الولاء والبراء الشرعي والحركي (1)
الولاء والبراء الشرعي والحركي (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا العصر الذي احتل فيه الفكر الموصوف بالإسلامي مكان الوحي والفقه في الدين واحتل المفكرون الموصوفون بالإسلاميين مكان علماء الشريعة ودعاتها ترتفع راية للولاء المنحرف للحزب وقادته والبراء المنحرف من أهل الدعوة إلى التوحيد والسنة وولاة أمرهم.
وأكثر ما تنشر هذه الراية العمياء عندما يفحم أحد دعاة الحركيين أو أفرادهم بالنصوص من الوحي والفقه فيه الدالة على أولوية الدعوة إلى التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة في كل مكان وزمان ـ الأمر الذي تجهله أو تتجاهله جميع الأحزاب والجماعات الموصوفة بالإسلامية ـ فيتشبث كالغريق بسؤال لا يتغير ولا يتبدل (وأين الولاء والبراء؟؟).
بمعنى يحتوي على مقدمة صحيحة وهي أن الولاء والبراء جزء من الإيمان ونتيجة فاسدة هي أن شغل منابر الدعوة وأفئدة الغوغاء بالتحليلات السياسية الظنية عن تعلم الدين الحق وتعليمه والدعوة إليه والفتنة بين الراعي والرعية واغتياب ولاة الأمر من العلماء والأمراء هو من المنهج الشرعي للدعوة بل من أسس الاعتقاد الصحيح ومن الولاء والبراء الشرعي.
والولاء في كتاب الله وسنة رسوله وفقه أئمة الدين في القرون المفضلة هو لله ولرسوله وللمؤمنين ـ المتبعين لا المبتدعين ـ ولا ينافيه التعامل مع غير المؤمنين المتبعين بالعدل والإحسان بل هي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم مع الجميع في التجارة والزراعة والإجارة ونحوها.
والبراء في كتاب الله وسنة رسوله وفقه أئمة الدين في القرون المفضلة براءة من أعمال الشرك والابتداع في الدين ولو انتسب أهلها إلى الإسلام ولا يجيز ذلك ظلمهم والتعدي عليهم بما يسميه الجهلة جهاداً في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، قال الله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} لا المسافرين الآمنين في الطائرات والحافلات ولا المشاة الآمنين في الطرقات ولا الموظفين الآمنين في المكاتب {ولاتعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة: 190].
ومن أوضح الأمثلة على الولاء والبراء الحركي المنحرف عن شرع الله:
عدد من المثقفين الإسلاميين الجهلة بشريعة الله يهجرون جماعة المسلمين في بلادهم ومنها بلاد الشام المباركة (بل في أرض الحرمين التي ميزها الله من قبل ومن بعد بجمع أهلها على الكتاب والسنة وهدم أوثان الأحجار والأشجار والمزارات والمشاهد وإزالة منكرات البدع في المساجد ومظاهر الانحراف في الاعتقاد والعبادة والمعاملة) ويهاجرون (كأنما نفتهم الأرض الطيبة المقدسة كما تنفي النار خبث الحديد أو كما نتفي مكة والمدينة في فتنة الدجال المفتونين من سكانها) إلى بلاد وجماعات يصفونها هم ـ بأنهم صليبيون وعلمانيون وكفار لا يؤمن مكرهم وإلى بلاد وجماعات انحرفت وضلت منذ قرون عن الاعتقاد الصحيح والسنة الصحيحة وعن منهاج النبوة جملة وتفصيلاً.
ويبقى المخلفون منهم ـ كما يقضيه التكتيك الحركي ـ يأكلون خير البلاد الطيبة ويكفرون نعمة الله بها عليهم ويرجفون بالإشاعات وينشرون الباطل من القول والفكر ويحاولون إثارة الفتنة بين المسلمين وبين ولاة أمرهم ولا قضية لهم إلا المال وعدم المساواة يصدق عليهم قول الله تعالى {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58].
ولاشبهة لهم إلا تعامل ولاة الأمر في بلادهم مع غير المسلمين، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وينهون عن منكر هم أول من يقع فيه، وكأنما يبغون غيرهم البر ويبغون أنفسهم الإثم والعدوان لا بالتعامل بل باللجوء والولاء.
ويحذر الله عباده من الولوغ في الفتنة {يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم}.
ويحذر الله عباده تصديق الخبر قبل ثبوته {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين}.
ويحذر الله عباده قبول أو نقل قالة السوء {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين} {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}.
ويحذر الله عباده من الإذاعة أو العمل بأخبار الأمن أو الخوف قبل ردها إلى ولاة الأمر من العلماء والأمراء {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
فهل من سامع؟
نرجو الله أن يردهم إلى دينه رداً جميلاً وأن يلتزم الجميع بأمر الله فيما يقولون ويعملون وبالسياسة الشرعية في الدعوة إلى الله وبالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ولعل الله أن يهدي الجميع لأقرب من هذا رشداً.
(الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم ص 9-10-11)