الثورات التظاهرية بحجة الإصلاح تبدأ وتنتهي بالإفساد
الثورات التظاهرية بحجة الإصلاح تبدأ وتنتهي بالإفساد
بسم الله الرحمن الرحيم
1 – كل الثورات والمظاهرات والإضرابات والاعتصامات خرَجَتْ على وليِّ الأمر بحجة تحقيق العدل (والحرية والمساوة والديمقراطية)
2 – وكلها (بصرف النظر عن صلاح الولاة أو فسادهم) مخالفةٌ لشرع الله في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وفي الحديث المتَّفق على صحته: «وألَّا ننازع الأمر أهله»، وفي الحديث الصحيح: «وإن ضُرِبَ ظهركَ، وأُخِذَ مالك فاسمع وأطع». «الصحيحة» (2739).
3 – وكلها (منذ الثورة الفرنسية ـ القدوة السيئة) بل (منذ الخروج على عثمان رضي الله عنه وأرضاه في خلافة النبوة، في خير القرون وخير الناس)، بدأت بالقتل، وفتحت الباب لما دونه من الفساد في الأرض والفتن الظاهرة والباطنة.
4 – الاستثناء الذي أعرفه: ثورة الجيش عام 1372 ـ على ولاة مصر (منذ عام 1220 ـ أي قبلها بمئة وخمسين سنة)، ولم تُرق فيها قطرة دم، وإن بدأ عهد الولاة قبلهم بمذبحة المماليك ثم بعد بضع عشرة سنة بقتل ونفي المئات من علماء وأمراء دولة تجديد الدِّين السعودية الأولى عام (1233)، ولكنَّ محمد علي كان خيرًا من سلطان الخرافة العثمانية (الذي أمر بالغزو وتقرب إلى الله بقتل وصلب الإمام عبد الله بن سعود ورفيقيه)؛ فقد عاملهم محمد علي معاملة حسنة، ومع أنه أعجمي الأصل (ألبانيٌّ) فقد كان يُلزم الأعاجم الذين يرغبون العمل في خدمته باللباس العربي والكلام بالعربية (على على نحو ما فعل معمَّر القذافي).
ومع هذا الاستثناء لا أعرف بلدًا عربيًّا صار بعد الثورة خيرًا من قبلها.
5 – والثورات والمظاهرات الأخيرة أسوأ من غيرها؛ بدأت برجل ينتمي إلى الإسلام يُحرق نفسه كما فعل البوذيون الوثنيون أو الشيوعيون كفرًا بنعمة الله عليه بالحياة، ومعصية لأمر الله تعالى بالمحافظة على الحياة، ومعصية لنهيه عن التفريط فيها، وجزاؤه يوم القيامة مثل عمله، فلا يزال يُحرق نفسه لا تنفعه شفاعة القرضاوي وأمثاله، إلا أن تشمله مغفرة الله ما دون الشرك: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
6 – ثم بدأ الإصلاح الثَّوري التَّظاهري بالإفساد العام: تخريب وحرق مؤسسات وممتلكات الأمة (الأمنيَّة بخاصة وغيرها بعامة) وتَهُبُّ الدولة للدفاع عن سلطانها وممتلكاتها ومنجزاتها ومسؤوليَّتها (وكلٌّ راع ومسؤول عن رعيته)، وأعلى المسؤوليات وأولاها بالحفظ مسؤولية الولاية لعمومها البلاد والعباد والدين والدنيا، وأهمية بقائها لصالح كل فرد، ولِشَرْع الله قَتْلَ من يحاول سلبها الولاية كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وصحَّ عن ابن مسعود وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وأنس رضي الله عنهم جميعًا (الصحيحة 3089)، ويهبُّ المتظاهرون للدفاع ويُقتل ويُسجن أو يُنفى من شاء الله له ذلك من ولاة الأمر أو من الخارجين عليهم.
وقد يستعين بعض الخوارج بقوات التحالف الأمريكي الأوروبي الذي كان يُوصف بالصليبية عندما استأجرته دول الخليج لإنهاء احتلال حزب البعث العراقي الكويت عام (1410)، وادعى مفتو الحركيين أنه (إذا دخل لا يخرج)، وأنه (جاء للتنصير)، رغم أنه دخل عشرات السنين (في الخليج والعراق والأردن وبلاد العجم) ثم خرج ولم يُنصِّر؛ فيُقتل المسلمون بالنيران الصديقة (الغربية) أو العدوَّة (العربية) وتُدمر الطائرات والدبابات ومخازن السلاح ومنشآت النفط (العربية) ويحتفل العرب بهذا العدوان التطوعي (الأطلسي) بالتكبير قليلًا، ويرفع علامة النصر (7) اقتداءً بتشرشل كثيرًا، وبتباري رؤساء الغرب (الصليبيون سابقًا، المغيثون لاحقًا) في النباح استنكارًا لمقاومة دولة المسلمين (بالعهد أو الغلبة) الخارجين عليها، وانتصارًا للحرية (للخوارج لا للولاة).
7 – وليت العرب يُحصون (مرة واحدة) كم خسرت البلاد التي ابتُليت بالثورات والمظاهرات من الأنفس والأموال والممتلكات، وكم ربحتْ؟ لو ربحت!
أما نعمة الله بالأمن فلا يحتاج أمرها إلى حساب، يكفي أن يرجعوا البصر كرة واحدة في حال الصومال وأفغانستان والعراق منذ سنين، بل في حال مصر اليوم بعد اختيارها أن تسلم للتظاهرات الغوغائية، كانت الشائعات كالعادة في كل زمان ومكان دون تبيُّنٍ هي الحَكَمُ، وقد أمر الله عباده المؤمنين بالتبيُّن قبل تصديق الخبر، وردَّه إلى أولي العلم والأمر دون إشاعته، وكان الشيطان ينسيهم نِقم الله عليهم بالأمن والدين، وكفاية المؤنة في حدود الضرورة، واليوم لا يأمن الناس على أنفسهم ولا أهليهم ولا أموالهم. هدى الله الجميع لأقرب من هذا رشدًا.
(1432هـ).