نعمة الله بالرّعاة المجدّدين يكفر بها أكثر الرّعيّة
نعمة الله بالرّعاة المجدّدين يكفر بها أكثر الرّعيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
أ) لا أعرف بلداً ولا دولة أنعم الله بها وعليها بعد القرون الخيِّرة مثل أو قريباً من الدّولة والبلاد السّعوديّة؛ إذ جمع الله لها:
1- تجديد الدّين بالعودة به إلى أصله في كلّ قرن من القرون الثلاثة الأخيرة، والدّعوة إلى أوّل ما دعا إليه جميع الرّسل وهو إفراد الله تعالى بالعبادة والنّهي عن أوّل ما نهوا عنه ـ بأمر الله ـ وهو الشرك بالله في عبادته، وما دون ذلك من الأمر بالفرائض العمليّة والنّهي عن المحرّمات العمليّة، ثم مادونها من الأمر بالنّوافل والنّهي عن المكروهات.
2- هَدْم أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة التي لم تهدمها دول مسلمة منذ بناها الفاطميّون بين القرن الرّابع وبين القرن السّادس، وحَمَاها الأيّوبيّون والعثمانيّون ومن بينهم.
3- تأمين السُّبُل في كلّ أنحاء جزيرة العرب التي منّ الله عليها بحكمها، وكان النّاس ومنهم الحُجّاج يتخطّفُهُم قاطعوا الطّرُق، ويَفْرِض عليهم شيوخ القبائل ضرائب المرور في أراضيهم، ولا يكاد أحد أن يأمن على نفسه وماله ومتاعه خارج عامر قريته.
4- وكان الأمن والإيمان يوجدان بوجود الدّولة ويذهبان بذهابها؛ فإنّ حرب الدّولة العثمانيّة للدّعوة والدّولة السّعوديّة، وقَتْل أو نَفْي، أكثر أمرائها وعلمائها عام 1233هـ كان إيذاناً بعودة أوثان الأضرحة إلى أرض الحرمين وما حولهما، وإيذاناً بعودة السّلب والنّهب إلى كلّ مكان أمّنه الله بدولة التّجديد والتّوحيد والسّنة. ولمّا عادت الدّولة السّعوديّة إلى حدودها السّابقة عاد معها الإيمان بهدم أوثان المقامات والمزارات والمشاهد وتطهير الأرض المقدّسة من الشرك وما دونه من البدع، وعاد معها الأمن في كلّ مكان كما أمر الله: {وطهِّر بيتي للطّائفين والعاكفين والرّكّع السّجود}، وكما وعد النّبي صلى الله عليه وسلم: «…ولَيُتِمَّنَ الله تبارك وتعالى هذا الأمر حتى يسير الرّاكب ما بين صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله تعالى والذّئب على غنمه…»، واليوم بفضل الله يسير الرّاكب من حدود اليمن إلى حدود العراق ومن الخليج العربيّ إلى البحر الأحمر لا يخشى إلا الله ولا يرى وثناً ولا زاويّة صوفيّة ولا بدْعة من بدَع المساجد خارجها.
