البنكالي محمد يونس يضرب مثلاً
البنكالي محمد يونس يضرب مثلاً
بسم الله الرحمن الرحيم
فاز محمد يونس أستاذ في جامعة شيتاكونك – بنكلادش بجائزة نوبل للسّلام مناصفة مع مصرف أسّسه لإعانة المحتاجين على إعالة أنفسهم وسُمِّي (مصرف القرية).
وهذه الجائزة أهمّ جوائز نوبل وتبلغ قيمتها مليوناً وأربعمائة ألف دولار أمريكي، وقد أوصى نوبل بمنحها للمصلحين تكفيراً عن اكتشافه الدّيناميت واستعمال المفسدين هذا الاكتشاف للقتل والتّدمير.
وقد فاز محمد يونس ومصرفه بالجائزة رغم كثرة وقوّة منافسيه، وعلى رأسهم الرّئيس الفنلندي السّابق (أتاساري)، وعددهم (190).
وفاز قبل ذلك بعشرات الجوائز المحلّيّة والعالميّة ودرجات الدكتوراه الفخريّة وحفلات التّكريم.
لماذا؟ لأنه ابتكر نمطاً من الإغاثة غفلت عنه مؤسّسات وأفراد الإغاثة النّصرانيّة الغَرْبيّة ومَنْ قلّدها من أفراد ومؤسّساتٍ في بلاد المسلمين العَرَبيّة (السّعودية وبقية دول الخليج).
هذا النّمط الجديد الذي تميّز به محمد يونس لا يقوم على النّهج الذي ابتدعته الإرساليات التّبشيريّة الغربيّة وتأسَّتْ به جمعيات الإغاثة الخليجيّة (بخاصّة) من جمع الملايين من تبرّعات المحسنين وصرفها روتينيّاً وشكليّاً على المنتفعين وفي مقدمتهم العاملين فيها والتّابعين لمناهجها المبتدعة (طريقةً أو حزباً أو حركةً) بنتيجة منقطعة.
محمد يونس لا يقدّم دولاراً واحداً لسدّ حاجة حاضرة منقطعة بل يقدّم للفقير الرّاغب في العمل قرضاً بمعدّل مائة دولار يبدأ به عملاً لكسب قُوْته وقوت أهله (مثل الخياطة والتّطريز والحياكة وصنع السّلال والأواني الفخّاريّة ونحوها)، ويترك سد الحاجة المنقطعة للعطاء الفردي من الزّكاة والصّدقة.
وُلِد محمد يونس عام 1940م وكان ثالث أبناء أسرة تضم أربعة عشر طفلاً مات منهم خمسة بعد ولادتهم بزمن قصير، وتعلّم في بلاده حتى أنهى سنوات الدّراسة الجامعيّة، وحصل على درجة جامعيّة من الولايات المتحدة الأمريكيّة، وعمل في جامعة شيتاكونك.
وحين كان رئيساً لقسم الدّراسات الاقتصاديّة في هذه الجامعة عام 1974م قاد فريقاً من طلابه في رحلة ميدانيّة إلى ريف بنكلادش بعد أن مات الآلاف بسبب المجاعة فرأى من الفقر والجوع والمرض والجهل ما أقنعه بوجوب العمل على الإصلاح المستمر.
بدأ العمل بإقراض الفقير بضعة وعشرين دولاراً بشرط صرفها في شراء الأدوات والخامات الضروريّة لبدء الاحتراف ثم سداد القرض من ناتج العمل.
ورأى من نجاح المشروع ما شجّعه على تأسيس (مصرف القرية) للتّوسّع في عملية الإقراض عام 1983م.
وقد بلغ عدد المقترضين حتى نهاية العام الماضي نحو ستة ملايين وخمسمائة ألف مقترض، وبلغت نسبة سداد القروض 98%، ويمتلك المقترضون 94% من أسهم المصرف الذي أعانهم به الله على تجاوز خطّ الفقر، ويشاركون في اختيار أعضاء مجلس إدارته كلّ ثلاث سنوات، وتقدّر قيمته بأكثر من ستة آلاف مليون دولار.
