وظيفة المرأة في بيتها وَفْق دليل الكتاب والسّنّة والفقه الأوّل فيهما
وظيفة المرأة في بيتها وَفْق دليل الكتاب والسّنّة والفقه الأوّل فيهما
بسم الله الرحمن الرحيم
في العدد 12992 من جريدة عكاظ في 1423/1/9هـ مقال لصحفي جاهل بشرع الله عن أحوال المرأة في بلاد التوحيد والسنة، ولو كان لوالده العالم الرّبّاني رحمه الله أن يتقلّب في قبره لما قرّ له قرار حين يعلم أن أحد أبنائه ينقض غَزْلَه التّربوي الشرعي وجُهْدَه لإقامة بيته وبيوت المسلمين في البلد الحرام مهبط الوحي ومهد الرسالة على شرع الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأيّ فرقٍ بين الوالد ـ أحد كبار الدعاة إلى السّنّة وخطباء المسجد الحرام ـ وبين الولد الذي ينقم على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وعلى رئاسة تعليم البنات (إعلاء أسوار المدارس)، ويعدّ الحجاب الشرعي الذي ميَّز الله به هذه البلاد وهذه الدولة المباركة ـ مع مميزات عظيمة أخرى كلها دينيّة ـ يعدّه: (عادات قديمة تبدو نشازًا في القرن العشرين) مصدرها: (الهوس الرّجالي والنَّظرة القاصرة للمرأة وعقدة فرويد) ونتيجتها: (تعطيل نصف المجتمع أو إلغاؤه)، ولا يظهر له هدف إلا إبراز اسمه بشذوذ فكره.
ويتجاوز الصحفي حدود مهنته وفكره؛ فيدخل في خلاف العلماء حول مشروعيَّة الحجاب أو حدوده، ويأمل أنَّ (ما حدث في نيويورك في منتدى (دافوْس) دليلٌ على السّير في طريق الشفاء من عقدة المرأة) خاب أمله.
وسبب اهتمامه بما يسمّيه: (إعادة النظر في بعض هذه المسلّمات والخروج من أسرها): الرغبة في (أن نسير بمحاذاة الحياة المعاصرة لا أن نتخلّف عنها)، والتخلّف عن السّير بمحاذاة الهاوية أمرٌ من الشرع والعقل.
وعلماء الشريعة المعتدّ بهم اختلفوا في حكم تغطية الوجه والكفين، ولكنهم لم يختلفوا في حكم تَرْك المرأة وظيفتها الشرعيّة والطبيعيّة: رعاية بيتها وزوجها وأولادها للاشتراك في المؤتمرات العالميَّة أو المحليَّة والأعمال العامّة فيما لا ضرورة له ـ وبخاصّة في وقتٍ يشكو الرجال ـ الذين وصفهم خالقهم بأنهم قوامون على النساء ـ يشكون البطالة.
وقد قال الله تعالى لقدوة النساء: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لنساء المؤمنين: «صلاتكن في دوركنّ خيرٌ من صلاتكن في مسجد الجماعة» [صحيح الترغيب والترهيب].
ومع أنه صلى الله عليه وسلم رخَّص للمرأة في الخروج إلى المسجد ـ رخصة لا عزيمة ـ ونهى عن منعها منه؛ فقد اشترط عدم التزّيّن، وقال: «وبيوتهن خير لهن».
والذي يظنّ أن فرض الحجاب على المسلمة تعطيل أو إلغاء لوظيفتها في الحياة، فإنما أُتِيَ من ضلاله أو جهله بوظيفة المرأة التي اختارها الله لها وهيّأها لها؛ قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]. وبعدل الله وحكمته ورحمته قسم بينهما وظائف الحياة: للرجل القوامة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، ولا تتمّ القوامة إلاَّ بعمل الرجل خارج بيته ضاربًا في الأرض مبتغيًا من فضل الله، وللمرأة الحمل والولادة والتربية وإعداد البيت ليكون كما وصفه الله {سَكَنًا} صالحًا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «…والمرأة راعية في بيتها وهي مسؤولة عن رعيتها» [متفق عليه]، ولن تقوم بهذه المسؤولية العظيمة ـ وكفى بها وظيفة ـ إلا بعملها داخل البيت؛ فالحقيقة ـ شرعًا وعقلاً ـ أن الذين يشجّعون المرأة على الخروج من بيتها (لتقوم بواجب العمل العامّ والتواصل بالعالم بالمؤتمرات الدّولية) ـ كما قال الصّحفي نفسه في مقال سابق ـ هم الذين يعطّلون وظيفتها الشرعيَّة والطّبيعيّة أو يلغونها، ويَجْنُون على المرأة والزّوج والولد والأمّة والدّين والمسلمين.
ولم ير الصحابة رضي الله عنهم أنَّ على المرأة ـ أو أنَّ لها ـ مشاركة أتقى الرجال وأعفّهم وأعلمهم في شورى السّقيفة ـ مثلاً ـ لاختيار خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولم ير عمر رضي الله عنه أن على المرأة ـ أو أنَّ لهاـ أن تكون من بين من وُكِل إليهم اختيار الخليفة من بعده، وفي النساء ـ يومئذ ـ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأمثالها ممن هنَّ أفقه في دين الله من أكثر الرّجال.
أما قضيّة الحجاب فأمر آخر، ورغم الخلاف فيها فلم يقل أحد من العلماء المذكورين في المقال السّابق أو اللاحق أنه يجوز للمرأة كشف وجهها عند خوف الفتنة، ولن يشكّ عاقل بأن احتمال الفتنة اليوم أكثر منه في عصر النبوة عندما حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء، وأن احتمال الافتتان بكشف الوجه أكبر من احتمال الافتتان بكشف الرّكبة، الأمر الذي اتّفقوا على تحريمه.
وقد استدل الصّحفي بآية ليست في كتاب الله: (أفلا تدبّرون)، في سياق يقتضي الاستشهاد بآية: {أفلا تتفكّرون}، ولكن الله تعالى يقول: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، وكل ما في القرآن يهدي إلى شرع الله وفطرته التي فَطَر الناس عليها، وليس من الشرع ولا من الفطرة إخراج المرأة من أمْنِ بيتها وإبعادها عن رعيّتها التي سيسألها الله عنها، ولم يُعْرف ذلك في بلاد المسلمين قبل أن ينادي (قاسم أمين) تجاوز الله عنا وعنه بكشف وجه المرأة وكفّيها بحجّة الخلاف بين العلماء في حكمه، والنتيجة معروفة لمن تفكَّر وتدبَّر.
إن الله قد ميَّز هذه البلاد وهذه الدولة المباركة بتأسيسها من أول يوم على الدَّعوة إلى الكتاب والسنة، وميَّزها براية التوحيد، وميَّزها بتحكيم شرع الله، وميَّزها بخدمة الحرمين وتطهيرهما من المحدثات والفتن والشبهات والشهوات، على هذا تعاهد الإمامان محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله، وعلى هذا قام مُلْك عبد العزيز رحمه الله وذريته من بعده ثبَّتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، وبهذا أهّلهم الله لقيادة الأمم إلى الحقّ والعدل، ونزَّههم عن اتباع كل ناعق يُحَكِّم هواه أو هوى غيره (ممن لا خلاق لهم في الدنيا ولا في الآخرة) ويتنكّب حُكْم الله، وهو يحسب أنه على هدى، قال الله تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30].
ردَّ الله الجميع إلى دنيه ردًّا جميلاً، وهداهم لأقرب من هذا رشدًا.