سلطنة عُمَان تضربُ مثلاً
سلطنة عُمَان تضربُ مثلاً
بسم الله الرحمن الرحيم
كتبتُ من قبل بعنوان: (آيرلندا تَضْرِبُ مثلاً) لدولة ترتفع من أسفل منحدرات الانهيار الاقتصادي إلى قِمَم النّمو الاقتصادي خلال عقدين من الزّمان بأسباب في متناول الجميع وأهمها: تعاون الرّعية مع الرّاعي في الأخذ بأسباب الإصلاح وتحمّل عواقبه والصبر على مخالفته لهوى الأنفس الأمَّارة بالسّوء (من الإسراف والشحّ والكسل وتقديم المصلحة الخاصّة والعاجلة على المصلحة العامَّة والآجلة).
ثم زُرْتُ سلطنة عُمَان في آخر شهر من عام 1424هـ وفوجئت بِمَثَلٍ قريب غير بعيد، عربي غير أعجمي، في منطقة تُصَنَّف مع العالم الثَّالث، لا الثاني ولا الأوَّل، ومع دُوَل الشّرق والجنوب، لا الشمال ولا الغرب، وخارج نطاق الحضارة الصّناعية لا داخله.
لقد زرت كثيرًا من أهمّ الدّول والمدن العربية والأعجمية، وأشهد شهادة حقّ أنني لم أر (ولم أحْلُم بأن أرى) في البلاد العربيّة والمسلمة ما رأيته في سلطنة عُمَان من تكاتف صفات الخير الخُلُقيّة والإداريَّة، الجِبِلِّيَّة والمُكْتَسَبة، وسأحاول فيما يلي عرض أهمّ ما ظهر لي من آثارها بإيجاز:
أ) أوَّل ما يظهر للزَّائر عند وصوله الحدود الدّوليّة العُمَانيَّة حُسْن المعاملة من المواطن الإداري وحُسْن الخلق من المواطن العادي. ومع أن الله وهب المواطن الخليجي نصيبًا متميِّزًا عن غيره في اللّين والهدوء والسّماحة ـ فيما ظهر لي ـ فإن نصيب العُمَاني من فضل الله في هذا الجانب كان الأوفى، وكان هو الأحقّ به وهو أهله.
ب) تبذل الدّولة جهدًا واضحًا ومثمرًا في إدارة البلاد تخطيطًا وتنظيمًا وصيانة، وأكثر الدّول تبذل مثل هذا الجهد، ولكنَّ ما يميّز سلطنة عمان طاعة الرّعيّة وتقيّدهم بالأنظمة والتزامهم بتنفيذها؛ فلا تكاد ترى شيئًا يعكّر صفو النّظام والنظافة مما بُلِيَتْ به أكثر البلاد العربية والمسلمة : الكتابة على الجدران واللّوحات المروريّة، مخلّفات البناء، الأوراق والمناديل والأكياس، هدر المياه، التّسابق على حقّ (أو عدم حقّ) المرور. ولا تكاد تسمع شيئًا يعكّر صفو الهدوء والأمن مما بُلِيَتْ به أكثر البلاد العربية والمسلمة: أبواق السّيّارات، مزامير مركبات الشرطة، صياح الدّعايات الدّينيّة والدّنيويّة، ضجيج صغار السنّ وصغار العقول.
جـ) ونتيجة لتوفّر القاعدة الشّرعيّة والعقليّة للعلاقة الصّحيحة بين الرَّاعي والرّعية: (الطَّاعة في المعروف والتّعاون على تحقيق المصلحة العامة) لا يكاد الزّائر يرى مظهرًا من مظاهر الإجبار على تنفيذ النّظام؛ لا الجيش ولا الشّرطة ولا منظّمي المرور ولا الحواجز الأمنيَّة الطّارئة، في هذا الزمن الذي ابتُليَ فيه المسلمون (وغيرهم) بظهور رؤوس الفتن والإرهاب، والتَّكفير والتّفجير، وتحكيم الأهواء باسم الإصلاح الدّينيّ أو الدّنيوي.
ولكنّ أهمّ ما يميّز الشعب العُمَاني ـ كما أشرت من قبل: الخُلُق الفِطْرِي الذي يصعب تعليمه أو اكتسابه؛ فلم نتكلّم مع عُمَانيٍّ إلا ظهر لنا فَرَحُه بالاستجابة، وكَرَمُه بنفسه وماله وجهده ووقته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في خبره بأن الله تعالى قسم على عباده الأخلاق كما قسم عليهم الأرزاق، ومن فضل الله ومنِّه وجُودِه أعطى العُمَانيّين نصيبًا موفورًا من القسمتين: الأخلاق العمليّة بالجِبِلّة، والأرزاق بالكدّ والجهد في الداخل والخارج ثم بما فتح لهم الله من خزائن الأرض.
هـ) وأخيرًا.. أخصّ بالذّكر أمرين تميّزت بهما سلطنة عُمَان بين أُمَمَ الأرض مرتبطين بصفة شرعيَّة يحبّها الله من عباده ويكره ما يناقضها: «القصد في الفقر والغنى»: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]:
1- الالتزام بنظام المرور ومراعاة حقوق الآخرين فيه: جعل من النّادر مشاهدة حادث مروري، أو أثرِه على السّيارات، أو تَعرقُلِ حركة المرور بسببه، فكلّ السّيارات نظيفة وخالية من الخدوش، وأهم من ذلك كلها صغيرة الحجم اقتصادًا في النّفقة وفي الوقود، بعيدة عن مظاهر التّفاخر والتّعاظم الغَبِيّ الكاذب على حساب نعمة الله بالمال {لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ولحساب المنتجين في الخارج ممّن يُطالِب الحركيّون ـ سفهًا ـ بمقاطعتهم فيما لم يشرع الله تعالى ولا يَحْكُم العقل بمقاطعتهم فيه.
2- ولأنَّ سلطنة عُمَان مثل كلّ بلاد العالم تعاني من نقص الماء ظهر اهتمام واضح بالاقتصاد في صرفه، وفي الأماكن العامّة التي زرتها أدوات مستوردة ومنتقاة لتحقيق هذا الغرض لم أرها في أي مكان آخر من هذا العالم.
أرجو الله أن يزيد العُمَانيين من فضله دينًا ودنيا، وإيمانًا وأمنًا، وطاعة لله تعالى وإتِّباعًا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليبقوا قدوة صالحة في أمور الدنيا، وليكونوا قدوة صالحة في أمور الدين، وأن يردّ الجميع إلى دينه ردًّا جميلاً، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومتّبعي سنّته، والدّعاة على منهاجه، اللهم واجعلنا منهم.