حقوق البلد الحرام (نقد لفكر الشيخ السديس)

حقوق البلد الحرام (نقد لفكر الشيخ السديس)

بسم الله الرحمن الرحيم

اطّلعت على رسالة أو خُطْبة جمعة بعنوان: (الإعلام بقدسيّة البلد الحرام) وبدا لي ما يلي:
1 ـ تحرَّى الكاتب السجع في العنوان وغيره، ولا أعرف عنوانًا مسجوعًا لأئمة الفقه في الدِّين في القرون المفضّلة، ولم يَرِدْ في كتب الفقه والاعتقاد والتفسير وغيرها من العلوم الشرعيّة شيء من السّجع المتكلّف إلا بعد مرحلة الضّعف في التدين والاهتمام بالشكل.
2 ـ استشهَدَ ص2، ببيت من النظم على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وخاتم الرسل وتَرَك الاستدلال بالآية المحكمة: وخاتم النبيين وترك الحديث الصحيح، وهما الأولى فيما يتعلق بالدّين.
وفي كونه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق خلاف؛ فجبريل عليه السلام رسول الله تعالى إليه وإنَّما ثبت في الحديث الصحيح أنه : «سيّد ولد آدم يوم القيامة».
والأَوْلى ألاَّ يوصف الله ورسوله إلاَّ بما نزل به الوحي، وإلاَّ فلا حُجّة لأهل السنة على أهل البدعة في أوصافهم المبتدعة للنبي صلى الله عليه وسلم مثل: (خدّه التفاح شامي، بطنه طيّ الحرير حين يشتدّ الزفير، خدّه أحمر مورّد، ريقه سكر مكرّر، ذو الوجه الأنور والجبين الأزهر)..الخ.
3 ـ وكما أن أوصاف الله ورسوله يجب أن تنزّه عن الغزل والعشق الصّوفي؛ فكذلك ـ في رأيي بيته الحرام (ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم).
وفي ص7 أورد أبياتًا من ميميّة الإمام ابن القيم العاطفيّة تصف المسجد الحرام، وميميّته رحمه الله من أجود شعر العلماء وما ذلك ـ في رأيي ـ إلا لأنه حين قالها كان حديث عهدٍ بالتّصوّف فكان شيطانها الشعري أقوى، وللتأكد تُقَارَنُ الميميّة باللاميّة في ذم المتصوّفة وبالنونية الكافية الشافية فشيطانهما الشعري ضعيف.
وفي بداية الميميّة استعمل ـ رحمه الله ـ ما يشبه الغَزَل الصّوفي الدِّيني المبتدع، بل مرَّ على ذكر (الأوتاد) وهم مثل الأقطاب من الوصف الصوفي لأوليائهم.
4 ـ أكثر من (يسكب العبرات على العَرَصات) ص7، هم المبتدعة بالشرك الأكبر فما دونه، ولم أر في الكتاب ولا في السنة ولا في فقه الأئمة الأولى فيهما أنَّ هذا من شعائر الحج أو العمرة فرضًا ولا نفلاً.
5 ـ وصْفُ المسجد الحرام آخر ص5، وأوَّل ص6، بأنه ـ من لَدُن إبراهيم ـ (لم يَعْلُ فيه راية غير راية التوحيد، ولم يرتفع فيه شعار يناهض الملّة الحنيفيَّة والإيمان)؛ غير صحيح؛ فقد ارتفعت فيه بدعُ وراياتُ وشعاراتُ وأصواتُ الوثنيّين من قريش ثمّ من المنتمين للإسلام زمن الفاطميين والعثمانيين ومَنْ بينهما، وأحيط بالأصنام والأنصاب زمنًا طويلاً، ولو اعتمدنا على الكتاب والسنة والفقه فيهما بدلاً من السجع والنّظم والمحسّنات والزخارف اللفظية لما اختلفنا في وصف بيت الله الحرام.
6 ـ (وبنفسي) عدم (قول القائل: محاسنه هيولى كلّ حُسْنٍ، ومغناطيس أفئدة الرجال) ص9، كَمْ من العرب أو العجم يعرف كلمة (هيولى)؟ أما المغناطيس فمعروف ولكن ليس من كلمات الله ولا كلام رسوله ولا الفقه في الدين ولا من لغة العرب.
7 ـ وهذه الرسالة غير صالحة شرعًا لأن تكون خطبةً لصلاة الجمعة في المسجد الحرام ولا في غيره، فخطبة صلاة الجمعة إنما فرضها الله لتعليم الناس الدين وتذكيرهم بالله وبآلائه وأيامه وشرعه، ولم تلتزم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم سجعًا ولم تتضمَّن شعرًا ولم تخرج عن الوحي إلى الفكر ولا عن اليقين إلى الظن والعاطفة، ولا عن الثوابت الشرعيّة إلى الأحداث الطّارئة.
جزى الله الكاتب خير الجزاء على اهتمامه بتوجيه الحجاج والمعتمرين وسكّان مكة المباركة، وعلى صبْرِه على ملحوظات أخيه.
وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه ومتّبعي سنته.
1424/5/7هـ.