بين الحق السلفي الشرعي وبين الباطل الفكري [نقد فكر: سعود الفنيسان]
بين الحق السلفي الشرعي وبين الباطل الفكري [نقد فكر: سعود الفنيسان]
بسم الله الرحمن الرحيم
أ ـ أجلب الشيطان بخيله (وبغاله وحميره) على منهاج السّنّة السّلفي وعلمائه ودعاته (بعد القرون الخيّرة) فسمّاهم حشويّة ومشبّهة لأنّهم أثبتوا صفات الله التي أثبتها لنفسه في كتابه وفي سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وتجاوز كيد الشيطان وأعوانه التّنابز بالألقاب، فسوّل لبعض ولاة الأمر المنتمين للسّنّة وزيّن لهم (لأوّل مرّة، وبفضل الله لآخر مرّة) أن يُلْزِموا علماء الأمّة بالأخذ بالفكر الاعتزالي (القول بخلق القرآن بخاصّة) واستمرّت المحنة أربع عشرة سنة في عهد المأمون والمعتصم والواثق قُتِلَ فيها من قُتِلَ وسُجِن فيها من سُجِن وجُلِد فيها من جُلِد وعلى رأسهم إمام أهل السّنة في عصره وما بعده: أحمد بن حنبل رحمه الله. وكان العصر عصر الفكر الأوّل في تاريخ المسلمين فقد اهتمّ المأمون تجاوز الله عنهم جميعا بدراسة العقليّات وعلوم الأوائل وعَرَّب كتبهم وبالغ (سير الذّهبي)، فلا عجب من اغتراره بمذهب المعتزلة، والأعجب والأغرب: امتحان علماء الأمّة به، بل عامّتهم؛ قال الذّهبي في السِّيَر عن المعتصم: (وامتحن النّاسَ بخلق القرآن وكتب به إلى الأمصار و أخَذَ به المؤذّنين و فقهاء المكاتب، ودام ذلك حتى أزاله المتوكّل بعد 14 عاماً).
ب ـ ولا شكّ أنّ الله يبعث في كلّ قرن سلفيّاً أو جماعة من السّلفيّين لتجديد الدّين (والدّعوة) بالعودة بهما إلى ما كان عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، بدليل بشارة النّبي صلى الله عليه وسلم بذلك: (إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها دينها)، رواه أبو داود والحاكم والدارقطني [الصحيحة: 599].
ج ـ ولكني لم أجد ـ بعد طول البحث ـ دولة مسلمة (بعد القرون الخيّرة) جدّد الله بها دينه والدّعوة إليه غير ثلاث دول أُسِّسَتْ على منهاج السّلف:
1) الدّولة السّعوديّة الأولى بين 1158هـ وبين 1233هـ بقيادة المجدِّد محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود رحمهما الله، ثمّ بقيادة الإمام عبد العزيز بن محمد والإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد رحمهم الله وأسكنهم الفردوس من الجنّة جميعاً.
ولأوّل مرّة بعد القرون الخيّرة تَهْدِم دولةٌ أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة منذ بُنِيَ أوّلها في ولاية الفاطميّين بين القرنين الرّابع والسّادس، ولم يَبْق وثن واحد في جزيرة العرب المباركة، بل هَدَمَتْ دَوْلَةُ التجديد والتّوحيد الأولى أوثان كربلاء والبصرة والزّبير، وكلّ الأوثان بين عُمَان والعراق وبين الخليج العربي والبحر الأحمر، وقُضِيَ على البدع وأُحْيِيَت السُّنن وأُمِرَ بالمعروف ونُهِيَ عن المنكر، وأقيمت الحدود، واستتبّ الأمن وساد العدل والحُكْمُ بشرع الله. وأنكَرَت دولة الظلم والخرافة والإبتداع العثمانيّة المعروْفَ من شرع الله الذي لم تعرفه ولم تعمل به منذ ابْتُلِيَ المسلمون بحكمها الهمجيّ حتى قضى الله عليها بفضله وجوده، فحاربت الدّولةَ والدّعوةَ السّلفية إلى أن ظنّت ظنّ السّوء أنها قضت عليها؛ فهدمت الدّرعية، وقَتَلَتْ أو نَفَتْ مئات العلماء والأمراء، واحتفل السّلاطين وعلماؤهم وعامّتهم بقتل الإمام عبد الله بن سعود في الآستانة وقبله عبد الرحمان المضايفي رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جنّاته، وقُتِلَ عشرون من آل سعود في معركة الدّرعيّة.
