عصبية الجاهلية الحديثة
عصبيّة الجاهليّة الحديثة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ- يرى الشيخ د.بكر أبو زيد (عضو هيئة كبار العلماء ورئيس المجمع الفقهي حتى لزم بيته شفاه الله) في كتابه الفريد (حكم الانتماء إلى الفِرَق والجماعات والأحزاب الإسلامية ط1410) تحت عنوان: (الحزبية في العرب قبل الإسلام): (أن عصبية الجاهليّة القائمة على الاعتداد بالنّسب ووحدة القبيلة والشعب قبل الإسلام تشابه إلى حدٍّ بعيد تلكم الصّيحات المعاصرة في وسط ديار المسلمين [الداعية] إلى الوطنيّة والقوميّة من حيث النتيجة: التهارش والهَرْج؛ إلا أن عصبيّات ما قبل البعثة فيها من الشرف والأنَفَة ومكارم الأخلاق ما لم يطمح إليه [فضلاً عن أن يحصل على شيء منه] أولئك الأوباش المجتمعين باسم القوميّة والوطنيّة) في هذا العصر.
ب- ولعلّ الشيخ بكر لم يرغب النزول إلى حضيض العصبيّة المعاصرة وإلا لذكر من أكثرها سخفاً وسماجة وانحطاطاً: وباء المباريات الرّياضيّة وبخاصة كرة القدم التي وصل شرّها إلى أكثر بيوت المسلمين فزادت الفُرْقة بينهم، بل – ربما – بين الأب وابنه والأخ وأخته، ووسَعت هوّة الإسراف في تبذير الوقت والجهد والخُلُق والمال، وكان الأولى شرعاً وعقلاً أن يتحمل اللّاهون العابثون نفقة لهوهم وعبثهم لعلّ الباقين يسلمون من خسارةٍ في الدّنيا أو في الآخرة.
ج- ولكن أسوأ عصبية جاهلية معاصرة ـ في رأيي ـ ما نُسب زوراً إلى الإسلام من عقائد ومناهج الفرَق الباطنيّة والطُّرق الصوفية والجماعات والأحزاب (الإسلاميّة) المخالفة شرع الله وهي تدّعي القيام عليه والدّعوة إليه والجهاد في سبيله، وإن كنتُ أحسب أن جميع مؤسسيها وأمرائها وأفرادها {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف: 104]، {يَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} [الأعراف: 30] كما قال الله تعالى عن أكثر أهل الضلال.
د- وقد انتهى البحث الشرعي العميق بالشيخ بكر في المرجع السّابق تحت عنوان (السؤال) وعنوان (الجواب) إلى: الحكم على جميع الفِرَق والجماعات والأحزاب الإسلاميّة (بالانشقاق على المسلمين والتّفريق لجماعتهم، وهذا في طبيعة حاله انخزال عن كل الإسلام على منهاج النّبوّة)؛ لأنه: (عُلِم بالضّرورة من دين الإسلام أنّ الأصل: أنّه لا دين إلّا بجماعة، ولا جماعة إلّا بإمامة، ولا إمامة إلّا بسمع وطاعة، وهذه الثلاثة متلازمة آخذ بعضها ببعض)؛ فمن انشق على المسلمين باسم أو منهج أو أمير خاصّ فقد خرج عن الجماعة (لأنّ جماعة المسلمين واحدة لا تتعدّد.. ولأنّ الإسلام كلٌّ لا يقبل التّشطير ولا التجزئة.. فلا يجوز الدعوة إلى بعض الإسلام دون بعض كما أنّه لا يجوز الإيمان ببعض الكتاب دون بعض)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإنّ هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة: ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنّة وهي الجماعة» السلسلة الصحيحة (204) و(1492).
