البدع في مساجد المنتمين للسّنّة

البدع في مساجد المنتمين للسّنّة

بسم الله الرحمن الرحيم

أ) في الاعتقاد:
1 – بناء المساجد على القبور؛ فقد خالف أكثرُ المسلمين (المنتمين إلى السنة، مثل أكثر المنتمين إلى غيرها) آخر وأهم وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قالت عائشة رضي الله عنها: (يحذّر مثل الذي صنعوا) [متفق عليه].
ولا يكاد بلد مسلم (غير السعودية) يخلو من المساجد المبنية على قبور تُنْمى للأنبياء والصالحين، وأكثر المسلمين يُقرُّ ذلك، أو لا ينكره، أو لا يغيره بقدر استطاعته، وكل الجماعات والأحزاب الدينية تخالف شرع الله فيه.
2 – ومن ذرائع الشيطان إلى الجمع بين المسجد والقبر تسمية المساجد بأسماء الصّالحين، وأعرف مسجدين في بلاد الشام تحولا إلى مَزارين (أي: وثَنَين) بسبب ذلك؛ إذْ سُمِّي أحدهما: عبد الرحمن بن أبي بكر، والثاني: صهيب الرومي، ولأن العوامَّ يظنون أن الدّراويش أولياء دُفِن اثنان فيهما؛ فَأَطلق الناس على قبريهما اسمي الصحابيين فعُظِّما ودُعِيَا تقرّباً إلى الله.
3 – ولأن المبتدعة بنوا قبّة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته بقرون، وطُلِيَتْ باللون الأخضر بعد ذلك بقرون، واستمر الأمر على ذلك حتى عُرِفَتْ بين المبتدعة بالقبة الخضراء؛ ابتدع متعهّدوا بناء المساجد التبرك باللون الأخضر، والمصابيح الخضراء والمنقوشات الخضر (بخاصة في المحراب والقبّه).
ب) في تعليم الدين:
1 – أعظم علوم الشريعة كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونصيب المسجد اليوم منه: تحفيظه (وهو نافلة) لا تدبّره (وهو الفريضة)، قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: 29] ابتدع ذلك العجم (وقد يُعْذرون بالعُجْمة)، وانتقلت البدعة إلى العرب، وقد أنزله الله بلسانهم، ويرضي النفس والشيطان الانشغال بالنافلة عن الفريضة.
2 – ونصيب المسجد اليوم من كتاب الله: الالتزام بقواعد التجويد، وهو شاغل آخر عن التدبر بعدد حركات المدّ، والتمييز بين أنواع القلقلة([1]) والإدغام والإشمام والوقف والسّكْت والإخفاء، ونحو ذلك من التّكلّف.
3 – ويُلْزِم أكثر أئمة المساجد أنفسهم بمخالفة شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الوقوف على آخر كل آية، وقد يَرَوْن أن الوقوف على أواخر بعض الآيات قبيح أو مكروه وفق قواعد التجويد المحدثة ظناً منهم أن الوقوف على آخر آية {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [الماعون: 4] أو {أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ} [الصافات: 151] يُناقض المقصود من إحدى الآيتين أو ـ بالأقل ـ لا يبيّنه فيقعون في الاستدراك على الله ورسوله واختيار غير ما قضى الله ورسوله، وهذه بدعة منكرة لم يكن عليها سلف الأمة، ولا من تبعوهم بإحسان حتى القرون المتخلفة.
4 – وخطبة الجمعة عبادة من فرائض الله لا يجوز أن يُدخل فيها إلا الوحي أو الفقه فيه من أهله، وعلى ذلك قصرها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأتباعه على الثوابت الشرعيّة، وجنبوها الطوارئ والحوادث مهما عَظُمت، فلم يصرفوها إلى أخبار الغزوات ولا الهجرة ولا الإسراء والمعراج، ولا إلى حوادث عصر النبوة (فما بعده) مثل: الإفك وقتل القرَّاء.
ثم بدأ الابتداع بالخطبة لسلطان العصر في العهد العباسي، وانتهى بما هو أعظم منه في القرن الأخير: تحويل الخطبة إلى مُلحق لوسائل الإعلام من الجرايد والإذاعات والفضائيات بل والإشاعات مخالفين شرع الله وسنة نبيه، وأهملوا نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة وتعليم الدين.
