الظّنّ أكذب الحديث [نقد لفكر القرضاوي والبوطي و زكريا المصري وغيرهما]

الظّنّ أكذب الحديث [نقد لفكر القرضاوي والبوطي و زكريا المصري وغيرهما]

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «ما ذئبان جائعان أُرسلا في غَنَم بأفْسَد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» [صحيح الجامع الصغير].

وأخاف على كثير من طلاب العلم والواعظين والمفكِّرين الموصوفين بالإسلاميين (هداهم الله)، من فساد وإفساد الدين بحرصهم على تحصيل المال والشرف (السلطة والشهرة وكثرة المريدين)؛ فتتحول علاقتهم بالناس إلى ما يشبه العلاقة التي تحكم برامج (ما يطلبه المستمعون) من الحرص على اجتذاب الناس بتقديم ما يرضيهم من وهْم الظنّ ولو خالف يقين الوحي والفقه فيه، أو خالف العقل.

1- يصرّح بعضهم بمنهجه؛ كما نقلت المجلّة العربية عدد (296) عن الشيخ الكبيسي أنه: (لم يعجبه طَرْح المشايخ منذ بداية طَلَبِه العلم)؛ لم يقل إنَّ طَرْح مشايخه [لو صحَّ التّعبير] خالف الكتاب والسنة فطَرَحَه، بل كان مرجعه ومرجع محرِّر المجلة ـ فيما ظهر لي منهما ـ مجرد الإعجاب بالرأي وهو الهوى.

2- ونَقَلَتْ مجلة التقوى اللبنانية (العدد 91ص9) عن الشيخ القرضاوي رأيه في أنَّ (علينا في هذا العصر أن نفهم نصوص الوحي فهماً جديداً) أي: أنَّ المرجع الهوى مرة أخرى؛ ولو كان لكلّ عصر فهمٌ جديد للنّصوص لشاقَّت العصور المتأخّرةُ الرّسولَ من بعد ما تبين لها الهدى وخالفتْ سبيل المؤمنين: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115].

3- وكتب الأستاذ البوطي في المجلة نفسها (العدد92) يسوّغ الانحراف عن طريق السّلف {سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ} بأنَّ: (العادات تختلف وتتطوّر في اللباس والمباني والأواني)، وهو ـ وأمثاله ـ يكرّرون هذه الحجّة الباطلة دون وَعيٍ للفرْق بين العادات المباحة، وأحكام الشريعة المفروضة التوقيفيّة (اقرأ له إن شئت: السلفية ليست مذهباً ص14-17 وص239-240)، واقرأ للشيخ صالح الفوزان أثابه الله الرّد عليه.

4- و ادّعى د.زكريا المصري في مجلة التقوى أيضاً (عدد92 ص44) أنَّ: (الاستحسان طريق إلى العودة بالناس إلى الشرع.. وأنَّ علماء الأصول قالوا بالاستحسان)، ويا عجباً كيف يكون اتّباع هوى النفس (وهو مرجع الاستحسان)، طريقاً إلى العودة بالمبتدعة إلى التزام الشرع وهو مرجعهم في الابتداع؟

يقول أكبر علماء الأصول في القرن السابع والثامن (ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج11 ص344-345): (والقول بالمصالح المرسلة يّشْرع من الدّين ما لم يأذن به الله، وهي تشبه من وجوه مسألة الاستحسان والتحسين العقلي.. والقول الجامع: أنَّ الشريعة لا تهمل مصلحة قط، بل الله قد أكمل لنا الدين وأتمَّ النعمة.. وكثير مما ابتدعه النّاس من العقائد والأعمال من بِدَع أهل الكلام والتصوف حسبوه نافعاً وحقّاً صواباً، ولم يكن كذلك)، بل كثير من الخارجين عن الإسلام: {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 104].

ويقول أحد أكبر علماء الأصول في القرن الثاني (الإمام الشافعي): (من استحسن فقد شرّع)، وذُكِر له رسالة مفصلة عن ذلك بعنوان: (إبطال الاستحسان) طُبعت على حاشية (الأمّ).

