الدروز في رأي قادتهم
الدروز في رأي قادتهم
بسم الله الرحمن الرحيم
أ- كتب الأستاذ/ عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط مرةً عن لقاء بينه وبين الزعيم اللبناني الدرزي (وليد جنبلاط) ذكر فيه الأخيرُ أن على المملكة العربية السعودية بذل وسعها في دعوة الدروز إلى الدين الحق، وطالب الأستاذ/ عبد الرحمن القائمين على الدعوة في بلاد التوحيد والسنة ودولة الدعوة إليهما بالاستجابة لهذه البادرة الطيبة من الزعيم الدرزي بصرف النظر عن دوافعه المحتملة فلا يعلم حقيقة النيات إلا الله، ولم نؤمر بمحاولة الكشف عنها. وقد تلقيت خطابًا من وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة لإبداء رأيي فيما تفضل به الأستاذ / الراشد جزاه الله بهداه وتوفيقه.
ب- وأثناء وجودي في بيروت لمتابعة إذاعة محلية (FM) أنشأتها مع بعض الإخوة اللبنانيين لبثِّ دروس القرآن والأحكام الشرعية ومولتها مع شركة الجميح القابضة بالرياض، زرت السفير السعودي في لبنان الأستاذ/ أحمد الكحيمي، ويتميَّز عن أكثر السفراء بتحرره من قيود الروتين الإداري الذي يتقيد به أكثر الموظفين العرب في الخارج حذرًا من الوقوع في الخطأ (وفي الخطأ وقعوا)، ويتميز بتجنب توظيف النساء في السفارات السعودية التي ولي عليها وأعرف منها: السفارة السعودية في عمان قريبًا من ربع قرن، وفي دمشق عدد سنين، وفي لبنان مثلها، واختار من بين دوافعه المحتملة: إدراكه بأن المملكة أسست من أول يوم على تحكيم شرع الله، ومنه؛ قرار المرأة في بيتها لتولي مسؤوليتها الأولى والأهم والأعم: رعاية أسرتها وخدمة زوجها وتربية أولادها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والمرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها». وأبديت للسفير الكحيمي حاجتي إلى زيارة (وليد جنبلاط)، فلم يتردد لحظة واحدة بل أجابني: (شو عليه، زره وقل له: أحمد بيسلم عليك) قيل لي أن أمه سورية الأصل أخذ منها اللهجة والهمة الشامية جزاه الله بهداه وتوفيقه وبصلاح الخاتمة.
ج- واخترت أحد الإخوة الدعاة من أصل درزي نشأ مع أسرته في الكويت واصطفاه الله من بين أهله للإسلام الحق والدعوة إليه ولا تزال أخته مدرسة في مدرسة درزية بعالَيْه من الجبل. وزرت معه الزعيم الدرزي في (قصر المختارة)، وكان استقباله لنا رسميًّا بل جافًّا يليق بما عرف عنه من قوة وصرامة.
عرفته بنفسي وبزميلي ونقلت له قول السفير: (أحمد بيسلم عليك) فقال: من أحمد؟ فذكرته باسم السفير السعودي فهز رأسه إشارة إلى أنه انتفع بالتذكير، وفقه الله وأيد به دينه.
ولم أذكر له شيئًا عن مقال عبد الرحمن الراشد وإنما ذكرت له بأنا جئنا للسلام عليه وشكره على ما من الله به عليه من ابتعاث عشرين من الشباب الدرزي لحضور دورة علمية دينية أقيمت لهم في الأزهر مدة شهرين (فيما علمتُ).
فال بالحرف والكلمة (كما أتذكر): (وأنتم عليكم أن تساعدوا على إعادة الدروز إلى حظيرة الإسلام).
