الإمارات العربيّة المتّحدة تضرب مثلاً

الإمارات العربيّة المتّحدة تضرب مثلاً

بسم الله الرحمن الرحيم

أ ـ دولة الإمارات العربيّة المتّحدة من أصغر دول العالم مساحة وأقلّها سكّاناً، ومن أكثر دول العالم بعد الدّول الصّناعية الغنيّة ارتفاعاً في مستوى دخل الفرد (فضلاً من الله تعالى وحده). وميّزها الله تعالى على جميع الدّول المنتجة للنّفط في منظّمة (اُبِكْ) فضربَتْ مثلاً للتّخلّص من الإعتماد على النّفط في دخلها (دبي بخاصّة) بتشجيع الصّناعة الإستهلاكيّة الخفيفة وتجارة الترانزيت. ومنذ زُرْتُها أوّل مرّة قبل (40) سنة لاحظت أنّها تميّزتْ على الدّول المنتجة للنّفط بزيادة ثمنه للمستهلك المحلّي تدريباً للنّاس على القصد (الإقتصاد) في الفقر والغنى الذي أحبه النّبي صلى الله عليه وسلم لنفسه وأهله وأمّته، وتخفيفاً من الإسراف الذي بيّن الله في كتابه أنّه لا يحبّ المتّصفين به. وأكثر مواطني الخليج بفضل الله من خير العرب والمسلمين خُلُقاً و سَمْتاً وطاعة لله ولرسوله ولولاة أمورهم. وبُعْداً عن وثنيّة المقامات والمزارات والمشاهد والأنصاب.

ب ـ وأبرز ما تميّزت به دولة الإمارات العربيّة المتّحدة اليوم: وَعْيُها وبصيرتها وإدراكها الخطر على الإسلام والمسلمين المتمثّل في حزب الإخوان المسلمين وتسلّل أفراده وأفكاره المبتدعة الضّالّة المضلّة إلى المساجد والمدارس والإعلام ومؤسّسات دول العرب والمسلمين وعقول مواطنيها  وأخيراً إلى رئاسة مصر بفارق ضئيل من أصوات المخدوعين من السّلفيّين ظنّاً منهم أنّ الحزب هو أهون الشرّ، والحقيقة أنه أثقله لأن الإخوان منذ أن ابتلى الله الأمّة بهم يَخْتِلُون النّاس باسم الدّين وهم يجهلونه ويخالفونه ويطلبون به الدّنيا منذ (85 سنة)، ولعلّ الله بإرادته الكونيّة قد أذن بتحقيق شيء من طلبهم ليرى المسلمون حقيقتهم فيعتبروا ويَرْشُدوا ويُدْرِكُوا أنّ مَنْ يخدع النّاس باسم الدّين على غير حقيقته أشدّ خطراً ممن يعترف بأنّ هدفه الإصلاح الدّنيوي ويترك أمر الدّين لمن أهّلهم الله علماً وعملاً ودعوة وغاية، فأكثر المسلمين جهلة بحقيقة الدّين ورأس مالهم العاطفة التي لا تُفَرِّق بين الغثّ والسّمين ولا بين الشحم والورم، هداهم الله، وقد قال الله فيمن سبقهم {إن يتّبعون إلا الظّنّ وما تهوى الأنفس}.

ج ـ دين الله الحقّ الذي أرسل به الله تعالى كلّ رسله، وعمل الإخوان المسلمون على تجنّبه منذ حسن البنّا وسيّد قطب تجاوز الله عنهما: (إفراد الله بالعبادة ونفيها عمّا سواه) كما قال الله تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطّاغوت}، {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ نوحي إليه أنّه لا إلاه إلاّ أنا فاعبدون}، {وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلاهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عمّا يشركون}، وكان أول الرسل إلى المشركين نوح صلى الله عليه وسلّم إذ كانوا يعبدون أوثاناً يدعونها من دون الله سَمَّوْها: وُدّاً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً كما في الآية 23 من سورة نوح وذكر البخاري في صحيحه وابن جرير في تفسيره أنّ ابن عبّاس رضي الله عنهم جميعاً قال عن هذه المعبودات أنّها أسماء رجالٍ صالحين فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن ابنوا إلى مجالسهم أنصاباً، ثم عُبدت. ويسمّيها المنتمون للإسلام في مصر والعراق والشام وغيرها: مقامات ومشاهد ومزارات، وقد وُلِد البنّا وعاش ومات بينها، وكان يتعاهد بعضها بالزيارة(الحصافي في دمنهور والدّسوقي في دسوق وسيّد سنجر في عزبة النّوام) كما ذَكَر في (مذكرات الدعوة والداعية) ط.الزهراء للإعلام العربي ـ 14 شارع الطيران ـ مصر ص32-34. وقد يكون هذا هو السبب في تجنّبه الأمر بإفراد العبادة لله وحده والنهي عن صرف شيء منها (الدّعاء بخاصّة) لغير الله في كلّ تعاليمه:

