شرر التكفير والهجرة والثورة من كتب سيّد قطب
شرر التكفير والهجرة والثورة من كتب سيّد قطب
بسم الله الرحمن الرحيم
أ – نقلت جريدة الشرق الأوسط في عددها 8407 بتاريخ 2001/12/4م الموافق 1422/9/19هـ في الحلقة الثالثة مما وصف بالوصية الأخيرة من مذكرات د.أيمن الظواهري القائد الثاني – أو الأول – لتنظيم القاعدة : (أن سيّد قطب هو الذي وضع دستور التكفيرين الجهاديين) في كتابه الديناميت معالم على الطريق، وأن فكر سيّد هو (وحده) مصدر الأحياء الأصولي، وأن كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام يعد أهمّ إنتاج عقلي وفكري للتيارات الأصولية، وأن فكر سيّد كان شرارة البدء في إشعال الثورة (التي وصفها بالإسلامية) ضد (من سماهم) أعداء الإسلام في الداخل والخارج، والتي ما زالت فصولها الدامية تتجدد يوماً بعد يوم).
وأشهد لقد صدق أيمن الظواهري في هذا الادعاء فلم يتجاوز الحقيقة والواقع، وفيما يلي برهان ذلك من فكر سيّد قطب ونقده من الفقه في الدين بعامّة، وبخاصّة من فقه واحد من العلماء المحققين المعجبين بجانب من جوانب هذا الفكر الموصوف بالأصولي:
1) يقول سيّد قطب في كتابه معالم على الطريق ص101 – الطبعة 10 دار الشروق التي خصها ورثة سيّد تجاوز الله عنه وعنهم بما يصفونه الطبعة الشرعية : (ويدخل في إطار المجتمع الجاهلي (الكافر) تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة لا لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولا لأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله، ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده في نظام حياتها) ولا أعرف مسلماً – قبل سيّد قطب تجاوز الله عنا وعنه – كفّر من يعتقد بألوهية الله وحده ويقدم الشعائر التعبدية لله وحده لأنه لا يدين لله وحده بتنظيم حياته.
وتنظيم الحياة – خارج حدود الاعتقاد القبلي وأعمال الجوارح التعبدية – يغلب عليه الإباحة ولا يتجاوز – فيما ثبت الأمر أو النهي عنه – حدود السنن والنوافل أو المكروهات والصغائر، ولا يُعرَفُ التكفير بالمعاصي إلا عن الخوارج ومن نهج نهجهم، ويبرأ منه فقهاء الأمة المعتد بهم في الماضي والحاضر وإلى أن تقوم الساعة.
2) وتبعاً لهذا الفكر الموصوف زوراً بالإسلامي المنحرف عن الوحي والفقه فيه من أهله مجّد سيّد قطب – عفا الله عنا وعنه – الثورة على عثمان بن عفان الخليفة الراشد المهدي رضي الله عنه وأرضاه، ووصفها في كتابـــه (العـــدالة الاجتماعية في الإسلام ص161 ط.دار الشروق عام 1415هـ بأنها (فورة من روح الإسلام) ووصف الثوار عليه بأنهم (الذين أُشربت نفوسهم روح الدين إنكاراً وثأثماً) وأسقط خلافة عثمان رضي الله عنه ص172 فوصف عهده بأنه (كان فجوة بين خلافة الشيخين وبين خلافة علي) رضي الله عنهم أجمعين خلافاً لجميع فقهاء أهل السنة والجماعــة، وفي ص175، ضرب مثـــلاً للتضخـــم الفاحش في الثروات الذي ظنه (يحطم الأسس التي جاء هذا الدين ليقيمها بين الناس) ومثلاً للذين (جرفتهم مطامع الدنيا) برواية ساقطة عن إخباري منحرف بما تركه خمسة من المبشرين بالجنة من المال والخيل والإماء والدور، وخص معاوية وابن العاص رضي الله عنهما في كتابه (كتب وشخصيات ص242 ط.دار الشروق) بأوصاف (الكذب والفسق والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم) وهما من كبار الصحابة ورواة الأحاديث النبوية.
قال الشيخ د.بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في كتابه : تصنيف الناس يين الظن واليقين ص26 ط.دار العاصمة (قال أبو زرعة الرازي رحمه الله في فتح المغيث 4 /94: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن القرآن حق والرسول حق، وما جاء به حق، وإنما أدى الينا ذلك كله الصحابة .. فالقدح بالحامل يقضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه، ولهذا أطبق العلماء رحمهم الله على أن من أسباب الإلحاد القدح بالعلماء).