أما أحكام الشريعة في الاعتقاد والعبادات وما ثبت بالوحي من المعاملات فلا يجوز الاستحسان فيه قطعاً وإجماعاً، وهو مقيّد بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنّة خلفائه الراشدين المهديين، وبفهم أئمة الفقه في الدّين في القرون المفضّلة، ولو تُرِك الأمر للاستحسان لضاع شرع الله ولَتفرّق المسلمون في الدّين ـ زيادة على تفرّقهم ـ لأن العقول مختلفة والأفهام متفاوتة وكلٌّ يرى صواب رأيه: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53].

5- ويستجدي بعض الواعظين رضى النّساء ويتّبع دعوى المفتونين الفاتنين بالمطالبة بما يسمّى (حقوق المرأة وحرّية المرأة) فتتحوّل دروسه إلى قضايا عاطفية، تقوم على أن الزّوج ظالم والزوجة مظلومة في كلِّ حال، وينشغل بذلك عن الدّين والدعوة إليه ويُشغِل به.

ويستوري بعضهم زناد الفتنة مستغلاً حماس الشباب وتهوّرهم؛ فيوجه مواعظه الظنية (للشباب فقط) استدراجاً لهم للحزبيّة الضيقة والانعزال والخروج عن الجماعة الواحدة والجهاد الإجرامي.. والدّعوة إلى الله على منهاج النبوة تعمّ جميع المسلمين بل كل البشر.

6- ويفتح بعضهم أبواب التحايل على الرّبا باسم السّماحة واليسر؛ فتتسابق البنوك وشركات الصّرافة إلى تعيينهم في لجانها الموصوفة بالشرعيّة، بل مشاركتهم في رأس المال والأرباح: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} [الأنعام: 128]؛ والنتيجة: وقوع كثير من القادرين في إدمان المخاطرة بشراء الأسهم، وبيعها ومن وراء ذلك الهمّ والقلق والأمراض النفسية، ويقع المحتاجون في فخِّ تيسير الاقتراض بفوائد (محلَّلة) تصل إلى 80% في مقابل 10% للفوائد (غير المحلَّلة)، ومن وراء ذلك الهمّ والقلق عند سداد الدّيون المتراكمة والفقر المقنّع بمظهر الغنى.

7- ويتجنّب أكثر الواعظين التركيز على نشر التوحيد والسنة ومحاربة الشرك والبدعة، أهم ما أرسل الله به رسله، وأنزل به كتبه في كل مكان وكل زمان وكل حال، بل يتجنّب أكثر الواعظين الفكريّين مجرّد ذكر هذه الأصول العظيمة حذراً من نفور المبتدعة، وهم أكثر المنتمين إلى الإسلام والسنّة فضلاً عن غيرهم، وهم الأكثرون أوثاناً وبدعاً في المنطقة.

8- والرقية غير المشروعة من الحبائل التي نصبها الواعظون (والدجّالون) لتحصيل المال والشرف أو أحدهما.

أعرف زميلاً (دنيويّاً) أخفق أكثر من مرة في محاولاته التجارية فدّله الاحتيال على تجارة مضمونة النجاح الدّنيوي، الرّقية من مسِّ الجنّ، وأكبر مشاكله اليوم: كثرة الإقبال عليه.

وإنْ عصمه الله من الضّلال والإضلال (اكتفاء بالاحتيال)؛ فقد عُصِم من بعض الشرّ، ولكن لا ضمان لذلك وليس له من العلم الشرعي ما يميّز به بين الحلال والحرام وبين التوحيد والشرك وبين السنة والبدعة.

وأعرف آخر أقرب إلى العلم الشرعي امتهن الرّقية من العين فوقع في إفساد ذات البين (وهي الحالقة) بابتداعه إنهاء رقيته بطلبه من المرقي تخيّل العائن ممن حوله والحكم على أساس هذا التخيّل.