5- وبدأ هذا الفضل من الله ـ مقدّماته ونتائجه ـ بعقد شرعي بين الإمام محمد بن عبد الوهّاب والإمام محمد ابن سعود عام 1157هـ مبنيّ على قول الله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
ب) وصدق الله وعده وهو سبحانه وتعالى لا يُخْلِفه أبداً؛ فبعد أن مكَّن الله للبلاد والدّولة والأمّة السّعوديّة الدّين الذي ارتضاه لخلقه نقيّاً من الشرك وما دونه من البدع، وما سُمِّيَ بعلم الكلام (وهو أقرب إلى الفلسفة والفكر منه للدّين والفقه فيه)؛ بعد هذه النّعمة العظمى التي لا تَعْدِلُها نعمة، أعطاهم الله من نِعَم الدّنيا خيرها: الأمن كما أشرت من قَبْل، ولأنّ الله يعلم من عباده التّطلع إلى المال والمتاع كما قال الله تعالى: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون * ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتّكئون * وزخرفاً}، جعل لهم ممّا تحت الصحراء القاحلة ما يقدّر برُبْع احتياطي العالم من النّفط، وكانت صحراء جزيرة العرب موحشة لا يكاد يُرى فيها نبات ولا طير ولا بشر، ولذلك لم تحاول قوّة دوليّة احتلالها مثل جيرانها: مصر والعراق والأردن وبقيّة بلاد الشام والخليج وكلّ بلاد العرب والمسلمين (عدا السّعوديّة)، وكان الكاز (للإضاءة) يستورد من البحرين، وكان أقصى مطمح للتّاجر السّعودي أن يصل إلى فلسطين أو سوريا أو العراق أو مصر أو الهند الغَنِيَّة للتّجارة، وأَدْرَكْتُ النّاس وهم غير بعيدين من خطر الجوع، يعيش العَدَد منهم في الغرفة الواحدة ليس لها منفذ للهواء والشمس غير فتحة صغيرة في السّقف الطّيني تغطّى في الشتاء بصحْن الأكل أو بغطاء القِدْر، ثم يعود الصّحن أو الغطاء للمطبخ وليس فيه من أدوات الطبخ غير ثلاثة أحجار يوضع عليها القِدْر أثناء الطبخ على نار الحطب أو روث البهائم وثلاثة أحجار للمقرصة لصنع خبز المرقوق (في لفظ اللبنانيّين)، وتنّورٌ لبقيّة أنواع الخبز، وحصير في إحدى الزّوايا يوضع عليه القدر والصحن والسّكين والهاوُنْ ومفرقة خشبية.
ولا وجود للكرسيّ ولا السّرير، ولا خزانة الملابس التي يقوم مقامها خشبة معلّقة في السّقف من طرفيها تُرْمى عليها الملابس القليلة. ووفق الله الدّولة للإذن لُمحْسِنٍ أمريكي (crane) بالتّنقيب عن الماء كما فعل في الحبشة واليمن، فأوصاه الجيولوجي الذي قام بالتّنقيب بأمره: (twitchell ـ تويتشل) بالتّنقيب عن النّفط رغم يأس الإنكليز من وجوده.
ثم وفّق الله الدّولة للإذن للشركات الأمريكيّة بالتّنقيب عن النّفط رغم معارضة بعض قادة الإخوان وبعض العلماء فَوُقِّعَت الإتّفاقيّة في عام 1352 بعد أربع سنوات من بدء الأزمة الماليّة العالميّة. وبعد التّنقيب خمس سنوات وحفر سبعة آبار بلا نتيجة تُذْكر، وفّقهم الله إلى قرار تعميق البئر السّابع أكثر من 1500 متر فتفجّرت الأرض بالنّفط وكان حقل الغوّار أغزر حقل نفطيّ في العالم والسّفانيّة أغزر حقل تحت مياه البحر؛ لشركة النّفط 49% وللدّولة المباركة 51% ممّا ذكرني باتّفاق النبيّ صلى الله عليه وسلم مع محاربي اليهود بعد هزيمتهم بأن يزرعوا خيبر ولهم نصف ما يخرج منها [متّفق عليه]. وقبل ربع قرن اشترت الدّولة نصيب شركات النّفط بدلاً من التّأميم الإشتراكي وأكل أموال النّاس بالباطل ونقض العقود المخالف لشرع الله، فتملّكت الدّولةُ شركةَ أرامكو 100% بالطريق الشرعي بلا صخب، فلم يَعْرِف أكثر العالم عن ذلك إلا بعد نصف سنة في إجابة مدير شركة أرامكو السّعوديّة لسؤال صحفي.
ج) وبفضل الله وتوفيقه للرّعاة أغنى الله السّعوديّين وجمع لهم خير الدّين والدّنيا وهو مالم يجمعه لغيرهم منذ عشرة قرون. وتداعى الناس من قارّتي آسيا وأفريقيا على القصعة السّعوديّة عرباً وعجماً بما يقدّر بثلث عدد السّكان في المملكة المباركة وقليل منهم من يهتمّ بالدّين الذي ميّزها الله به، مثلهم كمثل كثير من السّعوديّين الذين يكفرون بنعمة الله عليهم بالدّولة وبالدّين وبالدّنيا، وقد أعْذُرُ السّعوديّين من أصل معرّب أو أعجميّ لأنهم ورثوا الإبتداع من أسلافهم فلا يميّزون الحقّ من الباطل ولا التّوحيد من الشرك ولا السّنة من البدعة فإذا كفروا بنعمة الله بالدّين على جهل فلا عجب إن كفروا بنعمة الله بالدّنيا ولو على علم.