د- وقد يستنكر هذا القول من زعيم الدروز أكثر الدروز بل قد لا يصدقه أكثر المنتمين إلى الإسلام من غير الدروز لأن {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 32] ولم نعرف عن الصوفية ولا التبليغ ولا الإخوان (البنائين أو القطبيين) ولا التحرير: الإعلان عن فساد مناهجهم إلا بعد انفصالهم عنها، وربما كان الاستثناء الوحيد (بعد ما ذكرته من قول الزعيم الدرزي) ما نشره الشيخ د. موسى الموسوي والمجلس العالمي لتصحيح التشيع (زادهم الله توفيقًا وثباتًا ونجاحًا) عن مخالفة الشيعة لفقه آل البيت (رضي الله عنهم) في الاعتقاد والعبادة والمعاملة.
والحقيقة أن الخروج عن السنة بل الانحياز والخروج والانعزال عن (حظيرة الإسلام) في لفظ وليد جنلاط وفقه الله، و(الانخزال عن كل الإسلام) في لفظ د.بكر أبو زيد رحمه الله في خير مؤلفاته: (حكم الانتماء إلى الفرق والجماعات والأحزاب الإسلامية ص46) [فضلاً عن حكم سيد قطب الطائش (تجاوز الله عنه) بالردة على جميع المسلمين منذ القرون المفضلة].
هذا الخروج عن منهاج النبوة والصحبة والاتِّباع في الدين وفي الدعوة إليه: ليس من العدل في شيء أن يُخَصَّ به الدروز أو الشيعة أو الاسماعيلية أو القاديانية فإن أكثر المنتمين إلى الإسلام والسنة (فضلاً عما دونهما) غارقون فيه بتقديس مشايخهم ومناهجهم ومقاماتهم ومزاراتهم وما هو دون ذلك من ابتداعهم في الدين، ولكن الله ميز موسى الموسوي ووليد جنبلاط من بين قادة الفرق والطوائف والأحزاب والجماعات الدينية المبتدعة بالشجاعة لإعلان ما تبيَّنه من انحراف وما يطلبه من إصلاح رعيته.
هـ- ورحب الزعيم الدرزي بطلبنا زيارة بعض المدارس التابعة له في (الجبل) وتمت أكثر من زيارة (بصحبة زميلي الشيخ/ عبد الرحمن مكارم). وفي المرة الأولى شكا بعض القائمين على المدرسة مما نقلت إحدى المنشورات الإعلامية العربية عن الشيخ ابن باز تكفير الدروز، فأجبته بأن خبر الجريدة والمجلة والإذاعة والإشاعة يحتاج إلى شاهدي عدل قبل الحكم عليه بالصدق، وقد أمر الله عباده بالمؤمنين بالتثبت عند تلقي الخبر قبل قبوله أو الحكم به: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، ولا أفسق من وسائل الإعلام العربية القائمة على الإثارة والمبالغة والغيبة والنميمة وشغل فراغ الأوراق والأوقات بما لا يفيد غالبًا. وقد يكون مستفتيه سأله عن حكم الدرزي الذي يدعو (أبا إبراهيم) أو غيره من الحدود الخمسة فأجاب بأن دعاء غير الله شرك أكبر وضلال مبين مستدلاً بقول الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6] وقول الله تعالى: {وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} [الجن: 18] وقول النبي صلى اله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة». ويقول مثل هذا عن الشيعي الذي يدعو علي بن الحسين رضي الله عنه وعن السني الذي يدعو البدوي مثلاً، وأي ميت أو غائب مطلقًا، أو حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله.
و- ثم إنه استفاض عن الزعيم الدرزي السابق كمال جنبلاط والد الزعيم الحالي إنكاره أن يكون الدروز على دين الإسلام، وأكثر دعاة السنة الصحيحة يقررون أن أكثر المنتمين إلى الإسلام والسنة أو البدعة: قد اجتالهم الفكر والهوى والتقليد عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وشذ سيد قطب فحكم على جميع المسلمين (بمختلف فرقهم وطوائفهم) بأنهم ارتدوا عن دين الإسلام بعد أن كانوا عليه بمن فيهم الذين يرددون على المآذن: لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذا حكموا البشر في مناهج حياتهم، ولو وحدوا الله وأدوا له وحده شعائر العبادة، وهذا الشذوذ ناتج عن جهله بشرع الله وأحكام الردة، ولم يوافقه أحد من علماء أهل السنة والجماعة، وإن كانت دولة الشيعة في إيران قد كافأته بوضع اسمه وصورته على طابع بريد، وسمت باسمه سبعة طرق على الأقل في طول البلاد وعرضها. ومناط الحكم بالإسلام أو الكفر إنما هو التوحيد بمعنى إفراد الله وحده بالعبادة ونفيها عمن سواه (ولو كان ملَكًا مقرَّبًا أو نبيًّا مرسلاً أو وليًّا شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة). (انظر الظلال والمعالم والعدالة).