9- وقد سطّرتُ هذا المقال استجابة لطلب من يهمّني إجابة طلبه تعقيباً على إجابتين نشرتا في بعض وسائل الإعلام التي أكرمني الله بالإعراض عنها:

أ) تفسير الأستاذ اللحيدان (ابن سعد) في مجلة (ليلة خميس!) حُلُم قارئ للمجلة، رأى أنه يمشي حافياً أو بفردة حذاء واحدة بأنّه: (يشير إلى دلالة غير مستحبّة، وهي الانفصال عن زوجتك أو من تحبّ [إفساد ذات البين مرة أخرى؟]؛ لأن دلالة فقدان إحدى فردتي حذائك التي كانت تقيك الحرّ والألم، فهذا يدل على بُعْدٍ ما، وهذا ليس رجماً بالغيب ولكنّها دلالات رؤى وتفسيرات لأحداثٍ ما، أخي الكريم راجع نفسك واتقِّ الله في أهلك).

وتفسير الأحلام لا يقوم على قواعد شرعية تعصم المفسّر أو المعبّر من الزلل، وإنما هو الظنّ (والرّجم بالغيب) وبخاصة في هذه الفتوى التي نفى عنها المفسّر الرجم بالغيب؛ فكيف عرف أن السائل صادق أو كاذب، صغير أو كبير، متزوج أو غير متزوج، ذكر أو أنثى؟ ولعلّه يوحي إلى السائل (لو صدّقه إلى دعواه نفي الرجم بالغيب) بدء التفكير في طلاق الزوجة، أو مفارقة من يحب دون أن يخطر ذلك بباله قبل أن يقع في مصيبة الفتوى بالظنّ.

وقد يَسَّرتْ وسائل الإعلام بتنوعها وتطورها وانتشارها للطامحين إلى مراقي العلماء أو التّجار (دون حاجة إلى بذل مثل جهودهم) تحويل تفسير الأحلام إلى تجارة بالمال والشرف تُفْسد الدين وتخدع المنتمين إليه.

ب) فتوى الشيخ العبيكان في جريدة عكاظ وغيرها بجواز الاستعانة بالجنّ الصالحين، ودعواه أن الجنّ (يقومون بعمليات جراحية في بعض الدول واستفاد منها عدد كبير من الناس).

والشيخ عبد المحسن العبيكان زاده الله من فضله وتوفيقه يختلف عمن سَبَقَتْ الإشارة إليه باسمه أو ببدعته؛ فقد ميزه الله بالعلم والعمل والدعوة إلى الله على بصيرة، وأحسبه اليوم خير من جمع الله له بين العلم والعمل الشرعي، وبين الولاء لدولة التوحيد والسنة ومناصحة ولاة أمرها، وكانت وما زالت تهوي إليه أفئدة طلاب العلم الشرعي، بل كانت تميل إليه نفوس الحزبييّن أو الحركييّن طمعاً في ضمّه إلى صف الخارجين عن جماعة المسلمين وإمامهم، وكاد يركن إليهم شيئاً قليلاً، ولكنّ الله ثبّته فخيب سوء ظنهم به، فانفضوا من حوله بصورة متعصبة مريبة {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} [المدثر: 51-52] فكان بُعدهم عنه وبُعده عنهم فتحاً مبيناً في بلاد الدعوة إلى الله على منهاج النبوة؛ فجعله الله سيفاً من سيوفه مُصْلَتاً على رقاب الحربية والعصبية وإفرازاتها من التكفير والتفجير والفتن ما ظهر منها وما بطن.

أما الاستعانة بالجن فقد استدل على جوازه ببعض الحديث أو الأثر الذي لا يسلم من مقال، وأما استدلاله برأي ابن تيمية رحمه الله فالحجة في روايته (إذا صحّت سنداً ومتناً) وليست الحجة في رأيه، كما قال الفقهاء عمن هو خير منه، ولذلك لم يأخذ الشيخ ابن باز رحمه الله (وأحسبه خير من جمع الله له العلم والعمل والدعوة على بصيرة وحسن الخلق ـ ومنه الصبر والعفو والكرم بالنفس والوقت والمال ـ في عصره) برأي ابن تيمية رحمه الله بل منع الاستعانة بالجنّ مطلقاً، وهذا لا يعني منع الإعانة في الخير، وبينهما فرق كبير وأحسب الاستعانة بالجنّ (لغير الشّرّ والفتنة) من مُلْك سليمان الذي خصّه الله به فلا ينبغي لأحدٍ من بعده.