ولا شك أنّ وسوسة شياطين الجنّ الإنس و تسويل الأنفس الأمّارة بالسّوء وراء هذا الكفر بنوعيه مما يعمي أكثريّة المواطنين والوافدين وبقيّة العرب والمسلمين عن الحقائق الدّينيّة والدّنيويّة التي ميّز الله بها أئمة وملوك هذه الدّولة المباركة ورعيّتهم والعرب والمسلمين عامّة بفضل الله على الرّعاة وبفضله بهم على الجميع، ويُصِمّ آذانهم عن سماع هذه الحقائق فينسيهم شكر الله على نعمه.
د) ولا أعجب إن اقتصر هذا الفساد والكفر بالنّعمة على الشباب الأهوج برعونته وطيشه وغفلته عن ذكر ربّه فضلاً عن حقّ أمّته، لأنّه لم يمرّ عليه ما مرّ على أسلافه من خوف وجوع وجهل، ولكنّي أعجب ممن تجاوز الشّباب والكهولة وعرف حلو الحياة ومُرّها كيف يغلبه الشباب بإشاعاتهم وترّهاتهم التي التقطوها من الإنترنيت والفضائيات المعادية للحقّ والصّدق وأهله: في اتصال هاتفي مع أحد شِيْبِنَا ذكر لي في العام الماضي أن قيمة الرّيال السّعودي ستُخَفّض، فلم أجادله ليقيني بأنها إشاعة كاذبة من الفقيه أو المسعري الّذَيْنِ هاجرا من أرض الحرمين إلى أرض النّصارى والعلمانيّين ينشرها الشباب الكسول الذي لا مطمح له إلى خير عامّ دينيّ أو دنيويّ، وأنّ الزّمن سيُكَذِّبُها بمشيئة الله كما كذّبها مراراً من قبل.
وبعد شهرين أو ثلاثة اتصلت به وذكرته بما قال نقلا عن الطابور الخامس (في لفظ الصّحافة) فلم يسْتَفِدْ من التّجربة بل ادّعى أنّ الرّيال اليوم لا يساوي شيئاً، ولم ينتبه للفرق بين التخفيض المتعمّد وبين انخفاض قيمة الرّيال لأيّ سبب آخر، وهو مالم يحدث.
واتصلت بأخي في رحلته إلى أوروبّا وأمريكا فوكد لي أنّ كل ما يباع في السّعوديّة بريال يباع في انكلترا بجنيه وفي أوروبا بيورو، وفي أمريكا بدولار. ولاتزال ربطة الخبز المفرود (4) بريال وصامولي (8) بريال، ولا تزال علبة الصلصة بريال، وعلبة الملح بريال، والبسكوت النخالة (10) بريال، واللبن الرّائب بريال منذ 25 سنة، وكان كيلووات الكهرباء قبل 40 سنة بخمسين هللة واليوم بخمس، وكان المطبق قبل ستّين سنة بريال ونصف فضة واليوم بثلاثة ورق، ولم يزد سعر الحليب واللبن عن سبعة ريالات والعصير بثمانية منذ 25 سنة .ولم يزد سعر شراب الكحة الأوروبي وفيتامين سي عن 11 ريالا منذ 25 سنة. وكان سعر الدّولار 4.5 ريال والآن 3.75، والإسترليني والمصري والعراقي والأردني والسّوداني 12.5 والآن الإسترليني 6 ريالات والمصري قبل الثورة العاصية بريال إلا ربع وبعدها بنصف ريال والأردني بخمسة وثلث، وكانت الليرة اللبنانيّة بريالين إلا ربع،
فصار الرّيال 400 ليرة لبنانيّة، وفي العراق ـ بأنهار الماء وأنهار النّفط ـ صارت عملتها توزن ولا تعدّ لدرجة انحطاطها ومثلها تركيا لولا محو (6) أصفار، وتوجد هنا متاجر كثيرة تعرض مئات الأشياء بريال وريالين، ولتر البنزين بنصف ريال والمتر مكعب من ماء الشرب 10 هللات وأكثر مدن المملكة بلا عدّادات أو عدّادات لا تُقْرأ.
ربّنا لا تؤاخذنا بما فعل السّفهاء منا ولا بما قالوا كفراً بنعمك، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتّبعي سنته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى.
1434/5/5هـ.