ويحصل المقترضون المساهمون في المصرف على معاشات للتقاعد، مقابل دفعهم دولاراً شهرياً، ويحصلون على تأمين على الحياة بمجرد مساهمتهم في المصرف دون مقابل ماليّ يدفعونه للحصول على هذه الخدمة، ويحقّ لأبناء المقترضين الذين أنهوا دراسة المراحل التّعليميّة العامّة الاقتراض لاستكمال تعليمهم الجامعي بما يشمل رسوم الدّراسة والإعاشة ونحوها، وقد استفاد من هذه القروض أكثر من أحد عشر ألف طالب.
ويعمل (مصرف القرية) على مكافحة التّسوّل بما يسميه: (برنامج الأعضاء المكافحين)، وقد التحق به أكثر من ثمانين ألف متسوّل حصلوا على قروض بلغت أكثر من مليون دولار سُدِّد منها نحو 70%.
ويبدي محمد يونس (66 سنة) شعوراً بالفخر لاعتراف العالم بنجاحه في تحويل فكرته في الإصلاح إلى مؤسّسة عمليّة عام 1997م ضمن شبكة عالميّة تضم اثنين وخمسين شريكاً في اثنين وعشرين دولة تقدم العون – حتى الآن – لنحو أحد عشر مليون مقترض في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط والأمريكتين، وقد تبنى البنك الدّولي الفكرة بعد أن كان غير واثق من نجاحها([1]).
ومع إدراكي تميّز محمد يونس في هذه الجزئيّة الدّنيويّة من حياته الفكرية
العمليّة ودعائي له بأن يردّه الله إلى دينه الحقّ ردّاً جميلاً ويهديه لأقرب من هذا رشداً، فإني لا أغفل عن تفريطه في جنب الله هدانا الله وإياه؛ فهو مثل أكثر مؤسّسات الإغاثة وأفرادها يفصلون بين الإغاثة وبين الدين أو الدعوة على منهاج النبوّة قولاً أو عملاً أو هما معاً، أما النية فعلمها عند الله وحده.
أما محمد يونس فلا يدّعي أيّ صلةٍ بين مشروعه الإغاثي وبين الدّين الذي ورثه من أبويه كما يرث وطنه وجنسيته، ومصرفه يأخذ ويعطي بالرّبا صراحة، بل لا يدرك المطّلع على سيرته أي صلة بينه وبين الإسلام غير اسمه (هداه الله) كما علمت من قومه.
وأما أفراد الإغاثييّن العرب ومؤسّساتهم ومصارفهم فيركب الجميع – إلا من رحم الله – وصف الإسلاميّ والإسلاميّة ويدّعون نصر الإسلام بإغاثة المسلمين، ويتحايلون على الرّبا، ويخالفون شرع الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم في الدعوة؛ فلا يغيثون بأهمّ ما دعا إليه جميع رسل الله من إفراد الله بالعبادة والالتزام بالسنة والتحذير من الإشراك بالله في عبادته وما دون ذلك من البدع مع كثرتها إلاّ من رحم الله.
ولكنّنا في زمن غير بعيد من غربة الدّين؛ نفرح بمجرد اسم الإسلام ودعوى الإصلاح والتّعاون واجتماع كلمة المسلمين دون ضابط من شرع الله.
ولعل الله أن يهدي الجميع لما اخْتُلِف فيه من الحق بإذنه. (1428هـ).
([1]) استقيت هذه المعلومات من برنامج ستّين دقيقة (CBS) ومن بعض مثقفي بنكلادش، وجمع أكثرها فضيلة الشيخ عبد الحق التركماني في السّويد، وفقهم الله للحق والعدل.