قدوة المواطن للمواطن
قدوة المواطن للمواطن
بسم الله الرحمن الرحيم
عشت زمناً لا أرى لأخي المواطن غير صورة رديئة لا أحبها لنفسي ولا أحبها لأخي المسلم في أي موطن: الانتماء إلى الإسلام والبعد عن العمل بأحكامه والتحلّي بأخلاقه، التهالك على المصلحة الخاصة وإهمال المصلحة العامة، والكسل الذهني والبدني عن الطموح إلى الخير في كل ذلك وبخاصة عند المقارنة بالأمثال الجيدة: في أمريكا ـ مثلاً ـ ودول الغرب عامة: الدفاع المدني التطوعي، وجيش الإنقاذ، بيوت الشباب المسيحي، بيوت الشابات المسيحيات، المأوى والمطعم الخيري في الحدائق العامة داخل البلاد، والإرساليات التبشيرية أو الإنسانية خارج البلاد.
فإن كان ذلك لخدمة الدين فلماذا لا يخدم المسلم دينه؟ وإذا كان خدمة للإنسانية فلماذا لا يخدم المسلم إنسانيته؟
وبعد أن ميّز الله هذه البلاد المباركة بِنِعَم الدنيا بعد أن ميّزها بِنعَم الدين، وأذِن بظهور التوجه العالمي للتدين في الغرب ثم الشرق بدأت الصورة تتحسن في بلاد المسلمين بظهور مؤسسات خاصة للدعوة والإغاثة، وإن شابها الاهتمام بالأدنى عن الأعلى وبالمهم عن الأهم وبالدنيا عن الدين تقليداً للغربيين، وتبقى القيادة أبداً في يد المقلَّد، والتبعيه للمقلِّد أبداً إلا أن يشاء الله غير ذلك.
ولقد كتبتُ من قبل للإشادة العابرة ببعض النماذج القدوة في أمريكا وفرنسا وآيرلندا وعُمَان دنيوياً، وفي بلاد الدعوة إلى التوحيد والسنة من أفراد وشركات ومؤسسات دينية ودنيوية.
وبين يدي مَثَلٌ صالحٌ للقدوة في هذه البلاد المباركة حثني على التنويه به ما قرأته في جريدتي الجزيرة والاقتصادية ـ متأخراً كعادتي لإصراري منذ ثلاثين سنة على مقاطعة الجرايد ـ عن مراكز وأجهزة غسيل الكلى التي يتعاون المواطنون مع وزارة الصحة على نشرها في أرجاء هذا الوطن الكبير المبارك.
وكما سبق آل الجميح في شقراء وآل سليمان في عنيزة وحسن الشربتلي في جدة إلى التعاون مع دولة التوحيد والسنة في خدمة مواطنيها بالسّقيا والإطعام؛ سبق المواطن المثالي الأستاذ/ عبد الرحمن بن صالح الشثري (من حوطة بني تميم) إلى قيادة المحسنين من الموطنين للتعاون مع الدولة لتوفير مراكز وأجهزة غسيل الكلى في كل مكان يحتاج إليها من المدن الكبيرة والصغيرة؛ فقد منّ الله عليه بتوقف كليتيه عن العمل، وفي كل أقدار الله لعبده المؤمن مِنَنٌ ونِعَمٌ لا يدركها ولا يجني ثمرتها خيراً من الدارين إلا من رضي بقسمة الله له: ” فمن رضي فله الرضا ومن جزع فله الجزع“، ” إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه“، ” إن الله إذا أحب عبداً عجل له العقوبة في الدنيا“، ” لا يزال البلاء بالعبد المؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة“، ” إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم“.
ومع توفر أسباب العلاج له ـ ومنه غسيل الكلى ـ فقد تبين له بحسّه الاجتماعي وخُلُقه الكريم وهمّته العالية ما يعانيه من ابتلوا بهذا المرض في الحواضر فكيف بالمناطق النائية والأطراف. وقد أذن الله له بالشفاء، ولكنه لم ينس غيره من المرضى الذين لم يهبهم الله ما وهبه من المنصب والجاه والغنى وكثرة المحبين فسطر نداءً مؤثراً في جريدة الجزيرة يستثير هِمَمَ أولي الهمم وعزائم أولي العزائم من الموطنين؛ فوجدوا استجابة تفوق كل التوقعات بفضل الله وتوفيقه، وتسابق الموطنون يقدمهم ـ كالعادة ـ ولاة أمرهم لتوفير مئات المراكز والأجهزة بإشراف وزارة الصحة وإدارتها وتشغيلها وصيانتها.
ولا يزال العطاء مستمراً، ولا يزال رائد هذا المشروع العظيم الأستاذ/ عبد الرحمن الشثري يصرف أكثر اهتمامه ووقته وجهده في سبيل خدمة هذا المشروع إرضاء للخالق وعوناً للمخلوق. ومع استمرار هذا التعاون القدوة المميّز بين الدولة ومواطنيها يتبين من تقرير موجز قدّمه لقرائه الصحفي القدوة الأستاذ عبد الوهاب الفايز رئيس تحرير جريدة الاقتصادية ـ وهو من نوادر الصحفيين في تسخيره صحيفته لخدمة الدين ودولة الدعوة إليه ـ يتبين من هذا التقرير: أن (جمعيّة الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي) تعتزم الوصول بهذا العمل العظيم إلى آفاق جديدة بالتعاون مع وزارتي الصحة والعمل تشمل ما يلي:
1- دعوة المحسنين من المواطنين إلى التطوع ببذل القوت والجهد ـ بعد التطوع ببذل المال ـ لخدمة المريض وذويه ابتداء من التوجيه والتّثقيف والتوعية فيما يتعلق بهذا المرض، وانتهاء إلى الإعانة المالية التي قد تحتاجها أسرة المريض لانقطاعه عن عمله.
2- دراسة واقع هذا المرض في البلاد المباركة : أسبابه وعدد مرضاه وطرق الوقاية منه وطرق علاجه؛ ليكون المواطن أكثر قدرة على تجنب المرض وتخفيف ضرره.
وإذا كان لأخي الأستاذ عبد الرحمن الشثري الفضل الأول ـ بعد فضل الله عليه ومنه ـ في السبق إلى تنبيه المواطنين إلى حاجة مرضى الكلى إلى مزيد من المراكز والأجهزة العلاجية في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها ـ من جهة ـ وتيسير تركيب الأجهزة وتشغيلها وصيانتها وإدارتها من قبل وزارة الصحة ـ من جهة أخرى ـ فإن اهتمام جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية بالعمل المؤسسي لضمان استمرار هذا المشروع الخيري العظيم وحسن أدائه وتعدد خدماته؛ لهو فضل من الله على الجمعية والقائمين عليها وعلى المشروع والقائمين عليه من أول يوم، وفضل من الله بها وبهم على خير أمّة أخرجت للناس بعد القرون المفضلة، وكان لآل سعود في القرون الثلاثة الأخيرة الصّدارة والأسوة الحسنة في أمور الدين وأمور الدنيا في جزيرة العرب خاصة وغيرها عامة، أعزهم الله وأعز بهم دينه، وحفظهم ذخراً للإسلام وقدوة صالحة لأهله.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه.
الطائف 1425هـ