العقيل والعشماوي: الأسد والذباب

العقيل والعشماوي: الأسد والذباب

بسم الله الرحمن الرحيم

ألقى إليَّ أخ في الدين والدعوة على منهاج النبوة وفي وطن جدَّد الله بدولته السعودية دينه في كل قرن من القرون الثلاثة الأخيرة الماضية الأمر الذي لم يصطف الله له دولة قبلها ولا بعدها منذ عهد النبوة والصحبة والاتباع (أي منذ ألف سنة بلفظ علامة العراق الموحِّد محمد بهجت الأثري عضو المجاميع العلمية العربية رحمه الله)، ألقى إلي جزاه الله خير الجزاء مقالاً للعلامة المتميز (أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري) نصر الله به دينه يرد به عدوان د. عبد الرحمن العشماوي عليه ومحاولة ثلبه بصغيرة (أعلن توبته منها وإقلاعه عنها وعزمه على ألا يعود إليها) افتراها عليه (في لفظ الشيخ ابن عقيل) ومضت قبل ثلاثين سنة. وكان يليق بالشيخ العلامة أن يهتدي للتي هي أقوم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34] وأن يترك الذب عنه لأصغر تلاميذه لأنَّ ردَّ من رفعه الله إلى قمم العلم على من وضعه الله في حضيض النَّظْم؛ يُنقص قدر الأول ويرفع قدر الأخير إلى منزلة لم يؤهل لها، ولا بدَّ أن فضيلة الشيخ العلامة اختار الرخصةَ على العزيمة في قول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 126-128] ولكن الشيخ العلامةَ (نسأ الله له في أثره) عاقب بالثلب بالكبيرة التي لا يحرص مرتكبها على التوبة منها ولا الاقلاع عنها، فضلاً عن العزم على ألا يعود إليها: الانخزال عن جماعة المسلمين (بلفظ الشيخ د. بكر أبو زيد رحمه الله) على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والالتزام بما كان عليه حسن البنا رحمه الله وحزب الإخوان المسلمين الذي بدأ بالتصوف، وتطور إلى القتل بالأحزمة الناسفة، وانتهى إلى التكفير والتفجير (في خير البقاع وخير أمة أخرجت للناس منذ القرون الثلاثة الخيرة) في مقابل دعوى العشماوي مجاهرته بصغيرة التدخين في مجلس ضمَّهما قبل عشرات السنين.
والمصيبة بهذه الصغيرة كانت عاقبتها خيرًا للشيخ العلامة؛ فألجأته إلى الله في بيته المحرَّم، فأنقذه منها. فهل يعترف الحزبي الحركي بكبيرته، ويعلن التوبة منها، والاقلاع عنها، والعزم على ألا يعود إليها؟ بل هل يعلن افتراء الشيخ العلامة عليه تلبُّسه بهذه الكبيرة، ويعلن براءته من الحزب الضالِّ الذي قال عنه أمير السنة وراعي الدعوة السلفية النائب الثاني وزير الداخلية ـ أعزَّه الله وأعز به دينه ـ: أنَّه سببُ الفتن في هذه البلد المبارك والدولة المباركة وفي كل بلاد المسلمين (وأشهد أنه صدق وميَّزه الله بقول الحق)؟! أم يكون مثل كبيرهم الذي علمهم المكرَ وهدي إلى قول الباطل فلما سئل في آخر حياته (بعد حصوله على الجنسية السعودية وتمتعه عشرات السنين بنعم الله عليها في الدين الذي لا أهمية له عنده والدنيا التي سعوا إليها) عن مثله الأعلى؛ لم يجد في بلاد التوحيد والسنة ولا في بضعة عشر قرنًا بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من يقتدي به غير حسن البنا رحمه الله الذي لم يذكر إفراد الله بالعبادة والشرك بالله في عبادته (أول أمر وأول نهي في كل بعثة بأمر الله) مرة واحدة في واجباته العملية (38)، ولا موبقاته (10)، ولا وصاياه العشر؛ مع أن اليهود والنصارى الذي أخذ منهم عدد وصاياه كانوا خيرًا منه في ذكر الوصايا التي أهملها جميعاً: (لا تعبد إلها غيري. لا تصنع تمثالاً فتسجد له. لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تحسد. لا تشهد شهادة زور. لا تنطق باسم الرب إلهكَ باطلاً. أكرم أباك وأمك.)، وليس فيها ما ابتدعه اليهود غير الوصية بترك العمل يوم السبت بحجة أن الله استراح فيه، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، وكل واجبات وموبقات ووصايا حسن البنا رحمه الله استدراك على الله غير الربا. وبلغ التعصب بأحد أتباعه في الخليج: تقريضها وشرحها وهي لا تتجاوز صفحة متوسطة في مجلد مستقل، ولو أعطي كتاب الله هذا القدر من الاهتمام لاحتاج إلى ستِّ مئة مجلد، ولعلَّ كتابَ الله يسلم منهم. ولكنِّي لا أرى الجزم أن سعوديًّا (أصليًّا لا متجنسًا مثل المردود عليه) وقع في كبيرة الانتماء والولاء لحزب الإخوان المبتدع أو غيره (وكلها مبتدعةٌ ضالةٌ خارجة عن جماعة المسلمين وعما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تبليغ الدين) ويزعم الشيخ د. بكر أبو زيد رحمه الله أنها بذلك خارجة عن كل الإسلام في كتابه الفريد: (حكم الانتماء إلى الأحزاب والجماعات الإسلامية).
وإنما أرى الحكم بتقليده منهج الحزب والتزامه، فالحزب أخبث وأكثر مكرًا من أن يسجل أسماء أعضائه في السعودية التي ترفض الحزبية المبتدعة ولو أضيف إليها (زورًا وتلبيسًا) لفظ: الإسلامية.
أما الشيخ العلامة أبو عبد الرحمن ابن عقيل فلن يضرَّ طنين الذباب سمعته العالية، وأذكِّره بقول الله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: 111]، ولعل الله أن يستخدم بقية عمره في مكافحة هذا الحزب الفتَّان وجنوده. والله الموفق.

(رجب 1431 هـ).