ز- وقد اتفقت مع أحد علماء الأمة وولاة أمرها على دعوة عشرين (أو أقل أو أكثر) من طلاب أو معلمي المدارس الدرزية (التابعة لوليد جنبلاط) لأداء العمرة والاشتراك في دورة علمية شرعية في مكة المباركة أو المدينة النبوية تحتوي أولاً على أحكام الاعتقاد (الإيمان أو التوحيد) ثم على أحكام العبادات المفترضة على كل مسلم.
وقمت بزيارة مدرسة درزية في (الشُّوْف) بصحبة الشيخ عبد الرحمن مكارم (السلفي حاليًّا الدرزي سابقًا) وقابلنا بعض القائمين على المدرسة وذكرناهم بسابق تعاونهم مع الأزهر في مصر، وما يطمح إليه قائدهم وليد جنبلاط (وهو ما نطمح إليه) من تعاونهم مع بلاد الحرمين وتجديد الدين في القرون الثلاثة الأخيرة، وطلبنا منهم اختيار عدد من الطلاب أو من المعلمين في المدارس الدرزية لزيارة الأرض المباركة المقدسة وأداء العمرة والاشتراك في دورة علمية شرعية في مكة المباركة. ومع أنه لم يظهر لي منهم حماس لتنفيذ هذا الطلب مما جعلني أظنُّ أن أساس الفكرة لم يتجاوز عظيم الدروز وليد جنبلاط كثيرًا إلا أنهم وعدوا بدراسة هذا الأمر وتعريفنا بما يصلون إليه من قرار عند زيارتنا القادمة للمدرسة.
وطرأت على لبنان أحداث جديدة من الفتن والحروب عاقتهم وعاقتنا عن تحقيق اقتراح وليد جنبلاط (جزاه الله بهداه) حتى كتابة هذه الأسطر.
ح- ولأني نقلت رأي زعيمين من زعماء الدروز في دين رعيتهم الدرزية؛ فقد علمت أن رأي الشيخ العقل (بهجت غيث) مخالف لهما أو (على الأقل لوليد جنبلاط) إلا أن مجلة الضحى الدرزية نقلت ما يخالف رأي كمال جنبلاط وقد يوافق رأي ابنه وليد جنبلاط رغم ما يظهر من اختلاف أو تنافس، نقلت المجلة الدرزية قول بهجت غيث: (دستورنا كتاب الله وسنة نبيه، نحلُّ ما أحلَّا ونحرِّم ما حرَّما)، والدروز عامة يسمون أنفسهم: (الموحدون)، ونرجو الله أن يحيينا واياهم ويميتنا موحدين. ولا شك أن «كل مولود يولد على الفطرة» وإنما يجتال الناس عنها: الفكر والهوى والتقليد والاستحسان والغلو، وكل يحسب أنه على الحق طريق الهدى وطريق الجنة (لا يستثنى من ذلك إلا القليل): {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30]، {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]، والمعيار الذي يوزن به قول كل فرد وعمله: نصوص الوحي بفهم أئمة الهدى في القرون المفضلة وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأكثر المنتمين إلى الإسلام من كل فرقة وطائفة وحزب وجماعة مخالفين للنص أو الفهم أو العمل ردنا الله وإياهم إلى دينه رداً جميلاً.
وسأواصل استثمار بادرة (وليد جنبلاط) الطيبة ما وسعني ذلك، جعلنا الله هداة مهتدين، دعاة إليه على منهاج النبوة.
(1430 هـ).