يوسف البرقاوي أوّل دعاة التّوحيد والسّنّة في الأردن
يوسف البرقاوي أوّل دعاة التّوحيد والسّنّة في الأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
عرفت الشيخ يوسف البرقاوي رحمه الله منذ وصولي الأردن مع بداية هذا القرن الخامس عشر ممثلًا لرئاسة البحوث والإفتاء في الإشراف على دعاتها في بلاد الشام، وكان قد سبقني عائدًا إليها بعد غياب طويل في بلاد التوحيد والسنة دارسًا في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ثم معلمًا في مدارسها.
ولأن الجامعة الإسلامية بالمدينة تُعِدُّ طلابها للدعوة في بلادهم على منهاج النبوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد اختار ترك العمل في المملكة العربية السعودية المباركة والعودة إلى بلاد الشام المباركة وفاء بعقده مع جامعته؛ مضحيًا بوظيفته التعليمية وبعيشه الهنيء وصلته المباشرة بالشيخ ابن باز في الرياض وبشيخ العشيرة ابن مشيط في أبها، وكان الاثنان من أصدق أصدقائه وأبر الناس به رحمهم الله جميعًا. واستمر على صلته بالاثنين بين حين وآخر، بل كان ابن مشيط يزوره في الأردن سنويًّا ويقيم معه في بيته الذي أعانه على بنائه حتى أعجزه الكِبَر، بنى الله لكل منهم بيتًا في الجنة عنده.
وكان الشيخ يوسف البرقاوي رحمه الله وفيًا للجامعة الإسلامية في أمر أهم لا يوفق له أكثر الدعاة من خريجيها وغيرهم: التركيز على الأمر بإفراد الله بالعبادة (وما دون ذلك من الأحكام الشرعية) والنهي عن إشراك أحد غير الله معه في عبادته (وما دون ذلك من الابتداع في الدين)، واستنكر ذلك عدد ممن يوصفون بالدين والعلم والدعوة (على غير منهاج النبوة) بحجة أنه يكره أولياء الله (الذين سميت بأسمائهم أوثان المقامات والمزارات والأضرحة)، بل بحجة أنه يكره النبي صلى الله عليه وسلم (لمنعه اطراءه ووصفه بغير ما وصفه الله به ووصفه به أصحابه وتابعوهم في القرون المفضلة، ومنعه الاستغاثة والاستعانة به بعد موته). ووفقه الله لتحكيم أحد ولاة الأمر في وزارة الأوقاف الأردنية فيما شجر بينه وبين مخالفيه مبينًا أنه يعتقد يقينًا أن من يكره النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر خارج عن ملة الإسلام، وأن من الولاء لله ولكتابه محبة أوليائه الذين شهد لهم وحي الله في كتابه أو سنة رسوله بالولاية، ولكنه يعتقد – يقينًا – كذلك أنه لا يجوز أن يصرف لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لولي – دونهما – شيء مما اختص الله به نفسه من دعاء أو علم غيب أو تصرف في الكون، وأنه لا يجوز الاستغاثة أو الاستعانة بميت ولا غائب ولا بمخلوق حي فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ ووفق الله الحَكَم لمعرفة الحق والعدل به، فسكت عنه المبتدعة على مضض. واستمر نحو ثلاثين سنة يصدع بالدعوة على المنهج الذي ارتضاه الله لجميع رسله لا يخرج عن أحكام الشريعة في الاعتقاد والعبادة والمعاملة، وينكر المبتدعات المحدثة في الدين والدعوة إليه.
وأعانه الله وشد عضده بأحد الدعاة الموحدين الشيخ عبد الرؤوف العبوشي رحمه الله وإن كان دونه في الالتزام بالفقه الأول والمنهاج الأول. وكان من حسناته – بفضل الله – أن لازمه أحد ضباط الجيش العربي الأردني الشيخ يوسف الغويري بضع عشرة سنة حتى صار ينافسه في العلم والعمل، وقد أعلن لمشيعي الشيخ البرقاوي (وهم ألوف مؤلفة غص بهم أكبر مساجد الزرقاء والساحات والطرق المحيطة به) أنه يشهد لله شهادة حق بأنه لم يعرف التوحيد والسنة حق المعرفة إلا من دروسه وخطبه في مساجد الزرقاء وما حولها، والشيخ يوسف الغويري اليوم من خير من عرفت في أرض الشام المباركة علمًا ومنهجًا ودعوةً، وقد استعنت بالله ثم به؛ فهو خير من أعانني على مراجعة وتصحيح أكثر منشوراتنا (بين 60 و70 من الكتب والرسائل).
وأثناء فتنة حزب البعث العراقي وطاغوته صدام حسين في الخليج واحتلاله الكويت ركض الشيوعيون والعلمانيون والحزبيون الموصوفون زورًا بالإسلاميين في ركب الشيطان تأييدًا للشر، ووقف الشيخ يوسف البرقاوي رحمه الله في وجه الظلم والظالم وأعلن (وحده فيما أعلم) رأيه في مقال من عدة صفحات في مجلة رابطة العالم الإسلامي وهو يعلم أن الأكثرين (الأقلين في شرع الله) سيعادونه؛ كما صدع بالحق في الدعوة إلى التوحيد والسنة والتحذير من الشرك وما دونه من البدع وهو يعلم أن الأكثرين (الأقلين) ضد له. وكان من أنصاره في الدعوة على منهاج النبوة وفي إنكار احتلال الكويت وتأييد السعودية في التصدي له: الشيخ محمد نسيب الرفاعي شيخ الدعوة إلى التوحيد والسنة في حلب من الأرض المباركة؛ كلاهما عاش للدعوة ومات داعيًا إلى الله على بصيرة في الأردن. غفر الله لهم جميعًا ورحمهم وأثابهم الفردوس من الجنة والنظر إلى وجهه الكريم، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتبعي سنته.
كتبه سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. 1435هـ