مقدمة مجموع المقالات [4]
مقدمة مجموع المقالات [4]
بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة خير
«إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله» [من صحيح مسلم].
أمّا بعد: فهذه هي المجموعة الرابعة من مقالاتي التي يسّر الله جمعها بفضله تعالى ثم بهمة الشيخ/ ردّاد الرّدَّاد، وبلغ عدد المجموع من المقالات حتى الآن مائة وأربعاً وثلاثين مقالة، ونشرت جميعها (وزيادة) في الموقع الذي أسّسه باسمي، وقام عليه فضيلة الشيخ/ عبد الحق التركماني ليخلف موقعاً قبله أسّسه وقام عليه فضيلة الشيخ/ عبد الله الهدلق وفضيلة الشيخ وليد الفنيخ جزى الله الجميع خير الجزاء وأجزل لهم الثواب ونصر بهم دينه وأعلى بهم كلمته.
وكما اخترت للمجموعة الأولى عنوان: (الحكم بما أنزل الله فَرْض عينٍ على كلّ مسلم)، وللثانية عنوان: (إنما اليقين في الوحي والفقه لا في الفكر الإسلامي)، وللثالثة عنوان: (الدعوة والدعاء من شرع الله لجميع عباده)، اخترت للرابعة عنوان: (بيان الحق ورحمة الخلق):
1 – ليكون العنوان عَلَماً على المعنى والغرض المشترك بين جميع المقالات وإن قدّر الله أن يكون خاصّاً بـِأُوْلاها.
2 – ليستفيد من لا يقرأ غير العنوان فائدة مهمة للمسلم عامّة وللداعي إلى الله تعالى خاصة (فليس ذلك على الله بعزيز).
3 – لتجنب ما تَكَلَّفه أكثر المؤلفين بعد القرون المفضلة من الإسراف في السجع، مع كراهيته شرعاً ولغة، وما تكلفوه من زخرف القول والشكل.
4 – لتقوم مقام التقديم أو التقريض الذي تكلف المتأخرون من المؤلفين استجداءه من العلماء أو كبار طلاب العلم وهو نوع مُمَوَّهٌ من تزكية النفس، وهو (مثل السجع والزخرف) مما التزمه الناس بعد القرون الخيّرة.
5 – وكلّ ما تضمنته العناوين الأربعة لازم لتحقيق الدعوة على منهاج النبوة: أن تقوم على ما أنزل الله في الكتاب والسّنة، وأن تجمع بين الوحي والفقه فيه من أهله وتتجنب ما أُحْدث في القرن الماضي باسم الفكر الإسلامي فإن أكثره أو جُلّه أجنبي عن الوحي وعن الفقه فيه من أهله، وأن تُبْذل الدعوة والدعاء للجميع: الصالح والطالح والمسلم وغيره، وأن تجمع الدعوة بين بيان الحقّ ورحمة الخلق، فلا يُبخس دين الله بنقص البيان، ولا يُبخس عباد الله بنقص العدل، بل توزن الدّعوة بهذا الميزان العادل الجامع بين الصّدع بالحق (وأَهَمُّهُ الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن إشراك المخلوق مع الخالق في عبادته) أمراً بمعروف ونهياً عن منكر (دون خشية من جَهْل جاهل)، وبين دعوة الموافق والمخالف بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، والدعاء لهم بالهداية، والحكم على أقوالهم وأعمالهم بالظاهر وعدم اتهام نيّاتهم.
وكل رسل الله جاءوا إلى عباده الضّالين بالدعوة والدعاء والصّبر على الأذى استجابة لأمر الله تعالى كما في خواتيم سورة النحل.
وحكى النبي صلى الله عليه وسلم قصة نبي ضربه قومه فأدموه، فكان يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» [متفق عليه].
وقد نُهينا عن الاستغفار للمشرك (ولو انتمى إلى الإسلام) إذا مات على شركه، وقليل ممن يتقرّب إلى الله (بدعاء أصحاب المقامات والمزارات والأضرحة والمشاهد والمراقد والاستغاثة بهم وطلب المدد منهم والذبح والنذر لهم) يتوب من هذا الشرك ويستغفر الله منه، لِشُبْهة المشركين في كل عصر: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]، وشبهة المشركين في كل عصر: {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18]، هدانا الله وإياهم قبل الموت.
وقال الله تعالى في محكم كتابه: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]، ذكر ابن كثير في تفسيره أنها نزلت في نهي الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لعمّه أبي طالب [متفق عليه]، ونقل عن ابن جرير رحمهما الله أنها نزلت في نهي الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لأمِّه (عن العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهم)، ورَوَى عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم: (أن النهي إنما كان عن الاستغفار للمشركين بعد موتهم لا عن الاستغفار للأحياء منهم)، ونقل عن ابن جرير قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتاده رضي الله عنهم: (ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبيّن له أنه عدوٌ لله فتبرأ منه).
فلا يجوز السكوت على الخطأ، ولا يجوز الاعتداء، وتوكيداً لهذا العنوان الجديد وهذا المعنى المأثور؛ أضَفْت إلى مهذَّبي نوّنية القحطاني في هذه المجموعة بضعة أبيات من نونيّة ابن القيم رحمهما الله:
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما* بالحقّ في [العاصين] ناظرتان
فانظر بعين الحكم وارحمهم بها* إذ لا تردّ مشيئة الدَّيّان
وانظر بعين [الشرع] واحملهم على* أحكامه فَهُما إذاً نظران
لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم* فالقلب بين أصابع الرحمن