هـ- وقال الشيخ بكر في كتابه المذكور تحت عنوان (تساقط الفِرَق أمام جماعة المسلمين) بأنّ هذه الفِرَق العَقَديّة والسّلوكيّة والسّياسية تساقطت أمام جماعة المسلمين أهل السّنّة والجماعة الذين درجوا على منهاج النبوة ولم ينفصلوا عنها ولا لحظة زمنية واحدة لا باسم ولا برسم، فليس لهم شخص ينتمون إليه سوى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لهم رسم ومنهاج يسيرون عليه غير الكتاب والسّنة [بفهم أئمة السّلف في القرون المفضلة]، وليس لهم جماعة من المسلمين بل جماعتهم المسلمون [كما سمَّاهم الله تعالى].. وإنما يحتاج إلى اسم جديد من خرج عنهم، وفي الحديث الصحيح: «من دعا بدعوى الجاهلية فهو من جثّاء جهنم وإن صام وصلى وزعم أنّه مسلم، فادْعوا بدعوة الله التي سمّاكم بها: المسلمين، عباد الله»، وروى ابن عبد البرّ في الانتقاء ص35، عن الإمام مالك أنّه قال: (أهل السّنّة الذين ليس لهم لقب يعرفون به)، وإنما وصفوا بالفرقة النّاجية والطائفة المنصورة والسَّلّف، وأهل الأثر، وأهل الحديث؛ لأنه أوصاف شرعيّة لا تفصلهم عن الأمة المسلمة (الجماعة) ولا تفصلهم عن منهاج النّبوّة (الكتاب والسّنّة)؛ فهذه الألقاب لا تدعوهم لشخص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لمنهاج غير سُنّتِه، وعقد الولاء والبراء والموالاة والمعاداة لديهم هو على الإسلام وحده، لا على اسمٍ مُحْدَث ولا على رَسْمٍ مُحْدَث، وهم متآخون على منهاج النّبوّة ينتظمهم إمام ذو شوكة ومَنَعَةً.
و- ولقد تبلغ عصبية الجاهلية الحديثة باسم الإسلام من البعد عن الشرع والعقل ما لا تبلغه أخواتها، وإليك المثال من الواقع الحزبي المظلم:
1) في بداية فتنة احتلال البعث العراقي الكويت وتهديد السّعوديّة وبقية دول الخليج (لا أعاد الله مقترفيها ولا مؤيّديها من القوميّين والإسلاميّين) كتب أحد علماء السّعوديّة السّلفيين (وهو أكثرهم تحمّلاً لضلال فكر الحزبيّين الإسلاميين وصبراً على استغلالهم اسمه وعلمه وجاهه وقبول الرّعاة والرَّعية له)، كتب مقالاً موضوعيّاً يدعو فيه العرب (من استخفى منهم وراء وَصْف الإسلاميّين بخاصّة) إلى الرجوع إلى الشرع والعقل بعد أن ظهر تجنّبهم لكلٍّ منهما في كل مواقفهم من الفتنة؛ حرصاً على زيادة اشتعالها، ونصراً للظالم واعتداء على المظلوم، وفرحاً بمصيبة إخوانهم في الإسلام أو العروبة أو الوطن، وتعاوناً مع الطّاغوت على الإثم والعدوان.
2) ذكّر صاحب المقال الوالغين في الفتنة (وهم الأكثرون الأقلّون) بخروج بعضهم من ديارهم ثلاث مرات خلال نصف قرن: من فلسطين، ومن سيناء والجولان، وأخيراً من الكويت، وأنّ احتلال الكويت (ويتميّز عما سبقه بوحشيته وخيانته ونقضه للعهود وتدميره وتخريبه) يتميّز عما سبقه من احتلال نصراني أو يهودي بأمرٍ لا يكاد يصدّقه العقل لولا حدّة ظهوره، وصدع المجرمين العلمانيين والإسلاميين به، وإصرارهم عليه، ألا هو: فَرَحهم بالفتنة وولوغهم فيها ومناصرتهم الطائفة الباغية، وتمنّيهم بقاء الفتنة ودوامها، وتأييدها بالكذب والبهتان، والدّعاء والقنوت العدواني، والخطب الضالة المضلّة؛ [فمن مشاهير الإسلاميين وبخاصة قادة حزب الإخوان من أقسم (فاجراً) يميناً غموساً في خطبة الجمعة (الفريضة المفروضة لتعليم أحكام الدّين من يقين الوحي): أن مفتاح الكعبة في يد مجنّدة أمريكيّة (د.الكيلاني)، ومنهم من بكّت مستمعي درسه في مسجد الدّولة الأكبر لتصديقهم ما عرفه الجميع منذ أسبوع عن هزيمة المعتدي وطرده من الكويت وتحرير البلد الطيّب وعودة أهله إليه، بحجة أن الإذاعة العراقيّة التي يجوز تصديقها وحدها لم تعترف بصحّة الخبر، وبحجّة قول الله تعالى: {لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأنفال: 37] وقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ} [الحج: 40] (د.نوفل)، ومنهم من دعا الله في خطبة الجمعة أن يكون جيش الفتنة اليوم في الخفجي وغداً في الرياض (د.التّميمي)، ومنهم من بدأ عمرته بسؤال أعرابي (من بدو قرى مكة) من حراس البيت الحرام: هل هو مسلم، أم أمريكي كما ادّعت الإذاعة العراقية (د. عباسي مدني)، ولكنّ الله أخزى منشئ الفتنة ومؤيّديها من الدّكاترة وغيرهم من حاملي ألقاب الدّجل ومن اتبعهم ممن عقله في أذنيه].
