيّ وفقير، وعكس هذه الحقيقة ولّد مصائب أخرى لا تقل سوءاً: الحقد والحسد والخصام والاقتتال والظلم.

ومع أن هذا الرأي مبني على الفكر واستقراء التاريخ ونتائج الواقع الحاضر، فقد لفت الكاتب الانتباه إلى أن أهمّ الوصايا العشر في التّوراة بعد النهي عن عبادة غير الله. النهي عن السرقة والاعتداء على الملكية الفردية وحسد الآخرين على ما يملكونه والطمع فيه.

والمسلم في غير حاجة إلى تحكيم الفكر أياً كان مصدره أو وصفه، ولا إلى تحكيم نصوص اختلط فيها الوحي والفكر فلا يمكن التمييز فيها بين الظن واليقين، وبين يديه وحي الله في كتابه وسنة رسوله وهو ما تعبّده الله به وحده، لا يحييه ولا يهديه غيره، ولا يقبل منه غيره:

1) ذكر الله فيما حرّم على عباده من البشر بعد الشرك بالله وعقوق الوالدين: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} [الأنعام: 151 – 152]، وجاء بعد هذه الآية من سورة الأنعام: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، وتكرر الأمر بترتيبه في سورة الإسراء.

2) وقال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].

3) ولم يخلق الله عباده من البشر متساوين في خَلْقهم ولا أخلاقهم ولا أرزاقهم، في أجسامهم ولا عقولهم، في تدينهم ولا في دنياهم، وافتعال المساواة بينهم ـ في الرزق خاصة ـ محاولة للخروج عن سنة الله في خلقه مصيرها البوار: قال الله تعالى:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]، فكثرة المال وترف العيش وزينة الدنيا لا تصلح مقياساً شرعياً ولا عقلياً للخير والفضل والسعادة؛ قال الله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ*وَزُخْرُفًا} [الزخرف: 33 – 35]. وعلاج الفقر لا يتحقيق بنظرية خيالية عن توزيع الثروة، ولا ضرورة لتحديد الملكية أو تقييدها بغير ما شرع الله، وإنما يتحقق بسعي الفقير لكسب الرزق الحلال وطلب التوفيق والبركة من الله. وصلى الله وسلم على محمد وآله.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.