2) الدّولة السّعودية الثانية بين 1235 وبين 1309 بقيادة الإمام تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود ثمّ ابنه الإمام فيصل بن تركي رحمهما الله وأسكنهما الفردوس من الجنة؛ فثبّت الله بهما العهد السّلفي الذي بدأه أجدادهما إلاّ أنّ حُكْم هذه الدّولة السّلفيّة لم يستردّ الحرمين وما حولهما من الأرض المباركة فعادت إليها أنصاب المزارات أوثان الجاهليّة بعد الإسلام، وكانت تسَمَّى قَبْلَه أصناماً وآلهة.
3) الدّولة السّعوديّة الثالثة من عام 1319 إلى هذا اليوم و إلى أن يحين قيام السّاعة بإذن الله، ولو كَرِهَ الحزبيّون والحركيّون الحاقدون المبتدعة. قادَ هذه الدّولة والدّعوة السّلفيّة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمان آل سعود فطهّر الله بها بيتة ومسجد نبيّه (وما حولهما من كلّ اتّجاه) من الشرك وما دونه من البدع التي أعادها إلى الأرض المباركة العهد العثماني القائم على الظّلم الدّيني والدّنيوي، وبهذه الدّولة المباركة بقيادة الملك عبد العزيز وأبنائه معه ومِنْ بعده أحلّ الله الأمن بعد الخوف والتّوحيد بعد الشرك والسّنّة بعد الابتداع أثابهم الله الفردوس من الجنّة، ولا تزال جزيرة العرب المشمولة بحكمهم خالية من الأنصاب والمزارات والأضرحة، ومن زوايا الصّوفيّة وبدعها، حاكمة بشرع الله في كُلِّ مسائل الاعتقاد والعبادات وجُلّ المعاملات ولم تنافِسْها في هذا المجد دولة مسلمة منذ ألف سنة.
د) ما تقدّم في (أ) و(ب) و(ج) مقدّمة طويلة لابدّ منها لهذا المقال القصير؛ فقد دلّني أولادي (استعملهم الله فيما يرضيه من الذّبّ عن دينه وأوليائه) على محاورة في إحدى القنوات الفضائية بين حزبيٍّ وبين الشيخ الدّكتور عبد العزيز الريّس المشرف على الموقع السّلفي: الإسلام العتيق اختارته القناة ممثلا لمن نَبَزَهم أحد سكارى الفكر الحركي بوصف (غلاة الطّاعة) بعد وصف سلفهم بالحشويّة والوهّابيّة والجاميّة وكان المعتزلة والأشاعرة ـ رغم ضلالهم ـ أقرب إلى العلم والشرع والعقل والخُلق؛ فلربما كان دافعهم: نفي مشابهة صفات الله لصفات خلقه فأزلهم الشيطان عن الفقه إلى الفكر (ومنه شعر النصارى). أمّا وصف الدّولة السّلفيّة بالوهّابيّة ووصف مؤيّديها السّلفيّين بالجاميّة وغلاة الطّاعة وبينهما المرجئة فلا أظن مفتريه مهما بلغ بهم الجهل يعتقدون أنهم صادقون في نبز السّلفيّين ودولتهم بأحد هذه الألقاب، ولعلّ دافع أوائلهم ما اعتادوه من التّعبّد بالبدع (وأشنعها وثنيّة الأنصاب والأضرحة) والخرافة، كما قال سلفهم من المشركين: {إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون}. ولعلّ دافع المحدثين منهم: خلخلة الأساس الشرعي السّلفي الذي قامت عليه دولة التّجديد والسّنّة (وتوحيد الأمة على إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه وعلى الالتزام بالدّليل كما فهمه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم) فإن الحزب الشيطاني الاخواني حَذَف إفراد الله بالعبادة ونفيها عن غيره من كلّ تعاليمه: واجبات البيعة(38) ومطالبه من الولاة (50) ومهلكاته (10) ومنجياته (10) وأركان البيعة (10) وواجباته العامة (10) وموبقاته (10) ووصاياه (10) رغم