3) وردّ صاحب المقال ما امتطاه مؤيّدوا الباطل من حجج وفتاوى ساذجة خادعة حول الاستعانة بغير المسلم في ردّ العدوان والدّفاع عن النّفس والمال والعرض والدّين؛ ردّ حججهم وفتاواهم المنسوجة لباساً للباطل يستر عورته وعوراتهم: باستعانة النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته (على أهميتها وخطرها) بدليلٍ مشرك، واستعانته في الحرب بعينٍ (جاسوس) مشرك، واستعانته في الحرب بعدّة حربيّة استعارها من مشرك، وبدخول مشركي خزاعة مع مسلميهم في جيش المسلمين يوم الفتح الأكبر، فضلاً عن تعامله صلى الله عليه وسلم مع كثير من المشركين بعد هجرته بالبيع والشراء والهديّة والزّيارة وأهم كلّ ذلك عقده صلى الله عليه وسلم الصلح مع المشركين في الحديبية وتأجير أرض خيبر للعدوّ المحارب من اليهود لزراعتها ولهم يصف ما يخرج منها (بعد هزيمتهم وبعد كلّ ما أظهروه من خيانة ونقض للعهود).
4) وبيّن صاحب المقال أن تفسير مؤيدي الفتنة الشاذّ لآيات الولاء والبراء يخالف ما فقهه العلماء المعتدّ بهم جميعاً، وساق ما ختم به الإمام النووي بحثه في شرح صحيح مسلم باب كراهية استعانة المسلم بغير المسلم إلّا لحاجة بعد توفيقه بين النصوص المختلفة: (وإذا حضر الكافر [القتال] بالإذن رُضِخَ له [أي أعْطيَ أجره من الغنيمة] ولا يُسْهَم له، وهذا هو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والجمهور، وقال الزهري والأوزاعي: يُسْهَمُ له [كالمسلم]).
فالخلاف بين علماء الأمّة القدوه محصور في: الرّضخ أو الإسهام للكافر المشترك مع المسلمين في الحرب وهي مسألة فرعيّة لا تقوم إلّا بعد الإقرار بمشروعيّة الاستعانة بغير المسلم عند الحاجة على الإطلاق الذي يشمل حالة الهجوم فكيف بالأمر في حالة الدّفاع عن النفس وعند الضّرورة.
5) وتساءل صاحب المقال: هل يرى مؤيدوا البَغْي والعدوان أن جميع قادة الاحتلال والغزو وأفراده [أو أكثرهم] منتسبون إلى الإسلام الحقّ فضلاً عن التّحقق به؟ أم يرون أنّ الباغي قام بعدوانه لتكون كلمة الله هي العليا؟ أم يرون أن حريّة الإسلام ـ ممارسةً ودعوةً ـ تحت حكم المعتدي تُماثِل أو تُقارب حريّة الإسلام ـ ممارسةً ودعوةً ـ تحت حكم الدولة المحتلة، أو الدّول المهدَّدة على الخليج، بل تحت حكم أيّ دولة من دول التّحالف المسلمة أو النصرانية؟ وإن كانوا لا يعلمون فليسألوا عشرات أو مئات الألوف من الهاربين العراقيين من جحيم حكم البعث العراقي إلى أي دولة غّرْبيّة.