1) واجبات البيعة وعددها (38) ولا ذكر للتوحيد ولا للشرك فيها.

2) أركان البيعة وعددها (10)، ولا ذكر للشرك ولا التوحيد فيها، مع أنّه ذكر من الواجبات تخفيف شرب الشاي والقهوة ونحوها.

3) المطالب من ولاة أمور المسلمين وعددها (50) ومنها: توحيد الزّيّ وتنظيم المصايف، ولا ذكر للتوحيد ولا للشرك في أيّ منها.

4) المنجيات، وعددها (10)، ولا ذكر للتوحيد ولا للشرك فيها.

5) المهلكات، وعددها (10)، ولا ذكر للتوحيد ولا للشرك فيها.

6) الموبقات، وعددها (10) وحَذَفَ منها أوّل الموبقات السّبع في الصحيحين  وهو الشرك بالله، بل لم يُبْقِ منها غير الرّيا.

7) الوصايا، وعددها (10)، وحَذَفَ منها الأولى: لا تعبد إلاهاً غيري، والثانية: لا تَصْنَعْ تمثالاً فتسجد له في وصايا اليهود والنّصارى التي اخذ منها العدد. (المذكرات 295 إلى 302. ورسائل حسن البنّا 212-220).

ومن يُصِرّ على حذف أوّل وأعظم فرائض الإسلام من جلّ تعاليمه هل يصحّ دينه أو دعوته؟ وهل يرجى منه خير لنفسه أو لغيره؟.

د ـ وإذا تبيّن مما قدمت ضَعْفُ أو فَقْدُ ولائهم لشرع الله تعالى فمن المستحيل أن يكون ولاؤهم لبلادهم المسلمة أو لأولياء أمورها أو لأفراد الأمّة من غير حزبهم، وقد علّمهم مرشدهم حسن البنّا وأستاذهم سيّد قطب ألاّ خير في غيرهم:

1) يقول حسن البنا تجاوز الله عنه عن الدعوات الأخرى المختلفة: (نزنها بميزان دعوتنا فما وافقها فمرحباً به، وما خالفها فنحن براء منه) رسائل حسن البنا ص17، مخالفاً قول الله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}.

2) ويقول مخاطبا أفراد حزبه: (فدعوتكم أحقّ أن يأتيها النّاس، ولا تأتي هي أحداً وتستغني عن غيرها  إذ هي جماع كلّ خير وما عداها لا يسلم من النّقص) مذكرات الدعوة والدّاعية ص308. وممّا عداها دعوة الرّسل جميعاً إلى إفراد الله بالدّعاء والعبادة والنهي عن شرك الدعاء والعبادة أوّلاً.

3) ويقول في الرّكن الأوّل من أركان البيعة: (أن توقن بأنّ فكرتنا إسلاميّة صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه… وأن تتخلّص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها) مجموع رسائل حسن البنا ص356-363.

قلت: وإذا بايع الحزبيّ الإخوانيّ من أيّ بلد ممثّل حزبه على هذا الرّكن الأوّل وما بعده فلمن سيكون ولاؤه: لله ولكتابه ورسوله وعامّة المؤمنين و ولاة أمورهم أو لفكر الحزب الأسمى والأجمع والأعلى؟.

