الآثار بين الوحي والفقه فيه، وبين الفكر المخالف لهما

الآثار بين الوحي والفقه فيه، وبين الفكر المخالف لهما

بسم الله الرحمن الرحيم

أ- أمّا الوحي من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أصحّه وأصرحه:

1) روى البخاري ومسلم رحمهما الله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن أصحاب الحجر: «لا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم».

2) وروى البخاري ومسلم أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لما مرّ بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم»، ثم تقنّع بردائه وهو على الرَّحْل، وفي لفظ مسلم: ثم زجر فأسرع فخلّفها.

3) وروى البخاري ومسلم أنّ النّاس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود، الحِجْر، فاستقوا من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئرها وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة.

فهذه ثلاثة أحاديث من أحاديث كثيرة في الصّحيحين وغيرهما توكد قول  الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله نهياً عن دخول مساكن الذين ظلموا أنفسهم فأهلكهم الله  (الحِجْر خاصّة وفي غيرها عامّة).

4) ونقل البخاري رواية: أنّ عليّاً رضي الله عنه كره الصّلاة في خسف بابل.

وصحّح ابن تيمية ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنّه كان في سفر فرآهم ينتابون مكاناً يصلّون فيه، فقال: ماهذا؟ قالوا: مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنّما هلك من قبلكم بهذا. من أدركته فيه الصَّلاة فليصل فيه وإلا فليمض) 10-410.

وفي سلسلة الآثار الصّحيحة للشّيخ داني زهوي عن عبد الرزّاق وابن أبي شيبة والطّحاوي وسعيد بن منصور: (إنّما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتّبعون آثار أنبيائهم، فيتّخذونها كنائس وبيعاً..) ج1 ص64 ط2 الدار الأثريّة.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف على أصحابه المجاهدين في سبيل الله رضي الله عنهم وأرضاهم أن يعذّبوا إذا دخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم في الحجر غير باكين، وإذا كان عمر رضي الله عنه يخاف على من معه من الصّحابة أوالتّابعين أن يهلكوا بتتبّعهم آثار النّبي صلى الله عليه وسلم للصّلاة فيها. وإذا كان عليٌّ رضي الله عنه يكره الصّلاة في آثار المغضوب عليهم؛ فكيف باتّخاذها للعبث السّياحي اقتداء بالوثنيّين والعلمانيّين؟

ب – وأمّا الفكر المخالف للوحي، فقد نقلت جريدة الجزيرة يوم الإثنين 1434/4/1هـ عن:

1) الشّيخ عبدالله بن منيع وزيارته لبعض الآثار [الموصوفة زوراً] بالإسلاميّة والآثار الوثنيّة في الحجر (مدائن صالح).

فنقلت (الجزيرة) عن الشّيخ ابن منيع دلّه الله على الحقّ وثبّته عليه أنّه (أعرب عن سعادته بزيارة تلك المواقع الأثريّة) وأنّه قال (إن تلك المواقع والكنوز الأثريّة هي محطّ حضارات سابقة وهي محلّ عبرة وعظة وزيارتها تعطي الكثير من التأثّر والتّعلّق وتقوية الإيمان بالله) وأنّه قال: (رأينا آثار القصور وأساساتها وغرفها، وأن هذا سيعطي تفسيراً جديداً لقول الله تعالى: {تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً}الأعراف الآية74.

2) الشّيخ د.عبد الله المطلق وزيارته للمواقع الأثريّة نفسها. ونقلت جريدة (الجزيرة) عنه دلّه الله على الحقّ وثبّته عليه: (أنّه اطلع على حضارات الأنباط واللحيانيّين وثمود، وأنّ المحافظة عليها محافظة على آيات وعبر ذكرها الله في كتابه وجعلها آية لعباده المؤمنين بأن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت الأمم من قبلهم وكيف أثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها).