6) وتساءل صاحب المقال: هل كلّف مؤيدوا الفتنة أنفسهم الموازنة بين المعتدي والمعتدَى عليه في نشر الدعوة إلى التوحيد والسّنة ومحاربة الشرك والبدعة؟ أيهما يحتض أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والزّوايا الصّوفيّة وما دون ذلك من المعاصي والموبقات وأيّهما يمنعها؟ أيّهما يعلن خضوعه لمنهاج الإسلام وأيّهما يعلن اتّباعه منهاج ميشيل عفلق النصراني القومي الاشتراكي؟
7) وتساءل صاحب المقال: هل يجهل مؤيّدوا الاحتلال حزب البعث العربي الاشتراكي للكويت أن المسلم مُحَرَّم العرض والدّم والمال؟ وهل يجهلون أن الكويتي مسلم اسْتُحِلَّ عرضه ودمه وماله؟ وهل من شرع الله تأييد الطائفة الباغية والانسياق وراء عاطفة الحقد والحسد [كُرْهاً لقدر الله بإنعامه على عبدٍ أو شعبٍ بنعمة من نعمه؟ وقد أنعم الله مِنْ قَبْل على العراق وبلاد الشام ومصر بالأنهار والثمار وبالنفط من قبل ومِنْ بَعد ولم يظهر لها من جزيرة العرب حاسد بفضل الله، والفَرْق اليوم لا يتجاوز عدالة الحُكم وحريّة التجارة، ووجود مظاهر الشرك والبدع والمعاصي أو عدمها].
8) وأخيراً ناشد صاحب المقال قادة وعلماء الدّول العربيّة التي أيدت البغي والعدوان أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن تفاجئهم ساعة الحساب في الدّنيا أو في الآخرة: هل يغني عنهم اعتذارهم بعدم قدرتهم على مواجهة أصوات الغوغاء وأهواء المخدوعين من رعاياهم؟
9) ثم واجه صاحب المقال أغرب وأشنع ما يتصوّره من عصبيّة الجاهلية الحديثة؛ فقد رأى أن ينشر نداءه على ورق هيئة للإغاثة في الكويت استُغِلّ اسمه في تأسيسها طمعاً في تبرّعات السعوديّين خاصّة وغيرهم عامّة، وقامت على خدعة مكرّره تدّعي أنّ مجلس الكنائس العالمي يسعى لجمع ألف مليون دولار لتنصير المسلمين (لتهييج العواطف إلى التّبرّع لهذه الهيئة التي يستغلّها ويسيطر عليها حزب الإخوان المسلمين في الكويت).
فَرفَض ممثّل الحزب في مجلس إدارة الهيئة تضامناً مع موقف الحزب المؤيِّد للفتنة، ولا تعجب كيف يبلغ التّعصّب الحزبي بمواطن كويتي أن يقدِّم قضية حزبه الضالة الخاسرة على قضية وطنه وأهله العادلة، وينسى ما قدّمه الكويت له من مال وجاه ومنصب، بل ينسى ما شرعه الله من العدل والحق لكلّ مخلوق فكيف بمواطنيه وأهله المعتدى عليهم؛ فالتّعصّب الحزبي يتعدّى حدود الشرع والعقل. ثم وافق أحد القائمين الكويتيّين على الهيئة، ولكن المقال حجب عن النشر فلم يظهر له أثر.
10) ولو أمهل الله للباطل ومؤيّديه ابتلاءً وتمحيصاً لصارت الكويت وبقية دولة الخليج كما صارت العراق تحت حكم حزب البعث العراقي ولملئت البلاد أوثاناً وبدعاً وفقراً وظلماً، فإن حكم هذا الحزب وطاغوته وأعوانه أسوأ ما مرّ بالعراق منذ هولاكو.