أن أوّل وصايا اليهود والنصارى اليوم منذ اتفقوا عليها: (لا تعبد إلاهاً غيري، لا تصنع تمثالاً فتسجد له، لا تقتل، لا تزن …إلخ)، ورغم أنّ تعاليم الحزب الضّال أوصت بتخفيف شرب الشّاي والقهوة وتوحيد الزّيّ وتنظيم المصايف وكأنها استقصت كلّ شيء. يقول الشيخ د. محمد سعيد رسلان شيخ الدّعوة السّلفيّة في مصر: (قال لهم الله: {إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم} فقالوا: (لا.. حتى يغيِّروا ما بحكّامهم)، وقال راعي الدّعوة السّلفية الأمير نايف رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنّة: كلّ الفتن التي حدثت في بلادنا أو في أيّ بلد مسلم آخَر فإنما حرّكها فكر الحزب الإخواني. وأشهد أنّ الله وفقه للتّصريح بما أسرّه كلّ سلفيّ حاكماً أو محكوماً، وكان الحزب الضال شرّاً على منهاج السّلف والمصطفين له، وعلى العلم و العمل الشرعي والدّعاة إليه المنبوزين بعلماء الحيض والنّفاس وبعلماء ودعاة السّلطان.
هـ ـ لن ألوم أحداً من الحركيّين الذين أيّدوا باطل الفكر والتّنابز بالألقاب فلم يدّع مدّعٍ منهم أو من غيرهم اتصافهم بشيء من العلم الشرعي، ولكني ألوم مقَدَّمَهم الذي تولى كِبْره منهم فقد تعلم في مدارس الدّولة السّلفيّة حتى حصل على حرف (د) سواء فهمه الأغلبية على اللفظ الأعجمي (دكتور) أو فهمه الأقلّيّة على اللفظ العربيّ (دَجَلٌ) فأطعمه الله بالدٌولة السٌلفية من جوع وآمنه من خوف وعلمه من جهل وهداه من ضلال، ثم يلتقط عدوى الحزبيٌة الشيطانيٌة فيجتاله الفكر عن الفقه، والمعصية عن الطاعة، بل الجهل عن العلم وكنت آمل أنّ له من الخلق ما يقاوم به عدوى الفكر والضلال، وإلا فإني لا أفاجأ بما تفعله الحزبيّة الشيطانيّة في عقول من يلتقطون عدواها وسَمْتِهم وخُلُقِهم عامّة منذ أن زار ثلاثة من جماعة التبليغ أحد كبار قادة الحزب الضال في إحدى الدّول المجاورة لاستمالته أو اتّقاء نقده للجماعة بأنّهم لا يسألون العلماء، فسأله أحدهم (تَحِلّة قسَم) عن ما يُسَنُّ للمضحي في العشر، ففوجئ ش.أ.د.عميد كلّية الشريعة بمثل هذا السّؤال الذي لم يُعِدَّ له الجواب فاضطرب، ورأى أحد زوّاره الفتح عليه فقال: (لا يأخذ من ظفره ولا شعره شيئا؟) فضحك ش.أ.د.العميد وقال: (الصّحيح لا يأخذ من ظفر الخروف ولا شعره شيئاً)، وهو معذور بأن كل فكره منصرف للسّياسة أو التّياسة التي افتروا على الدّين أنّها منه. ولكن نُسْخَتَنا من الفِكْرِ تُسِيء إلى العلم الشرعي وإلى الإسلام والمسلمين أكثر من مجرّد الخلط بين المضحّي المتطوّع والضّحية (الخروف):
1) إفترى على السّلفية والسّلفيّين بدعواه أنّ الانتساب إلى السّلف بدعة محدثة لم تُعْرف من قبل، وأنّه لا يدلّ على فضل لأن أبا جهل سلفيّ،
وقد زوّدني أولادي وفّقهم الله لرضاه بمقال للشيخ العلامة السّلفيّ الدّاعي إلى الله على بصيرة / بدر بن علي بن طامي العتيبي نشره على موقع الإسلام العتيق نقل فيه بضعة عشر نصّاً يثبت الإنتساب للسّلفية استلّها من كتابه (السّلفية منهج شرعي ومطلب وطنيّ) أَقْدمها: لأبي بكر بن حيّان في (أخبار القضاة) وكانت وفاته عام 306، (وقالوا: وكان إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة سلفيّاً صحيحاً).