5 – وحثَّهم النبي صلى الله عليه وسلم على قِصَر الخطبة وطُول الصلاة؛ فأطال خطباء العصر الخطبة وقصروا الصلاة، وشرع لهم الوحي واليقين فاتّبعوا الظن والفكر والعاطفة.
6 – والتزم أئمةُ المساجد الحديث في فضائل الأعمال، وتركوا بيان الأحكام؛ بالتزامهم القراءة من رياض الصالحين بعد صلاة العصر انشغالاً بالمهم عن الأهم.
ج) في الزينة والحلية:
1 – الإسراف في زخرفة المساجد بالنقوش، وكتابة الآيات وأسماء الخالق وأسماء المخلوقين، وهي بدعة مكروهة بأي حال واختيار لما لم يشرعه الله.
2 – الإسراف في الزينة بوضع الثريات وإضاءتها يوم الجمعة وليالي رمضان خاصة (وفي غيرها أحياناً)؛ جمعاً بين الإسراف والابتداع وهدْر نعمة الله بالكهرباء والمتاع والمال ووضعه واستعماله في غير محلّه.
3 – الإسراف: بزيادة عدد المآذن (عن واحدة) للزينة، والمسجد لا يحتاج أكثر من واحدة للدلالة على مكانه، ويكفي رفع مكبرات الصوت على أصغر مئذنة، وهي أداة للتعريف بمكان المسجد وتبليغ الأذان، وليست قُرْبة إلى الله تعالى إذ لم يعرفها المسلمون في عصر النبوة.
أما وضع الهلال فوقها؛ فبدعة منكرة سبق إليها الفُرْس والنصارى، وقلّدهم جهلة المسلمين في مصر وتركيا زمن الفاطميين والمماليك والعثمانيين تقليداً لرموز الكتابيين المبتدعة.
4 – الإسراف: بتزيين نوافذ المساجد بالزّجاج الملوّن، وهو تقليد كنيسي لتصوير القديسين، وردت الإشارة إليه في الحديث الصحيح عن صنيع النصارى في كنائسهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بَنَوا على قبره مسجداً وصوّروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» [رواه البخاري].
5 – الإسراف: بزخرفة فراش المسجد وجدرانه وسقفه ومحرابه ومنبره، وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم النقش في قبلة المصلي، وكره الصلاة في الثوب المعلّم (أي المخطط)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن كان يبني المسجد النبوي في عهده: (أكنّ الناس من المطر وإياك أن تُحمّر أو تصفّر فتفتن الناس)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى)، وكلا الأثرين في صحيح البخاري من كتاب الصلاة.
ومن الزخرفة ما يؤدي إلى خطأ أكبر مثل: كتابة لفظ (الله) في وسط المحراب وحولـه أشعّة مثل أشعّة الشمس؛ فيكون ذريعة للتشبيه والتجسيم، ومثل: كتابة الآية {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ} [آل عمران: 37] أعلى المحراب ظناً خاطئاً بأن {المحراب} هو ما تعارف عليه الناس اليوم، والمقصود في الآية: المصلى بأكمله.
د) في العمارة:
1 – كلّ ما سُمِّي في هذا القرن (عمارة إسلامية) إنما هو عمارة كنيسية نصرانية بيزنطية تميزت بها الكاثدرائيات والكنائس النصرانيّة البيزنطية قبل الإسلام بقرون، وأبرزها: القبّة والأقواس وهرميّة المئذنة واستدارة المحراب (بل المحراب كله) وتيجان الأعمدة والزّجاج الملون والزخرفة عامّة.
ولو كان المحراب مجرّد تجويف في مصلَّى الإمام؛ لتوفير صفٍ عند الحاجة وللمنبر لأمكن قبوله أو التغاضي عنه، ولكن المساجد اليوم ـ غالباً ـ تجمع بين التجويف والمحراب داخله كأنه من شعائر الله، وقد روى البزار بسند صحيح أن ابن مسعود رضي الله عنه كره الصلاة في المحراب وقال: (إنما كانت للكنائس فلا تشبّهوا بأهل الكتاب)، وكثير من المساجد يوضع فيها محراب متنقل ليصلي فيه الإمام حيثما انتقل.
2 – تكلَّف المتنطعون في نهاية القرن الأخير؛ فأضافوا إلى مبنى المسجد ما لم يُضفه النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه ولا صحابته ولا التابعون لهم بإحسان في القرون الماضية دون نفقة تذكر: مصلّى للنساء يعزلهن عن الإمام والمأمومين (ولا بد للمأموم ـ في غير الضرورة ـ أن يرى الإمام أو من وراءه لتتحقق المتابعة).