وكأنّ شوقي يرسم صورة للطاغوت ومؤيّديه عندما قال:
إن الغرور سقى الرئيس بِرَاحِه
كيف احتيالك في صريع الراح
تركته كالشبح المؤلّه أُمّة
لم تَسْلُ بَعْدُ عبادة الأشباح
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو
حتى تناول كلّ غير مباح
بالأمس أوهى المسلمين جراحةٍ
واليوم مدّ لهم يد الجرّاح
فلتسمعن بكلّ أرض داعياً
يدعو إلى الكذّاب أو لسجاح
ولتشهدنّ بكلّ أرض فتنة
فيها يباع الدّين بَيْع سماح
يُفْتَى على ذهب المعزّ وسيفه
وهوى النفوس وحقدها الملحاح
وقوله عن تأثر الغوغاء بالدعاية الكاذبة:
انظر الشعب [المُعَنّى]
كيف يُوْحُون إليهِ
يا لـه من ببّغاءٍ
عقله في أُذُنيْه
ولكن الله تعالى أتمّ نعمته على جزيرة العرب كما أتمها عليها مِنْ قَبْل؛ فأحقّ الحق الذي آمن (د.نوفل) وحزبه أنّه الباطل وأبطل الباطل الذي آمنوا أنه الحق، وصارت أمّ المعارك أمّ المهالك، ودحر الله الطّاغوت ومؤيّديه، وعاد أهل الكويت إلى الكويت وأمِنَت دول مجلس التّعاون الخليجي أدام الله أمنها وعزّها على طاعته.
ورسم شاعر عراقي هارب إلى أوروبا من جحيم الحزب الطّاغوتي صورة جديدة لنهاية الطّاغوت وخسارة آمال مؤيّديه فيه:
إذن.. هذا هو [النّذل] الذي جادت به صَبْحَه، [أمّ الطّاغوت] وألقت من مظالمه على [أوطاننا] ليلاً [طويلاً لا] نرى صُبْحَه. إذن.. هذا أخو القعقاع يستخفي بقاع القاع خوفاً من صدى الصيحة، وخوف الموت [يستخفي بأدنى] حُفْرةٍ كالقبر مذعوراً، وقد كانت جماجم أهلنا صَرْحه.
ومن أعماق [حُفْرَته] يُجَرُّ بزيف لحيته، ليدخل معجم التاريخ نصّاباً، علامة جَرِّه الفَتْحة. [فتحة حفرته وفتحة الإعراب].
إذن.. هذا الذي صبّ الرّدى من فوقنا صبّاً، وسمّى نفسه ربّاً، يبول بثوبه رُعْباً، ويمسح نعل آسره ويركع طالباً صفحه.
ثم يلتفت الشاعر إلى مؤيّدي الطّاغوت ـ مِنْ قّبْل ومِنْ بَعْد ـ ومنهم 600 مهرّج ادّعوا تطوّعهم للدّفاع عنه، ومثلهم معهم أو أكثر منهم احتجّوا على نشر صور ذُلّه وجُبْنه وخوفه واستسلامه، هؤلاء الأفّاكين الذين يُفْتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثم لا يتوبون ولّا هُمْ يذَّكرون، ومهما ظهر الحق أبلج فهم في طغيانهم يعمهون:
أيا أوغاد، هل نبني علينا مَأْتماً في ساعة الميلاد؟
وهل نأسى [لجلّاد] لأن غريمه [الجلّاد]؟
وهل نبكي [على الخنزير] إن أودى به الصّيّاد؟
خذوا [النَّذْل] الذي هِمْـتُمْ به منّا لكم مِنْحَه،
خذوه [استخرجوا فَيْحَه]،
أعدّوا منه أدويةً لِقَطْعِ النَسل أو [قُفُلاً] لِكَتْم القول،
أو [مَصْلاً] يقوّي حدّة الذّبحه.
شرحنا من مزايا [النّذل] ما يكفي فإن لم تفهموا منّا خذوه لتفهموا شرحه،
وخلّونا [نفوز ببُعْده عنّا ونختم من حياتنا] صفحه.
ونترك بعدها الصّفحات [ناصعة لترسمنا وترسم] نفسها الفَرْحَة؟
اللهم اهدِ الجميع لأقرب من هذا رشدا.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز الحصيّن، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.
الرياض ـ ذو الحجة 1425هـ.