وفي مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله: (لا عيب على من أظهر مذهب السّلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه) 4/149. وذكر الزّركلي في الأعلام عن محرز بن خلف البكري (ت 413): (وكان سلفيّاً سمع في أحد أسواق القاهرة رجلاً يسبّ السّلف فأمسك بطرف ثوبه وصاح أيّها النّاس، فتهاووا على الرجل حتى مات). وذكر الذّهبي في تذكرة الحفّاظ عن ابن الصّلاح: (وكان سلفيّاً حسن الاعتقاد). وعن يعقوب الفسوي في سير أعلام النبلاء: (ما علمته إلا سلفيّاً). وعن الدّارقطني في السِّير: (لم يدخل في علم الكلام ولا الجدال بل كان سلفيّاً). وعن محمد بن يحيى الزبيدي في السِّير: (وكان حنفيّاً سلفيّاً). وعن أبي هبيرة يحيى بن محمد الشيباني في السِّير: (كان سلفيّاً أثريّاً). وعن أحمد بن عيسى المقدسي في السِّير: (وكان ثقة ثبتاً ذكيّاً سلفيّاً). وعن أحمد بن هارون النقري الشاطبي في العِبَر: (كان زاهداً سلفيّاً). وعن موسى بن ابراهيم بن بشير في معجم شيوخه: (وكان متواضعاً سلفيّاً). و عن أبي الفضل القضاعي في معجم شيوخه: (وكان ديّناً خيّراً سلفيّاً). وعن يحيى بن إسحاق الشيباني في معجم شيوخه: (وكان متواضعاً سلفيّاً). و قال الصفدي في الوافي عن عبدالرحمان بن محمد الحنفي: (وكان سلفيّاً). وقال الذّهبي في السّير: (فالذي يحتاج إليه الحافظ أن يكون… سلفيّاً). وزوّدني أخي حسين الأثيوبي بعدد من هذه النّصوص، فلعلّ الله أن يجزيهم جميعا خير الجزاء وأجزل الأجر والثواب، وأن يزيدهم من فضله.
2) ولو صدّق بعض كلامه بعضاً فلربما أنكر الانتساب إلى الإيمان والنّسبة إلى الكفر مستدلاًّ بقوله تعالى: (يؤمنون بالجبت والطاغوت) وبحديث: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر…).
3) وافترى على مصطلح الحديث (وليس من أهله) فأطلق القول بأن الحديث الضعيف لا يتقوّى بحديث ضعيف (فهو صفر صفر صفر) وأنما يتقوّى بحديث صحيح، ولم يخطر بباله ـ والله أعلم ـ أنّه جاهل بالحديث وعلومه وأنّ عليه أن يسأل أهل العلم قبل الخوض فيه. وقبل ربع قرن كان المسكين عافانا الله مما ابتلاه الله به أعقل في مناقشة هذا الأمر مع من هو خير منه، إذ قال (لا أعلم أنّ الحديث الضعيف يتقوّى بمثله).
