عذراً، فإنّ حُمُرَ الحركيّة تشابَهَتْ عليّ

عذراً، فإنّ حُمُرَ الحركيّة تشابَهَتْ عليّ

بسم الله الرحمن الرحيم

اقتبسْتُ العنوان من يونس بحري عندما كان يذيع للنّازيّين في القسم العربي من إذاعة برلين وأخطأ في ذكر أسماء بعض السّياسيّين الإنكليز ووظائفهم فقال: (عذراً فإنّ البقر تشابه علينا)، وتجنّبْتُ استعمال بعض آية كريمة في غير ما أنزلها الله فيه، وأكرَمْتُ البقر عن مشابهة الحركيّة غير المباركة التي أضلّها الشيطان عن منهاج النّبوّة فركبها في كلّ فتنة تواجه الدّين والمسلمين (ولاة أمرهم بخاصّة) منذ خروج الغلاة على عثمان رضي الله عنه وأرضاه بدعوى الاستئثار بالمال والوظائف لصالح الأقربين. وفي البقر خير كثير (لَحْمُهُ ولَبَنُهُ وجِلْدُه وجَلَدُه)، وقد يكون هذا ممّا سهّل على الشيطان إقناع كثير من البشر بعبادته (يهود السّامريّ والهندوس بخاصّة)، كما سَهُلَ عليه إقناع آخرين بعبادة الشمس والنار بحجّة منافعهما.

وقد (حَمِيَتْ رضفة) معالي الشيخ عبد المحسن العبّاد البدر محدِّث المدينة وعالمها اليوم منذ انتقل الشيخ ابن باز رحمه الله من رئاسة الجامعة الاسلاميّة بالمدينة إلى الافتاء بالرّياض وخَلَفَه الشيخ عبد المحسن في رئاستها وفي العلم والعمل، ولكن ظهرت عليه آثار ما سمّيْتُه بعدوى الحركيّة الزِّلْفيّة ففرّ من زحف الاصلاح وترك الجامعة للحزبيّين والحركيّين. ولا أنسى ما تفضّل الله به على الشيخ عبد المحسن من إيثاره الشيخ ابن باز على نفسه، فلم يرض بالسّكن في بيت رئيس الجامعة ليتمكّن الشيخ ابن باز من السّكن فيه إذا زار المدينة عوّضه الله ببيت في الجنّة، ولمّا عُيِّنَ أحد المعدودين في قيادات الحزب الإخواني المبتدع آثر نفسه به من أوّل يوم وتحوّلت الجامعة إلى وكرٍ إخواني لم تتخلّص من آثاره إلى يومنا هذا.

(حَمِيَت رضفة الشيخ) كما يقول المثل العامّي العربي لأنّني خلطت بين العواجي والرّفاعي ممّا ذكّرني بقول يونس بحري، وقد يكون الشيخ عبد المحسن أقوى ذاكرة مع أننا ولدنا في سنة واحدة غالباً ولكنّي أرجو اللّه ألاّ ينسيني ذكره وشكره وحسن عبادته إن نسيت بفضله أسماء الحركيّين جميعاً.

ولكن معالي الشيخ ينسى هو أيضاً، فلم يذكر انتقاداته لوليّ الأمر نصر الله به دينه التي ذكّره فيها بعدد سنيّ عُمْره وربّما زادها سنةً أو سنتين ونشرها على الانترنيت (حوش الذّهِيْب) أو (الحراج حيث المزيدات بالباطل أكثر من الحقّ)، ولا أشكّ أنّ الشيخ يوافقني (ولو على مضض) بأنّ هذا مخالف للشرع والعقل، وللحكمة لو كانت غير الشرع. أمّا غازي القصيبي رحمه الله فقد رددت عليه أكثر ممّا ردّ عليه الشيخ عبد المحسن كما بيّنت ذلك في مقالي المنشور في موقع باسمي على الانترنيت بعنوان: (أنا وغازي القصيبي) رحمه الله، و لكنّي لم أستق الرّدّ عليه من فرية الخوارج سلمان وبطانته الحركيّة الفكريّة بعنوان (التّغريب) المبهم (أو العلمانيّة)، عندما وقف وقفته الشّجاعة النّادرة في وجه احتلال البعث العراقي الملحد للكويت، والدّفاع عن شرعيّة الاستعانة بعد الله بالجيوش الدّوليّة (ومنها بعض الدّول المسلمة: مصر وسوريا والباكستان، فضلاً عن دول مجلس التّعاون الخليجي).

ولعلّ قارئ مقالي الأخير (دلاء ابن عقيل) على الشيخ عبد المحسن لم يقرأ عليه أنّي أثنيت على ابن باز والعثيمين والفوزان لإصلاحهم الدّيني، وأثْنَيْتُ على الخويطر والقصيبي وعمر قاضي لإصلاحهم الدّنيويّ، وذكَرْت مِنْ قَبْل ومِنْ بَعْد أنَّ القصيبي رحمه الله عمل لدولة التّوحيد والسّنّة ما لم يعمل غيره مثله في وزارة الصّحّة ووزارة الصّناعة والكهرباء، وتقرّبت إلى الله بتذكيره بذلك قبيل وفاته لعلّه يغلّب الرّجاء على الخوف و يحسن الظّنّ بربّه، أثابه الله.