4) ويقول رحمه الله عن الطاعة وهي ركن من أركان البيعة: (نظام الدّعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحيّة الرّوحيّة [أي الدّينيّة]، وعسكري بحت من الناحية العمليّة، وشعارهما دائما، أمر وطاعة من غير تردّد، ولا مراجعة، ولا شك، ولا حرج) الرّسائل ص362.

قلت: ولو خالف أمر الحزب (كما هو معروف عنه) منهاج السّنّة، وأمر ولاة الأمر منّا؟.

5) ويقول تجاوز الله عنه عن أصوله العشرين: (إذا علم الأخ المسلم دينه في هذه الأصول، فقد عرف معنى هتافه دائما: القرآن دستورنا والرسول قدوتنا) الرّسائل، ص359.

قلت: ليته قال مثل شيخ الدّروز بهجت غيث في مجلّتهم الضّحى: (دستورنا كتاب الله و سنّة رسوله نحلّ ما أحلاّ ونحرّم ما حرّما) ولم يقيّدها بأصوله المبتدعة فأعاننا بالتعميم على إحسان الظن به.

6) وقال عن الثّقة وهي ركن من أركان البيعة: (إطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئناناً عميقاً {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم  ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} الرّسائل ص364.

قلت: هذا للمعصوم من الخطأ لا لمبتدع، بل ولا متّبع.

7) ويقول سيّد قطب تجاوز الله عنه بعد أن أعلن ارتداد المسلمين عن الإسلام ورجوعهم إلى الجاهليّة ولو ردّدوا (لا إلاه إلا الله) على المآذن في مشارق الأرض ومغاربها، ولو وحّدوا الله وقدّموا الشعائر لله وحده، (أنظر: في ظلال القرآن ص1057، وص1492، و2009، ومعالم في الطّريق ص 101ـ 103، والعدالة الإجتماعيّة ص216، ط.دار الشروق: (أنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كلّ أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيديّاً وشعوريّاً ومنهج حياة عن أهل الجاهليّة من قومها حتى يأذن الله لها بقيام دار إسلام تعتصم بها وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة، وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهليّة وأهل جاهليّة) في ظلال القرآن ص 2122.

8) وأقدّم للقارئ مثلاً من الخليج يبيّن إلى أيّ درجة أو دركة بلغها المخدوعون من الخليجيّين ـ فضلا عن غيرهم ـ بتوصيات البنّا وسيّد قطب تجاوز الله عنهم جميعاً وكيف يقدّمونها على صالح بلادهم وأهلهم بل ودينهم: أثناء احتلال حزب البعث العراقي الإشتراكي دولة الكويت كتب عضو سعودي(صالح بن عبد الرحمن الحصين رحمه الله) في مؤسّسة للإغاثة اغتصبها حزب الإخوان، كتب مقارنة بين استنكار العرب جميعاً نكبة فلسطين ونكبة الجزائر ونحوهما وبين تأييد أكثر العرب نكبة الكويت  بأسلوب هادئ ليّن لا ينتقد فيه فرداً ولا حزباً ولا فِرْقَة ولا جماعة. وفوجئ بمحاربة (عبد الله المطوع رحمه الله) من أعضاء الجمعيّة هذه النّصيحة لأنه يُعَدّ من كبار أعضاء حزب الإخوان في الكويت، والحزب ممن تولى كِبْره في تأييد العدوان والمعتدين، وكان هذا الحزبي المتعصّب فقيراً فأغناه الله بالكويت، وكان جاهلاً فعلّمه الله بها، وكان نكرة فأعطته الكويت الوجاهة بفضل الله. وكنا نسمع من شباب الحزب المبتدع في الكويت من يرفض الإشتراك في مقاومة المعتدي ـ وجهاد الدّفع عن المسلمين وبلادهم وأموالهم وأعراضهم فرض على القادر عليه ـ بحجة أنّهم مشغولون بمقاومة التحالف الدّولي لإنقاذ الكويت والخليج. وإذا اتبع المسلم فكر الضلال فلا عجب من ضلال عمله. والأغلبية مخدوعون بدعاية الحزب دون مقارنتها بعمله، كما سمعت من بعض أساتذة جامعة الإمارات(د.الكتبي): (لا حيلة لك في حزب يناقض قوله عمله) {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.

1434/6/5هـ.