من ضلال الفكر [3] ضلال فكر محمد الغزالي ومجلّة اليمامة
من ضلال الفكر [3]
ضلال فكر محمد الغزالي ومجلّة اليمامة
بسم الله الرحمن الرحيم
في العدد 8971 بتاريخ 1408/1/23هـ من مجلة اليمامة ص80 نُشرت مقابلة مع الشيخ/ محمد الغزالي (تجاوز الله عنه):
1- قُدِّم الغزالي للقراء بأنه (يعيش في الجزائر محاولاً اقتلاع الجذور الفرنسية، وأنّه نجح إلى حدٍّ ما في عودة الرّوح الإسلاميّة للعروق الجزائرية).
2- وللإنصاف فإن هذه المحاولة، والنّجاح المحدود في تحقيقها، حدثت في الجزائر قبل أن يُوظَّف الشيخ الغزالي معلِّما في جامعتها. وأكثر من ذلك فإنّه لا يُعْرف للشيخ منذ وصوله أي محاولة في هذا السبيل.وإذا كان للمجلّة دليلٌ واحد على صحّة ادّعاء محرّرها فأرجو بيانه حتى لا نغمط الرّجل شيئًا من حقّه. وإذا لم يكن لها دليل ولكنها انساقت إلى المدح جزافًا وبلا تثبّت (كالعادة) فأولى لها ألاَّ تعود إلى مثل هذا الادّعاء الذي غمطت به جهاد شعب كامل في الاستقلال والتعريب وإزالة آثار الاحتلال الفرنسي الظَّالم (دون عون من الغزالي).
3- من قراءتي للمقابلة ومما كَتَبَ الغزالي أو كُتِبَ عنه، بدا لي أن الشيخ ختم الله لنا وله برحمته؛ لم يعد قادرًا على تقديم رأي محدّد صحيح واحد، وإنما هو الهجوم (الدونكشوتي) الذي لا تُعْرَف له قضيّة عادلة ولا يتبيّن منه هدفٌ صحيح ولا تظهر له نتيجة صالحة.
وهو في هذه المقابلة ـ مثلاً ـ يَظْهر تارة بمظهر المؤيّد لتطبيق الأحكام الشرعيّة، وتارة يَظْهُر بمظهر الباحث عن عقبات تسدُّ طرقها؛ باشتراط (أن يَحكم الشعب قبل ذلك في علاقاته بما أنزل الله).. يضرب مثلاً تارة بالسّعوديّة للشعب الذي استحق تطبيق شرع الله عليه، وتارة يهاجم منهجها السّلفي؛ أهم مزاياها، ثم ينفي عن الأحكام الشرعيّة تهمة (تشويه الأجسام) وليته قدّم مثالاً واحدًا على ذلك حتى يتبيّن مقصده: هل يَعُدُّ قطع اليد في حدّ السرقة، والقتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل مِنْ خِلاف في حدّ الحرابة تهمة منفيّة عن الشرع (وتشويهًا للأجسام وتصويرًا كاذبًا مدسوسًا على الإسلام)؟ ثم يقفز إلى تقرير أن الإسلام أعطى القضاة الحقّ في (إيقاف الحدّ إذا رأوا أنَّ المتّهم قد تاب توبة نصوحًا) بعد أن أورد إشارة إلى قصة (ماعز).. ولم يحاول الجمع بين تقريره هذا الأمر وعدم (إيقاف) النّبي صلى الله عليه وسلم الحدّ عن (ماعز) و(الغامدية) بعد أن رأى (وهو الوحيد الذي يستطيع التيّقن من ذلك بما ينزل عليه من الوحي) أنهما تابا إلى الله توبة نصوحًا بدليل أنهما (جادا بنفسيهما في سبيل الله). ولا يمكن الاعتذار عنه بأنّه يقصد ما قبل ثبوت الزّنى؛ لأنَّ أصغر طلاب العلم الشرعي يعلم أن حدّ الزنى لا يقام حتى يثبت بالاعتراف أو شهادة أربعة شهداء.
وعقبة (ثالثة) يضعها الشيخ عفا الله عنَّا وعنه في طريق تطبيق الأحكام الشرعية عبّر عنها بأن (الحدود جزء من سبعين شعبة يتكون منها الإيمان، فلماذا تُخْتار الحدود فقط من بينها وتُنسى الأمور الأخرى)؟
وعقبة (رابعة) أو لعلها تفسير للثالثة: غيبة العدالة الاجتماعيّة، وهذه أقرب إلى وحي سيد قطب منها إلى وحي الله، وكأنّه باشتراطه إزالة العقبتين الأخيرتين يشترط وجود شَعْب من الملائكة أو من الصدّيقين قبل تطبيق الشريعة في الحدود.
4- يقول عن الدّيمقراطية أنَّها: (من أحكم الأنظمة التي شهدتها الدنيا).. ولم يتّضح موقعها من الحكمة في رأيه مقارنة بعهد النبوة والخلافة الرّاشدة. ولو نظر إليها بنفس المنظار والعداء الذي يواجه به المنهج السلفي لوجد فيها أغراضًا أوضح للتّنفيس عن نزعته الهجومية.