ومَنْ مِنَ الإنس يجوز له الحكم بالصلاح على أحدٍ من الجن؟ يرى الشيخ العبيكان أن غير الصالحين من الجن لن يعينوا مُسْلماً! بلى قد يعينونه فتنةً وابتلاء.

وقد رأيت كثيراً من الدّجّالين في البلاد المجاورة يدّعون الاستعانة بالجن (الرحمانيين)، وانخدع بهذه الحجة بعض خريجي كليات الشريعة في المملكة المباركة؛ فالواجب قطع هذه الذريعة وسد هذا الباب الذي ولج منه الدجل.

أما عمليات الجنّ الجراحية فلا أهمية للخوض فيها إذا اتفقنا على سد الذريعة بمنع الاستعانة بالجنّ (رحمانيين أو شيطانيين).

وإذا كان الشيخ علم مشاهدة بوجود عمليات جراحية جنيّة فلعله من التّخييل، كما خُيّل لموسى عليه السلام أنَّ حبال السّحرة وعصيهم حيّات تسعى.

أمّا كاتب هذه الأسطر فلم يسمع قبل اليوم بمثل هذه الدعوة من عالم، أو طالب علم شرعي، ولكنها ترد في مثل كتاب الصحفي محمد عيسى داوود (حوار صحفي مع جني مسلم) ط2 عام1413 هـ ص125، وقد سمَّى جنّيّه: مصطفى كنجور من بومبي في الهند، وذكر عنه أنه (أميرٌ كبير حرسه الخاص وحاشيته عشرة آلاف وعمره (180)سنة) ص8 و9.

ولكن الصحفي جزاه الله خيراً حذّر (ص5) من (الاستسلام للخيال والتقيد بما يمليه العقل ـ فحسب ـ والجهل [فإنها] سُبُل للضلال، وكلها أو أحدها كافية لانحراف التصورات وفساد العقيدة)، وقال جزاه الله خيراً، (ولست أُفتي بالاستعانة بالجن فهذا أمر غير ميسور، ولا تؤمن الفتنة معه) ص138.

10- وأخطر نماذج دعوة الظن اليوم ـ في رأيي ـ موقع (الإسلام اليوم) على شبكة المعلومات العالمية؛ فنخبة طلاب العلم والعلماء والدعاة إلى الله على منهاج النبوة يفهمون من عنوانه: (الإسلام اليوم) أن هدفه: مفارقة علم وعلماء وفقه الأئمة الأعلام (بالأمس)، وتقديم فهم جديد (أو تركيز جديد) للدّين لم يفهم (أو يقدمه) السلف الصالح في القرون الأولى.

يستدلون على ذلك بضعف (أو عدم) تركيز الموقع على إفراد الله تعالى بالعبادة ونفيها عما سواه، ولا على التمسك بالسنة، والتحذير من الابتداع في الدين، بل أكثر ما يهتم به الفكر الموصوف بالإسلامي أو المقيد بالموقف أو بالواقع (ولن تجد لهذه المصطلحات الثلاثة ذِكراً في كتابٍ ولا سنةٍ ولا فقه معتدٍ به في القرون الماضية فضلاً عن الخيرة، وإنما المرجع: أمثال سيد قطب وأتباعهم تجاوز الله عنهم، ويسمّيه سيد: (فقه الحركة أو فقه الواقع) في مقدمة تفسيره لسورة يوسف (في ظلال القرآن).

أما الفقه في الدين (الذي أراد الله خيراً بأهله فيسمّيه سيّد (فقه الأوراق) ويسميه الغزالي المتأخر: (الفقه البدوي ضيق الأفق) السّنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ص55، ويسمّيه أتباع حسن البنّا وسيّد قطب تجاوز الله عن الجميع: (فقه الحيض والنفاس وفقه الوضوء والغسل)، ولعلّ الله أن يعذرهم بجهلهم لوقوعهم ـ جميعاً ـ في الاستهزاء بأحكام الشريعة الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع فقهاء الأمة.

ويزيد خطره أنَّ القائمين عليه من خريجي كليّات الشريعة بالمملكة المباركة الذين اشتهروا بمخالفة ولاة أمرها.

اللهم اهد الجميع لأقرب من هذا رشدا.