ودار لتحفيظ القرآن دون حاجة لذلك؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المساجد (قبل هذه الإضافات المبتدعة المتكلفة): «إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن» [رواه مسلم]، وأنتج عَزْل القرآن عن المصلى العام ما ينتجه العزل والخلوة عادة من الشرّ إما بالشبهات أو الشهوات، وحدثت الفتنة والمعصية.
 وزادت الإضافات في الأعوام الأخيرة: غرفة لإدارة التحفيظ وغرفة للمكتبة وغرفة للاعتكاف، والله أعلم إلى أي حدّ سيمتدّ الاستدراك على الشرع.
ولو كان في شيء من هذه الإضافات خيرٌ لسبقنا إليه عصر النبوة والقدوة دون جمع للتبرعات، بل بالطين وسَعَف النخيل والتعاون على البر والتقوى.
ولو بقيت هذه العبادات في المسجد لاستفاد منها كلُّ داخل إليه بالمشاركة أو القدوة، ولأمِنَ الناس عامة وخاصة من الوقوع في الفتنة أو المعصية، ولاشترك الرجال والنساء في تنفيذ شرع الله (لا تعطيله) من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، ولحُفِظ حق الله وحقّ عباده.
3 – وتكلَّف المتنطعون جَعْل المصلّى مدوّراً أو مسدّس الأضلاع أو مثمّنها حِرْصاً على ما يظنونه جمالاً في الشكل، فضيّعوا أجزاء من أرض المسجد على واقف الأرض وعلى المصلين، وضَمِن الشيطان أن الصف لا يتمّ أبداً، وفي الأعوام الأخيرة أكدّ المتنطعون ذلك بحجز أطراف الصفوف للمرور.
4ـ ومع هذا الإسراف والتكلف والتنطع لم يهتدوا إلى عزل جزءٍ من المصلّى لصلاة الفريضة غير الجمعة فلا يستعمل من الإضاءة والتكييف إلا بقدر الحاجة، بحيث يكون المسجد قدوةً في القصد والعدل لا في الإسراف.
هـ) في الأثاث:
1 – اتَّبَعَت المساجدُ الكنائس في وضع صندوق للصّدقات (يسمى في الكنيسة: صندوق النذور)، وجمع التبرعات دون ضرورة.
2 – وصُرِفت الصدقات فيما لا حاجة إليه مثل: مناديل الورق التي أظهرت الحاجة إلى سلال للزّبالة مما لا يليق بالمسجد وإلى صناديق لحفظها.
3 – وفي حال استعمال المصلَّى أو الدار لتحفيظ القرآن وُضِعت على الجدران أو السواري لوحات تحمل اسم أحد العُبّاد أو الفقهاء أو أهل التجويد والقراءات، ثم وضعت صناديق يجلس إليها المحفَّظون، ثم فرش ومساند ومُتَّكآت عليها يتكئون كما يفعل المتصوفة.
4 – وكان القائمون على المساجد يعلقون ساعة أو ساعتين مع تقويم لمعرفة أوقات الصلاة، فلما جاءت السّاعات الرقميّة تسابقوا إلى إضافتها للساعات العادية والتقويم بعشرة أضعاف الثمن من الصدقة.
5 – والإسراف معصية لا يكاد يسلم من الإصرار عليها أحد: العلماء والعوام، والأغنياء والفقراء، والكبار والصغار، والذكور والإناث، والرعاة والرعايا «وكلٌّ راع وكلٌّ مسؤول عن رعيته» وأسوأ ما تكون المعصية حين يُتَقرب بها إلى الله في بيت من بيوته.
6 – ومن الإسراف زيادة تكبير الصوت داخل المسجد عن الحاجة بل عما تحتمله الأذن حسب المقاييس العالمية إضافة إلى افتعال الصدى مما يُغير لفظ القرآن بتكرار الحروف، وزيادة تكبير الصوت خارج المسجد إلى حد الإزعاج.
وتبليغ الإقامة والصلاة خارج المسجد لغير الضرورة زيادة على شرع الله.
والإسراف (مثل الشرك وما دونه من البدع) ليس له دافع طبيعي أو غريزي مثل معاصي الشهوات، بل دافعه التقليد (بنزغ من الشيطان والهوى)، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلم أن يكون إمّعة، ونهى الله ورسوله المسلم أن يتبع هوى نفسه أو هوى غيره.
وفق الله الجميع لأقرب من هذا رشدا.

كتبه/ سعد بن عبد لرحمن الحصين عفا الله عنه في 1428هـ.

(1) ويبالغ بعض الأئمة فيها حتى تتغيّر الحركة من السّكون إلى الكسرة مثلاً في {إِبِراهيم}، و{أبِواب} وهذا اللحن جليّ وتبديل لشرع الله.