5- يقيس (شرعية) الأحزاب السياسيّة بمقياس شرعيّة المذاهب الفقهيّة التي (اختلفت في أمور كثيرة لكنَّها عايشت بعضها بعضًا وكانت في صالح الإسلام)، وينسى أن علماء الأمة الذين نُسِبت إليهم هذه المذاهب بنوا آراءهم على الكتاب والسّنّة واجتهدوا بعلمهم وفقهم الشرعي فيما لم يجدوا فيه نصًّا.. أما الأحزاب السّياسيّة في الغرب (الأصل) أو في الشرق (التّقليد) ومثلها الأحزاب الدينية فتبني اتجاهاتها على المصالح الحزبيّة الخاصّة وعلى الهوى.
وفكرة التّعايش تسيطر عليه فيتصور مجتمعًا مسلمًا يجتمع فيه محمد بن عبد الوهاب والأفغاني والكواكبي ومحمد عبده [وربما ابن سينا وابن عربي وإخوان الصّفا] وتجتمع فيه الجماعات والفِرَق والطوائف الموصوفة زورًا بالإسلامية، لا ينكر أحد على أحد ولا يحاول أحد تصحيح مذهب أحد.. لذلك لا يُعْرف عنه مهاجمة البدعة ولا المبتدعين ولا الوثنية الجديدة القديمة ولا الوثنيّين عبَّاد القبور في مقر إقامته الأصلي أو الجديد.
الاستثناء الوحيد: مهاجمته أهل السنّة الذين يحاولون نشرها بالقدوة إن قصروا عن نشرها بالموعظة.
6- ثم عاد إلى هاجسه الذي لا يكاد يفارقه وهو الهجوم على السّلفيّة والسّلفيين الذي لم يهمله في كل ما كتب منذ انتمائه للحزبيّة المبتدعة وبخاصة منذ ذلك اليوم الذي سأله فيه شاب ممن يسميهم بالسّلفيين عن حكم حلق اللحية (وكان الشيخ يومها حليقًا أكثر مما هو الآن)، فردّ بردّ يهوّن فيه أمرها، فوصفه الشاب (سفهًا) بأنّه (حمار).منذ ذلك اليوم أعلن حربه الضّروس على السّلفيّة والسّلفيين بصفة عامّة.. ومن أجل ذلك هاجم التّمسك ببعض السّنن مثل سنّة الشرب قاعدًا.. ودلّل على صحة رأيه (كعادته) بأنه رأى أحدهم في أمريكا يجلس للشرب فقال له: (إن التزامك هذا حريّ بأن يمنع الأمريكان من الدخول في الإسلام) ويتساءل غيره: كم من الأمريكان دخل الإسلام على يد الغزالي بسبب تهاونه وتهوينه شأن السّنّة القولية أو الفعليّة، العادية أو العبادية؟ ومن أجل ذلك هاجم (في هذه المقابلة) ملازمة المرأة بيتها إلاَّ لضرورة. وقد يجهل (هدانا الله وإياه) أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر (في الأحاديث الصحيحة الثابتة) بتوفير اللحية والجلوس للشرب، بل وأمر بالتِّقيؤ مَنْ شَرِب قائمًا وأنّه أخبر بأن صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في مسجده، وأن الله أسقط عنها الجهاد بمعنى القتال في سبيله.. ولكنّه حريٌّ ألاَّ يجهل قول الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، وقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
7- وأمر أخير أرى أهمّية التنبيه إليه:
لَقَبُ المفكر الإسلامي لا يليق بالدعاة إلى الله إن كان الغزالي أو لم يكن منهم؛ فشرع الله جاء بطريق الوحي في الكتاب والسنة لا بطريق الفكر.. والدّعاة إلى الله على بصيرة هم الذين عَلِموا شرع الله (بالأدلة الصّحيحة) وعملوا به وسعوا إلى تبليغه، أما الفكر المجرد فهو أليق بالفلسفة أو السّفسطة..
وأهمية إثارة هذا الأمر تبدو عند استقراء نتائج إطلاق هذا اللقب على الدّعاة المثقَّفين الذين لم يعرفوا شرع الله أو أُخِذوا بالحضارة العلمانيَّة؛ إنتاجها الصناعي ونُظُم إدارتها وطرق حياتها فسيطر على عقولهم شعور بأن النجاح والفلاح والسعادة في ربط دين الإسلام بعجلة الحضارة العلمانية.
ولعل الشيطان قد أوحى للصّحف العربيّة بهذا اللقب حتى يسيطر على ميدان الدعوة إلى الله من لا يصلح لها.. وبالتالي يختلط الذّهب بالنّحاس ويعجز المسلم عن التمييز بين الدعوة إلى الله على بصيرة وبين مجرد الخطابة والشهرة الأدبية (الإسلامية).
أرجو من الله العلي القدير أن يجعلنا أكثر دقة في تمييز الحق من الباطل، وتمييز الزّبد مما ينفع الناس وخاصة عندما يتعلق الموضوع بشرع الله والدعوة إليه؛ فقد قام هذا البلد المبارك على العقيدة السّلفية بفضل الله، ووجب عليه بذلك حمل مسؤولية نشرها والدّفاع عنها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه وهدانا جميعًا لأقرب من هذا رشدًا.