ج – والآية التي ذكرها الشيخ عبدالله بن منيع والآية التي أشار إليها الشيخ عبدالله المطلق أنزلهما الله على قلب نبيّه صلى الله عليه وسلم وأمره الله بأن يبيّن للناس ما نزّل إليهم، ووقف على ما وقف عليه الشّيخان المنيع والمطلق وكان قوله وفعله مخالف لقولهما وفعلهما مخالفة صريحة مخيفة:

1) نهى صلى الله عليه وسلم عن الدّخول في مساكن المشركين إلّا باكين، وتقنّع بردائه وهو على الرَّحْل فلم يدخلها ولا نظر إليها يدلّ على ذلك لفظ الرّواية الأخرى: ثم زجر فأسرع حتى خلّفها، وأمر بإراقة الماء الذي استُقي منها وطرح العجين الذي عُجِن من مائها. وكان أصحابه رضي الله عنهم أبعد النّاس عن أخطار الشّرك وما دونه من البدع.

2) أين هذا مما قاله أو فعله أيُّ الشيخين؟ لا تُظْهر آلات التّصوير أنّهم كانوا باكين بل تدلّ ألفاظ (السّعادة) و(الفخر) و(الشكر) ودعوى (تقوية الإيمان بالله) إلا الفرح والمرح والجوّ الاحتفالي، ولم يكتفوا بدخول مساكن الذين ظلموا أنفسهم غير باكين بل تابعوا التنقيب عن قصورهم وغرفهم بفخر واعتزاز بآثار الحضارات الوثنيّة، وكلّ الحضارات الفرعونيّة والهنديّة والصّينيّة واليونانيّة والرّومانيّة والإنكا ونحوها وثنيّة،

ولكنّ المسلمين الجاهلين بشرع الله يعظّمونها فَيُسَمُّون دنيا خلف المسلمين (حضارة إسلاميّة) ظنّاً منهم (ظنّ الإثم) أنهم يُعْلُون بذلك قَدْر الاسلام.

3) أمّا ظنّ الشيخ ابن منيع بأنّ الاسلام أو المسلمين في حاجة إلى تفسير جديد لقول الله تعالى: {تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون من الجبال بيوتاً}، فلا شكّ من تحقق الإثم في هذا الظّنّ؛ فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبَيِّن للنّاس ما نزّل إليهم، وتقرير الحاجة إلى البيان (بمعصية الرّسول خاصّة) أمر لعل الشيخ أن يعيد فيه النّظر ويستغفر الله ويتوب إليه ويندم ويعزم ألاّ يعود إليه قبل ان يباغته الموت، وإذا كنت أنتظر الموت يوما بعد يوم، وهو أكبر منّي سنّا، فلا أظنّه بعيداً عنه هداه الله.

د – لولا أنّ ابني ياسر باكرَني بما نشرته الجزيرة هذا اليوم مما حسبته منكراّ يخالف قول النبي  صلى الله عليه وسلم وفعله ما عرفت عنه شيئاً، ولكنّي أكبرت في ابني العزيز غيرته على شرع الله تعالى وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم فرأيت من واجبي ومن حقّه بيان ما أعلم أنه الحقّ بدليل الوحي والفقه من أهله الأُوَل المشهود لهم بالخيرية الذين ألزمنا الله باتّباع سبيلهم، ودعوت الله لابني بخير الجزاء. ومع أنّ كلا من الشيخين وفقهما الله أحرى منّي بمعرفة الأحكام الشّرعيّة فيما يتعلّق بالمعاملات ولم يسبق لي مخالفتهما فيها، فإنّ هذا الأمر متعلّق بأحكام الاعتقاد وقد جعلت أكبر همّي منذ عشرات السّنين: التركيز على إفراد الله بالعبادة ونفيها عمّا سواه والتزام السّنة والتحذير من الابتداع في الدين، وبيان الفرق بين منهاج النّبوّة ومناهج البشر المحدثة الضالّة كلها.

هـ- وأرجو الله أن يهدي الشيخين ويهدينا جميعاً للبحث عن الحقّ والثبات عليه، والمحافظة على ما ميّز الله به هذه البلاد والدّولة المباركة من تحكيم شرع الله وسنة رسوله في مسائل الاعتقاد خاصّة وهي الأَوْلى والأهمّ في شريعة الإسلام، وهي التي بعث الله بها كلّ رسله، وميّز هذه الدّولة المباركة بتجديدها في كلّ قرن من القرون الثلاثة الأخيرة، ثبتها الله على ذلك وحفظها قدوة صالحة إلى يوم الدّين. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتّبعي سنّته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى.