الفرق بين السلفي وبين المريد الصوفي والحزبي
الفرق بين السلفي وبين المريد الصوفي والحزبي
بسم الله الرحمن الرحيم
ميَّز الله السلفي الحق بأنه لا ينتمي إلى منهاج محدَث في الدين، ولا إلى فرقة أو طريقة أو جماعة دينية محدثة،ولا إلى حزب ديني محدث، لأنه يعلم مما علمه الله وميزه به أن هذه كلها مطايا يركبها الشيطان لتفريق الدين وأهله، وإن وَسْوَسَت الشياطين وسولت الأنفس الأمارة بالسوء عياذًا بالله لمتَّبعيها بأنها (روافد تصب في نهر الإسلام) ـ كما صرح رئيس (الندوة العالمية للشباب الإسلامي) هداها الله وكفى الإسلام وأهله شرها ـ، وأشنع نتائجها أن (تصب في نهر الإسلام) فتلوثه وتختلط السنة بالبدعة. أما المريد الصوفي أو الحزبي فإنه (اختيارًا للعبودية البشرية وبئس الاختيار) لا يستغني عن قيد الحمار في رجله ومقود البغل في رقبته يحكمه بهما شيخ الطريقة أو مرشد الحزب أو أمير الجماعة في الدين والدعوة، (الدعوة بخاصة)، ومن وراء هذه الرموز يحكمه الشيطان باسم الشيخ والمرشد والأمير وبدعهم الفكرية الموصوفة زورًا بالإسلامية. ولم يسلم السلفيون المعاصرون من كيد الشيطان ومكره فاستقلَّ أعداد منهم كلٌّ بشيخه من السلفيين يوالون فيهم ويعادون فيهم بذواتهم، وليس بما منَّ الله به عليهم من الالتزام بنصوص الوحي كما فقهها الصحابة والتابعون وتابعوهم في القرون الخيِّرة؛ فصاروا بذلك مقلِّدين، لا متبعين سلفيين، وإن ظنوا غير ذلك.
وليت الأمر توقف عند مجرد التقليد مع الاحتفاظ بدعوى الاتباع، ولكنه تحول إلى غلو في الشيخ إلى درجة تبديع وتفسيق (إن لم يكن تكفير) من يخالف الشيخ (في مسألة أو أكثر) من علماء ودعاة وطلاب علمِ المنهاج السلفي الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، فتحوَّل السلفي إلى مريدٍ!
وهذه مصيبة على السلفية والسلفيين لا تبرأ الذمة إلا بإنكارها باللسان والقلم، حفظًا لنعمة الله بمنهاج النبوة على من اصطفاه الله من المسلمين لمعرفته والتزامه والثبات عليه، جعلنا الله منهم:
1ـ وابتداءً بنفسي تجنبت إفراط السلفيين في التردد على منازل ومكاتب مشايخنا بحجة أنهم: إن كانوا عاملين فعلينا أن نوفر لهم الوقت للعمل (والزيارات في البيوت والمكاتب تضيعه)، وإن كانوا غير عاملين (وهو الغالب للأسف) فهم لا يستحقون الزيارة، ومن نتائج التخاذل عن العمل: أن وُسِّد الأمر إلى غير أهله في المساجد والمدارس والمؤسسات العامة والخاصة، فابتليت بالحزبيين.
2- لما كنتُ في بلاد الشام أكثر من عشرين سنة كان إخواني من السلفيين يعجبون لعدم التزامي بالصلاة يوم الجمعة في المسجد الذي يخطب فيه أحد رموزهم، وبعضهم يشد إليه الرحال، وكنت أصارحهم بأن السبب عدم التزام الشيخ بالمنهج السلفي (الذي ينتمي إليه) في خطبة الجمعة، فهو ينافس الحركيين والحزبيين في إخضاعها للطوارئ والحوادث، أو للسجع، أو للتشدق والتفيهق اللغوي، أو يطيل الخطبة والمشروع تقصيرها، فضلاً عن كراهتي لتميز السلفي بمسجد مستقل، أو الانتماء لبشر غير معصوم لم نؤمر بالانتماء إليه.
3- ومع أني أعدُّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من خيرة مجددي الدين، ومع أني أعد الشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله من خيرة مجددي الدين في القرون الأخيرة بقيادتهم المؤمنين إلى الالتزام بالدليل من الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، والتزامهم بمنهاج النبوة في الدين والدعوة وحثهم المؤمنين على الثبات عليه، وبيان الفرق بين التوحيد والشرك والسنة والبدعة، وتقرُّبي إلى الله تعالى بالدعاء لهم كل ليلة بعد الدعاء لوالدي ولأهلي؛ لم أتردد في الكتابة لأكثر من جهة اختصاص لتعديل ما نُشر بعنوان: (نواقض الإسلام)، وبعنوان: (العقيدة وما يضادها)؛ ولو غضب من أصيبوا بعدوى التقديس الشيعي والصوفي للبشر.
4- وعلى هذا المنهاج خالفت الشيخ ابن باز رحمه الله في فتواه بحرمة ما سماه العرب: (التصوير الشمسي) أو (الفوتوكرافي)، وأذيعت الفتوى ومخالفتي لها في برنامج (نور على الدرب) ورده عليها. كما نشرتُ بضعة ردود على رسائل كُتبت باسمه رحمه الله يفهم منها تأييده لجماعة التبليغ، وكان عند حسن الظن به فأوصى بعدم نشر شيء من هذه الرسائل، وأنكر على جماعة التبليغ في آخر ما نشر من فتاواه عنهم، بل عدَّهم وجماعة الإخوان المسلمين من الثنتين وسبيعين فر قة، ونهى عن الخروج معهم لأنه لا بصيرة لهم في الاعتقاد. وكتبت له مخالفًا فتواه بجواز هزِّ الجسم أو الرأس عند تلاوة القرآن، فكتب لي برجوعه عن هذه الفتوى، أثابه الله رضاه والفردوس من الجنة.
5- وعلى هذا المنهاج خالفتُ الشيخ الألباني رحمه الله في جَزْمه بظنّ ياقوت الحموي دون تثبت عن مكان تبالة (مختصر صحيح مسلم). وخالفته رحمه الله ثلاث مرات ردًّا على أقواله المسجلة في تحريم الاستعانة بالقوات الدولية لطرد حزب البعث العراقي من الكويت ودفاعًا عن فتوى الشيخ ابن باز (ومن سبقه من فقهاء الأمة) بجواز ذلك عند الحاجة.
6- وعلى هذا المنهاج نبهتُ الشيخ ابن باز والشيخ الألباني رحمهما الله إلى نقصهما (والكمال لله وحده) في منهاجهما التجديدي (الذي ميزهما الله به) بعدم المطالبة بالدليل وتمحيص ما سمي (أحكام التجويد) في تلاوة كتاب الله الكريم، فاعتذر كل منهما بعدم الاختصاص، ولم أر وجهًا لهذا الاعتذار، لأن كلاًّ منهما كان مقلدًا في البداية للمذهب الحنبلي أو الحنفي، ثم منَّ الله عليهما وبهما فلم يردهما عدم الاختصاص عن البحث عن الدليل في سائر الأحكام والدعوة إلى الالتزام به، ومات الألباني رحمه الله على التقليد في التلاوة، أما الشيخ ابن باز فمات رحمه الله على الفطرة في التلاوة لأن نجد الحجاز التي نشأ فيها سلمت بفضل الله من غزو الأنساك الأعجمية (مع أنه درس ما يسمى أحكام التجويد على أعجمي الأصل: سعد وقاص، إذ لم يجد بين مشايخه من يتقرب إلى الله بتعليمها أو تعلمها)، وقبل وفاته رحمه الله ببضع سنين أجاب سائلاً بأنه (لا يعلم دليلاً شرعيًّا على وجوب الأخذ بأحكام التجويد) كما يقول ناظمها الأشهر: (والأخذ بالتجويد حتم لازم)، وخطَّأ من يستدل على الالتزام بقول الله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] بأن الترتيل: الترسل والتمهل في التلاوة)، وقال الله تعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32] أي: أنزلناه مفرَّقًا. ولم يقل أحد من المفسرين الأوَل ولا من اقتفى أثرهم بأن الترتيل التزام ما يسمى أحكام التجويد، كما يدَّعي المتنطعون تجاوز الله عنهم. وأفتى بمثل ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عدة مرات في (نور على الدرب) وفي كتابه: (العلم) ص171، وذكر مثل ذلك عن شيخه ابن سعدي رحمه الله، ونقل عن ابن تيمية رحمه الله التحذير من أن يشتغل بها المسلم عن التدبر وهو الذي أنزل الله كتابه من أجله.
7- وعلى هذا المنهاج نبَّهت الشيخ ابن عثيمين أنه يَرِدُ على قاعدته أو قاعدة الإمام مالك رحمهما الله في سجود السهو (قبل السلام في حال النقص وبعد السلام في حال الزيادة) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسجود قبل السلام في حال الشك في عدد الركعات والبناء على اليقين فيما رواه مسلم، فردَّ بأن الشك نقص، ولم أرَ وجهًا لهذا الردِّ لأن كل أحوال السهو لا تخرج عن الشك فيه أو ثبوته، وثبوته نقص أكبر. والشيخ ابن عثيمين ممن أدعُوا له من العلماء العاملين، وإنما اخترته ومن سبقه لهذه الأمثلة لأضرب مثلاً لما أحبه لنفسي ولإخواني السلفيين: تجنُّب مشابهة المريد الصوفي والحزبي الذي يكون مع شيخه ومرشده كالميت بين يدي غاسله.
دلَّنا الله جميعًا على الحق وثبتنا على ما كان عليه النبي وأصحابه.
(صفر 1432هـ).