رؤية الهلال بين يقين الوحي وظنّ الرّاصد [نقد فكر ابن منيع]
رؤية الهلال بين يقين الوحي وظنّ الرّاصد [نقد فكر ابن منيع]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى فضيلة رئيس تحرير مجلة الدّعوة زادهم الله من فضله وتوفيقه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولعلّ ما يلي يصلح للنّشر:
أمّا بعد: فقد أطلعني بعض إخواني في الدّين والدّعوة (على منهاج النبوّة) على ملحوظة للشيخ عبد الله بن منيع على حُكْم الشيخ صالح اللحيدان في الصّيام والفطر بالرّؤية لا بالظّنّ الفلكيّين. وأقول:
1) لا أرى جواز نشر مخالفته له بالجريدة والشبكة الاعلاميّة وأكثر متّبعيها الغاوون. والشيخ صالح أحد كبار ولاة الأمر بالعلم والعمل، وهو من أوائل المفتين في هذه البلاد والدّولة المباركة قبل أن يرأس مجلس القضاء الأعلى، ومِنْ أكبر وأعلم كبار العلماء فيها، ومن خير من يعمر المسجد الحرام بدروسه المباركة الشاملة ما أمكنه ذلك، ومن خير الدّعاة إلى الله على منهاج النّبوّة؛ فنشر مخالفته على العوامّ مخالفة لأمر الله: {يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}، وهو نوع من الخروج على ولاة الأمر وفقهم الله.
2) {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، وقد ردّ الشيخ صالح الأمر إلى الله والرّسول، إلى النّصّ الصّحيح الصّريح من الوحي: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وإلى فقه الأئمّة المعتدّ بهم في فهم النّصّ منذ فُرِض الصّيام إلى هذا اليوم، ولا اجتهاد مع وجود النّصّ بفهم السلف من الخلفاء والصّحابة ومن دونهم، ولكنّ الشيخ ابن منيع ردّ الأمر إلى ظنّ الحاسب أو الرّاصد أو الفلكي، وظنّ أنّهم من أهل الذِّكر الذين عناهم قول الله تعالى: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} وإنّما هؤلاء أمثال الشيخ صالح في هذا العصر ومن سبقهم من أئمّة الفقه، أمّا المعارف والفنون البشريّة فلا تخرج عن دائرة الفكر والظّنّ والخرص، وقد نفى الله عن أهلها العلم الأعلى الشرعي وأثبت لهم العلم الأدنى الظني: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون*يعلمون ظاهراً من الحياة الدّنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.
3) وقد أذهل الشيخ ابن منيع حسنُ ظنّه بالمعارف والفنون غير الشريعة فحَسِبَ أنّ أهلها وأنّها مما (أشاد به الرّحمن في قوله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} وقوله تعالى {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} وقوله تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، وحَسِبَ أنّ هذا النّوع الأدنى من العلم الظّنّي (يدعوا للإيمان ويضيء المسالك ويهدي إلى أقوم السّبل وأوضح المعالم)، ولا أرى هذا الظّنّ يبعد عن الإثم؛ فالشرع والعقل والواقع يكذّبه. ولكن (أمّيّته فيها) فحجبت الحقيقة عن بصره وبصيرته فظنّ الورم شحماً والضّلال إيماناً.
4) يطلب الشيخ عبد الله من الشيخ صالح التّثبّت وأشهد أنّه على بيّنة من ربّه فرأيه وحكمه تبعٌ لما أوحى الله به إلى رسوله ونبذٌ للفكر والظّنّ والهوى والتّقليد الجاهل لمن لا خلاق لهم. وليت الشيخ عبد الله أخذ نفسه بنصيحته لغيره فتثبّت وثبت على شرع الله الذي ميّز الله هذه البلاد وهذه الدّولة بالتّأسيس عليه من أوّل يوم.
وأرى شبهاً بين موقفه من أمر الرّؤية وموقفه من النّحر قبل يوم النّحر، وفهمت من روايته في مجلّة الدّعوة وغيرها أنّ الشيخ محمد بن ابراهيم (رحمه الله) مفتي المملكة المباركة هَجَرَه نحواً من عام لمخالفته ما أقرّه علماء الأمّة من الصّحابة فمن دونهم (وهم لا يجتمعون على ضلالة)، وكانت بداية ما يسمّيه التّيسير، وقد يسمّيه غيره التّمييع أو الإباحيّة (وهي لا تقتصر على الفروج كما أن الإرجاف لا يقتصر على النّفاق) وبَلَغَتْ في الأموال حدّاً فرحت به البنوك الرّبويّة سواء وُصِفَتْ بالإسلاميّة أوْ لا؛ فتنافست على توظيف مقترفيها وبَذْل أعلى الرّواتب والخدمات لكسبهم في صفّها وتشجيعهم وغيرهم على المزيد من (التّيسير أو التّمييع أو الإباحيّة) حتى لا يكاد يوجد لتحريم الرّبا حاجةُ بالتّحايل عليه، وأعلم أنّ احد الميسّرين اضطرّ لسحب أموال موكِّلته من شركة الرّاجحي المصرفيّة ثم انسحابه من لجنتها الشرعيّة بعد أن تجاوز (التّيسير) حدّه.
5) ويتساءل الشيخ عبد الله (هداه الله لأقرب من هذا رشداً): هل ثبات المملكة [المباركة على ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في أمر الصّوم والفطر بالرّؤية] منقبة لها أو تخلّف؟ ويختلف الجواب باختلاف منهاج المجيب؛ أمّا أهل منهاج النّبوّة في الدّين والدّعوة فجوابهم: بل هي المنقبة العظمى ونشهد الله على ذلك، وأمّا أهل منهاج الفكر والظّنّ فلعل الله أن يهديهم أو يكفي المسلمين شرّهم، ولم يضرّنا بفضل الله وَصْفنا في الماضي بالرّجعيّة والرّجعيّين ولم ينفع أهل الفكر والظّن وصف أنفسهم بالتّقدّميّة والتّقدّميّين.
6) ومن إعجاب الشيخ عبد الله (دلّه الله على الحقّ وثبّته عليه) بالفكر وأهله تنازل عن مجال تخصّصه في اللغة العربيّة فتحدّث بلسان أهل المراصد عن (ولادة الهلال)، ولن نسأل عن عقد الزّواج والحمل والأم والأب والرّضاعة فبقيّة الرّواية في بطن الفكر والمفكّر هدى الله الجميع وردّهم إلى دينه ردّاً جميلاً.
7) ونرجو الله أن يثبّت ولاة أمر هذه البلاد والدّولة المباركة على ما اصطفاهم له وميّزهم بهم من الحكمة بكتابه وسنّة نبيّه وفقه الفقهاء الأُوَل في دينه، وكما طلب الشيخ عبد الله من الشيخ صالح آمل أن يعيد النظر فيما ذكرنا عامّة وأن يتّسع صدره لتقبّل النّصيحة،
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه
1428/12/27هـ.