4) وافترى على الصحيحين فادّعى أنّ أثر أسامة رضي الله عنه: (لقد كلّمته [الأمير] فيما بيني وبينه دون أن أفتح أمراً لا أحبّ أن أكون أوّل من فتحه) فأنكر بإصرار وجود هذا الأثر في الصّحيحين وأعلّه بالانقطاع، ولو فُرِض جدلاً عدم صحّة الأثر ففي الباب أكثر من أثر بل حديث صحيح يمنع الغوغائيّين من الإنكار العلني على ولي الأمر (وهو السّبب الأوّل في النّبز بغلاة الطاعة). ومن أراد معرفة الحق فليقرأ كتاب (معاملة الحكّام في ضوء الكتاب والسّنّة) للعلاّمة السّلفي عبد السّلام بن برجس آل عبد الكريم حمه الله وأثابه. والحديث الوحيد الذي أقر بتخريجه في الصحيحين عن عبادة بن الصّامت لم يردعه عن غيّه ولعل كثيراً من (الناشطين لِفِعْلِ الشر يَشْرَقون بأكثره): (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السّمع والطّاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله [وفي رواية مسلم : في العسر واليسر، وعلى أثرة علينا] وأن نقول بالحقّ حيثما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم)، وأهل الفتنة يأخذون آخر الحديث بفهمهم القاصر ولا يردّونه إلى فهم السّلف كما بيّنه بالتحقيق والتفصيل العلامة عبد السّلام بن برجس في كتابه (معاملة الحكّام من صفحة 39 إلى 58) على الحديث: (مَنْ أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يُبْدِ له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيَخْلُوَ به، فإن قَبِلَ منه فذاك، وإلا كان قد أدّى الذي عليه له) صححه البرجس والألباني، وأورد عدداً من آثار سلف الأمة والتابعين لهم بإحسان من القرن الأول إلى الأخير. وعلماء السّلف يأخذون بكلّ الحديث ويضمّون إليه أثر أسامة رضي الله عنه الذي أنكره هذا المفتون، والحديث الذي سبق ذكره ضمن الأثر عن عياض ابن غنم رضي الله عنه؛ فيسمّيهم أهل الفتنة: (غلاة الطاعة). وهكذا يكتفي أهل الفتنة الناشطون للشّر، والحزبيّون والحركيّون بجزء من حديث على فهمهم القاصر ويُعْرضون عن بقيّة الأحاديث والآثار التي لا تؤيد باطلهم من أيّ وجه، وكأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، وما جزاء من يفعل ذلك منهم إلا خزي في الدّنيا، وهم في الآخرة تحت مشيئة الله إمّا يعذبهم أو يتوب عليهم، ولعلّ ظهور جهل كبارهم من خزيهم وفضيحتهم الدّنيوية هداهم الله وكفى الإسلام والمسلمين شرهم.
5) وافترى على إمام المحدّثين السّلفيّين بأنّه صحح أو حسّن أحاديث ضعيفة بغير حق معتمداً على فريته على ظنه المريض المُزْمن أن الحديث الضعيف لا يتقوّى إلا بحديث صحيح [أو حسن لذاته]. وما لجَهَلَة الحزبيّين وعلم الحديث وهم في الرواية والدّراية والعمل به من أبعد الناس عنه؟ ولم أر في حياتي إخوانياً يعتمد على الدّليل والفقه في الدّين من أهله مثل أو أقلّ من اعتماده على الفكر التّائه من أمثاله، غير عمر الأشقر رحمه الله وكنت آخذ عليه عدم تركيزه على إفراد الله بالعبادة ونفيها عمن سواه مثل تركيزه على ما سُمِّي (توحيد الأسماء والصفات) فما دونه، ولكني عجبت لإخوانيٍّ يهتمّ ولو بهذا القدر من الدّين الحقّ حتّى زارني قبل أيام سلفيّ من تشاد كان يَدْرس للدّكتوراه في الجامعة الأردنيّة وجُلُّ مدرّسيها من الحزبيّين فشهد لعمر الأشقر أنّه كان يحذّره من الوقوع في حبائل الإخوان والتبليغ الضّالة.