3) وقال سيّد قطب عفا الله عنا وعنه في كتابه (في ظلال القرآن ص1057 ط.دار الشروق: (ارتدت البشرية عن عبادة العباد وجور الأديان وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا اله إلا الله) وفي ص2033 جعل من الشرك الواضح الظاهر – في مقابل الشرك الخفي: (الدينوية (لغير الله) في تقليد من التقاليد كاتخاذ أعياد ومواسم يشرعها الناس ولم يشرعها الله والدنيوية في زيّ من الأزياء يخالف ما أمر الله به من الستر ويكشف أو يحدد العورات التي نصت شريعة الله أن تستر) والتقليد مرض منتشر في هذه الأمة وقع فيه سيّد قطب كما وقع فيه غيره، وما كان منه معصية فلا يتجاوز الصغيرة (فيما عدى الاعتقاد والعبادة، والمنصوص عليه من الكبائر والموبقات) ولا يكفر المسلم به.
وقال سيّد قطب في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام ص185 ط.دار الشروق (ونحن نعلم أن الحياة الإسلامية على هذا النحو قد توقفت منذ فترة طويلة في جميع أنحاء الأرض، وأن وجود الإسلام ذاته من ثم قد توقف كذلك) فحكم بكفر جميع المسلمين في كل مكان ومنذ فترة طويلة (بمن فيهم أولئك الذين يرددون على المآذن في مشـــارق الأرض ومغاربها كلمــــات لا الـــه إلا الله بـــلا مدلول ولا واقع) في ظلال القرآن ص1057.
وفي ص216 في كتابه (العدالة الاجتماعية في الإسلام ط دار الشروق) بشر الذين يكفرون كل المسلمين وينفون وجود الإسلام بأنهم سائرون على صراط الله وهداه وحكم على الذين (يظنون لحظة واحدة أن الإسلام قائم وأن الذين يدّعون أنهم مسلمون ويتسمون بأسماء المسلمين هم فعلاً مسلمون، بالسير وراء سراب كاذب تلوح فيه عمائم تحرف الكلم عن مواضعه وترفع راية الإسلام على مساجد الضّرار).
قال الشيخ بكر أبو زيد عضو هيئة كبار العلماء في كتابه (درء الفتنه عن أهل السنة ص61 ط.2 دار العاصمة (لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يصير كافراً الكفر المطلق الناقل من الملة حتى يقوم به أصل الكفر بناقض من نواقض الإسلام، فالواجب وضع النصوص في مواضعها وتفسيرها حسب المراد منها من العلماء العاملين الراسخين .. وعلى الناصح لنفسه أن يحس بخطورة الأمر ودقته وأن يقف عند حدّه).
وبعد أن أورد هذا العالم المحقق عدداً من نصوص الكتاب والسنة في (التحذير الشديد والنهي الأكيد عن سوء الظن بالمسلم فضلاً عن النيل منه فكيف بتكفيره) قال شفاه الله وزاده توفيقاً (فهذه النصوص وغيرها فيها الوعيد الشديد لمن كفّر أحداً من المسلمين وليس هو كذلك وهذا – والله أعلم – لما في إطلاق الكفر بغير حق على المؤمن من الطعن في نفس الإيمان … وهذه الحالة الكريمة والحصانة للمسلمين في أعراضهم وأديانهم من أصول الاعتقاد في دين الإسلام) ص65.
4) ونتيجة لتلك المقدمة المسرفة في تكفير المسلمين، وبعد أن وصف مساجدهم فيما سبق بمساجد الضرّار، وصف مساجد المسلمين بمعابد الجاهلية في كتابه (ظلال القرآن ص1816 ط.دار الشروق فقال في تفسير قول الله تعالى {واجعلوا بيوتكم قبلة} [يونس: 87] (وهنا يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي) وإضافة إلى أمره عصابته المسلمة لفكره باعتزال مساجد المسلمين والصلاة معهم اعتزالاً ظاهراً حكَم في الظلال ص2212 (أنه لا نجاة للعصبة المسلمة في كل أرض من أن يقع عليها العذاب إلا بأن تنفصل عقيدياً وشعورياً ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله لها بقيام دار إسلام تعتصم بها، وإلا أن تشعر شعوراً كاملاً بأنها هي الأمة المسلمة وأن ما حولها ومن حولها ممن لم يدخلوا فيما دخلت فيه جاهلية وأهل جاهلية)، وصدًّق سيّد قطب على أتباعه – تجاوز الله عن الجميع – فِكرهُ فأسلموا له قيادهم، وانفصلوا عقيدياً وشعورياً عن جماعة المسلمين في بلادهم، ثم اعتزلوهم ظاهراً وتفرقوا في بلاد النصارى تحت ظلال الحكم العلماني، وفي بلاد المسلمين المنحرفين عن الاعتقاد والإتباع الصحيح وبخاصة أفغانستان طالبان حيث يُتقرب إلى الله بالشرك والبدعة عند مقامات ومزارت المنتمين إلى السنة في قندهار وغيرها وبما دون ذلك من أداء الواجبات – وبخاصة الحجاب – وترك المكروهات، ويتقرب إلى الله بمحاربة أوثان البوذيين النائية، والشيعة في مزار شريف.
ورد الله الجميع إلى الوحي والفقه فيه وأعاذهم من شطحات الفكر والهوى.