ولكنّي رددت عليه مرّات (لم أر للشيخ مثلها) في إنكار شعره ونثره في الثناء على المفجّرين والمفجّرات (الفجّار) الذين يقتلون أنفسهم ويقتلون غيرهم من المسلمين وغير المسلمين بغير حقّ.

أمّا ما يتعلّق بعمل النّساء، فليس أكبر همّي فقد اختار الله لي فاخترت لنفسي بمشيئة الله وإرادته و شرعه أن يكون أكبر همّي أعظم أمور الدّين وعلى رأسها: الأمر بإفراد الله بالعبادة ونفيها عمّن سواه، أمّا نقص حجاب المرأة وما يتعلّق به فأعُدُّهُ من الصّغائر بالنّسبة للشرك وسائر البدع، وكلُّ منتمٍ للدّعوة إلى الله مهتمّ به؛ ومنهم الشيعة والصّوفيّة والقبوريّة وعامّة المبتدعة والحركيّون من أهل السّنّة أو السّلفيّة، (في الزّلفي والطّائف بخاصّة)، والمنتمون إلى الأحزاب المبتدعة. أمّا إيراد الإبل فأحمد الله الذي أغناني عن العلم به بما سخّر الله غير المسلمين لصُنْعه من أدوات النّقل الآليّة، وأحمد الله الذي أغناني بالدّليل من كتاب الله وسنّة رسوله بفهم الصّحابة والذين اتّبعوهم بإحسان عن الاستدلال بالأمثال والشعر، فكلٌّ من المتجادِلَيْن يظنّ أنّ الآخر لا يعرف كيف تورد الإبل وأنّ الآخر هو الذي يعيب القول الصّحيح وآفته من الفهم السّقيم، ومع أنّي قد أُصَاب بالعدوى أحياناً فأسوق مثلاً أو قولاً أو بيتاً من الشِّعر مع إدراكي لحقيقة أنّ السّلفيّ بما ميّزه الله وأغناه به من نصوص الوحي والفقه فيها من أهل الفقه في القرون الخيّرة أهل لئلاّ يرجع إلاّ إليها ولا يليق به أن ينزل إلى مستوى الفكر والظّنّ وأهلهما.

أمّا ادّعاء العلاّمة أبي عبد الرّ حمان بن عقيل بأنّي أوردت الإبل فلا ينسيني الحديث (أو الأثر): «كلّ ابن آدم خطّاء» كيف وقد تشجّعت به على الاستدراك على ابن باز والألباني رحمهما الله وأسكنهما الفردوس من الجنّة عدد أصابع يديّ، مع أنّي أعدّهما مجدّدا القرن الماضي والأخير بردّهما الأمّة إلى الدّليل اليقيني فأتقرّب إلى الله بالدّعاء لهما كلّ ليلة مع الإمام ابن حنبل وابن تيمية وابن القيّم وابن عبد الوهّاب والمجدّدين من آل سعود في مراحل حكمهم الثلاث، حفظ الله حكمهم قدوة إلى يوم الدّين. بل تشجّعت بقول الله تعالى عن كتابه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} فإن أصبت فالحمد لله (وقد تأتي من البندق العَوْجا رَمْيَة)، وإن أخطأت استفدت من ردّهم خطئي. وقد تفضّل ابن باز فقبل استدراكي في بدعيّة الهزّ عند التلاوة، ولعلّي ساهمت في تفهّمه لحقيقة جماعة التّبليغ وتقريره أنّهم لا بصيرة لهم في العقيدة الصّحيحة، فلا يجوز الخروج معهم إلا لطالب علم متمكّن من معرفة العقيدة الصّحيحة ليصلحهم (ج8 ص331).

وليس من عادتي الشفع في الرّدّ حتى لا يتحوّل إلى انتصار للنّفس، والله تعالى وتر يحبّ الوتر. ولكنّي منذ عرفت الشيخ عبد المحسن أحببت محاورته لأزداد من طيب حديثه و دماثة خلقه وأهمّ من ذلك تهييجه للمثابرة على ما ميّزه الله به من العلم والعمل الشرعي اليقيني من الكتاب والسّنّة بفهم الصّحابة ومن اتّبعهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم. أمّا غالب ظنّ الشيخ أنّ رسالتي بأنّ النّصيحة لولي الأمر أنّما تكون بينه وبينه كما في حديث أسامة رضي الله عنه (كُتِبَتْ انتصاراً لغازي؛ فإنّه لم يتجاوز حدود الظّنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً، فلم أعلم بما كَتَب عن غازي القصيبي إلا هذا اليوم، والله شهيد على ما أقول، ولم يَطْلُب منّي غازي رحمه الله الانتصار له، وليس بعاجز عن الانتصار لنفسه فالكتابة مهنته الأولى الدّنيويّة، وذكرت عنه خيراَ كثيراً في دينه.

ولكنّه أحسن إلى الأمّة بشجاعته وإدارته ودفاعه عنها يوم سكت الأكثرون أو قالوا ظلماً وزوراً وإفكاً وظنّاً، وقد أمرهم الله أن يكافئوا من صنع إليهم معروفاً.

وأكثر ما قيل عنه إلزام بما لا يلزم أو حكم على القلب بقصد التّغريب أو العلمانيّة وحديث أسامة رضي الله عنه في الصّحيحين: «هلّا شققت عن قلبه». كافٍ في ردع من يهتدي بوحي الله، والله الموفّق.

سعد الحصيّن- 1434/8/9هـ.