6) واتّهَمَ من ينتمون إلى السّلفية بأنهم مرجئة ابتدعوا الانتماء السّلفيّ. وما لجَهَلَة الفكريّين والاعتقاد، وقد تكفّل حزب الإخوان وأفراخه بتجهيل هذه الأمة في الاعتقاد ـ كما أشرت قبلُ ـ فما دونه، وهذا أحدهم (محمد بن المختار الشنقيطي) مهاجر من بلاد المسلمين إلى بلاد العلمانيّين يروي عن أمثاله ممن يصفهم (خيرة العقول المسلمة) وبعضهم نصارى أو زنادقة أو يهود أو ملاحدة (ومنهم: إقبال الذي يروي عنه مالك بن نبي، أنّ المطلوب ليس العلم بالله بل الاتصال بالله والانكشاف للحقيقة الخالدة تَجَلِّي الذات العلويّة . وفكر بلزاك. وظنّ عبد الله نصيف: أننا نحن المسلمون أشدّ أعداء الإسلام؛ لا نزال نحارب المعتزلة بينما يجب علينا التعامل مع الأفكار الطّريّة. والغنوشي الذي يصف بعض علوم الاعتقاد ـ الرّدّ على المعتزلة والفلاسفة والأشاعرة بخاصّة ـ بالزّيف ويحكم عليهم بالدّفن. وفكر فُلَر ضابط وكالة الاستخبارات الأمريكية. وبورغا الخبير الفرنسي في الحركات الإسلاميّة. والحكيم الإفريقي [القسّ] نِلْسُ مندلاّ. وأسخفهم عبد الله الحامد). فلماذا يهتمّ الفكريّون الحزبيّون بتهمة الإرجاء ممّا حكم عليه الغنوشي بالزّيف والدّفن؟ أهو استغلال باطل للتّهم الباطلة سلاحاً ضدّ السّلفيّين ودولتهم السّلفيّة، وهل بلغ بهم الضلال إلى العجز عن أن يكونوا كمن قال الله فيهم: {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين}؟ أشهد لله شهادة حقّ أنّ كلّ من اتّهم بالإرجاء من السّلفيين بريء منه، وإنما الأمر كما قال ابن تيمية رحمه الله عن اتّهام بعض السّلفيّين الأوائل في القرون الخيّرة بالتّهمة الباطلة نفسها وأنّ الأمر لا يتجاوز الخطأ اللفظي أو الاختلاف اللفظي، فلا يوجد سلفيّ يقول بقول المرجئة: إنّ الإيمان تصديق بالقلب وحده ولا تصديق بالقلب وقول باللسان وحده، وإنما اختلفت ألفاظ بعضهم في التّعبير عن إضافة العمل إلى التصديق والقول وهو ما يؤمن به كلّ سلفيّ. ولا يوجد سلفيّ يقول اليوم أبداً بقول المرجئة أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ولا يقول سلفيّ أبداً أنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة كما قال بعض المرجئة. وإنّما ساء الحزبيّين الجهلة أن السّلفيّين لا يكفّرون أهل القبلة (الحكّام بخاصّة) بمطلق المعاصي والكبائر، فاستغلّوا فهم بعض العلماء لما قاله أو كتبه الألباني والعنبري والحلبي والرّيّس مثلا. والعلماء أهل للاجتهاد مأجورون أجرين إن أصابوا وأجراً إن أخطأوا، وليس للفكريّين إلا الوزر إلا إن تجاوز الله عنهم، كفانا الله شرّهم. وهذا المفتون يجادل في: مَنْ هو وليّ الأمر، ولا يرضى أنّه هو خادم الحرمين ونوّابه في المناطق، فيستكثرهم على النصيحة الخاصّة وهو وحزبه لا ينكرون على الملايين دعاء أوثان الموتى في مصر والسّودان والشّام والمغرب وكلّ بلاد المسلمين عدا السّعوديّة التي استقلّ أمراؤها أكثر من قرنين بتطهيرها حتى اليوم من الأوثان والبدع، وبهذا نصرهم الله على هؤلاء الخوارج منذ تسلّلوا إلى بلاد ودولة التّوحيد والسّنّة، وقبلهم هزم الله العثمانيّين والخمينيّين والدّويش الجد والحفيد وغيرهم.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن الحصين 1434/04/23هـ.