مراد هُفْمَنْ أجدر ألاّ يعلم حدود ما أنزل الله

مراد هُفْمَنْ أجدر ألاّ يعلم حدود ما أنزل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أ- كتبت قبل بضع عشرة سنة (بتاريخ 1421/10/19هـ) إلى مكتبة العبيكان مُنْكِراً دعواها أنّ كتاب هفمن (رحلة إلى مكّة): (يحمل إلى النّاس حقيقة الإيمان ونور الإسلام)، وأوردت أمثلة لضلاله عن حقيقة الايمان والاسلام منها:

1) أنّه ظنّ (عذره الله بجهله) أنّ الفلسلفة والفنّ والتّصوّف طرق صالحة للوصول إلى الإسلام أو المحافظة عليه، وأنّ المسلم المتّبع للفقه في الدّين من أهله يعيش في شبكة من الرّموز، وأنّ المسْبَحَة من الدّين (ص39، 48، 49، 65، 66).

2) ظنّ زكاة الفطر: هديّة مثل هدايا عيد الميلاد تخرج ليلة 27 رمضان، وأنّ ما يسمّى بالموشحات من شعائر الدّين، وأنّ الصّوم تميّز عن غيره من الفرائض بأنّه فُرِض للنّاس ولم يُفْرض لله (مخالفاً ما رواه النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن ربّه وفيه: «إلا الصّوم فإنّه لي وأنا أجزي به» رواه مسلم)، وأنّ اختلاف بداية الصّوم ونهايته في بلاد المسلمين (مُخْزٍ ومَشِيْن) وأنّه مجرّد اتّباع لتقاليد وأعراف قديمة، وظنّ أنّ وقت الحجّ وعيد الأضحى يُحدّد بالحساب الفلكي جاهلاً أنّ الإعتماد على رؤية الهلال في الصّوم والحجّ هو الشّرع والواقع، وجاهلاً باختلاف المطالع، وغافلاً عن الفَرْق بين إعلان وقت الصّوم في كلّ بلدٍ حسب اجتهاد ولاة أمره، وإعلان وقت الحجّ في بلد واحد يُحْكَمُ بشرع الله (ص27 و85-87).

3) خلط بين آداب الطّعام الشرعيّة وبين العادات والتّقاليد في مختلف بلاد المسلمين (ص92-101).

4) أفتى بأخذ وبذل الفوائد الرّبويّة على المال المدّخر بالتّراضي بين الطّرفين وخالف ما سمّاه: المناقشة بالمفهوم الأصولي للرّبا (ص122-123).

5) ظنّ أنّ ذَبْح شاة عند الانتقال إلى مسكنٍ جديد ووضع نقطة من دمها على الجبين أمر مشروع مثل الهدي والأضحية والعقيقة (ص126)، جهلاً منه بالفرق بين العبادة والعادة المبتدعة بل الشرك كما يفعل بعض الجاهلين من الذّبح على مدخل البيت عند البناء وتلطيخه بالدّم ثلاثة أيّام.

6) أخطأ في فهم الآية (129) من سورة النّساء فأورها دليلاً على شرط العدل في الزّواج بأكثر من واحدة، وأخطأ في تفسير الآية (34) من سورة النساء بالفكر المخالف لمفسّري القرون الخيّرة وهم القدوة.

7) ظنّ أنّ وصول امرأة مسلمة لرئاسة الحكومة مفخرة للإسلام، وغفل عن قول الله تعالى: {وقرن في بيوتكنّ}، وغفل عن اختيار النّبي صلى الله عليه وسلّم للمسلمة الصّلاة في بيتها وفي خدرها على الصّلاة معه في مسجده، وغفل عن عدم تولية المرأة شأناً من شئون المسلمين في القرون الخيّرة.

8) خالف شرع الله في الحجاب بحجّة (أنّ الإسلام أغنى وأعمق من مجرّد غطاء رأس المرأة)، ورأى عدم الفصل بين الجنسين (ص142 و145).

9) ظنّ أنّ الفرق الوحيد بين المسلمين والنّصارى: ماهيّة المسيح صلى الله عليه وسلّم، فإذا زال هذا الفارق زالت العوائق الفقهيّة بينهم). وجهل أنّ شرع الله لخاتم أنبيائه نَسَخَ أكثر الأحكام في شرع من قبله ما عدا الاعتقاد فلم يتغيّر أبداً منذ شَرْع الله تعالى لنوح صلى الله عليه وسلم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، فكان شرّ مخالفةٍ لشرع الله قبل افتراء أكثر النّصارى بُنُوَّةَ ثم ألوهيّة المسيح وبعدها: وثنيّة المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة (عند أكثر المنتمين للدّين الحقّ) ودعاء من سُمِّيَتْ باسمه تقرّباً واستشفاعاً بهم إلى الله، ولم أَرَ لِهُفْمَنْ (ولا لمحمد أسد ولا لجارودي) اهتماماً بهذا الأمر الأعظم.

10) أراد للمسلمين في ألمانيا اجتذاب بقيّة الألمان للإسلام باتّخاذ (موقف إيجابي موحّد جديد من حقوق المرأة والدّستور والفوائد البنكيّة (توافق رأيه وتخالف فقهاء الأمّة المعتدّ بهم) ص198.

ب- وافاني أخي العزيز د. عبد الرّحمن الشبيلي جزاه الله خير الجزاء بنسخة من مقال له في جريدة الشرق الأوسط (العدد/12660) يوم أمس عن مراد هفمن يرسم صورة أخرى مختلفة ولكنّها غير موثّقة يقارن فيها بينه وبين محمد أسد رحمه الله، ويشير فيها إلى مناقشة حضرها بين أخي صالح رحمه الله وبين هفمن عن مقاصد الشّريعة من تحريم الرّبا.

وقد يتّفقان على المقاصد أو يختلفان فيما يغلب على الظّنّ، والأهمّ هو اليقين بتحريم الله الرّبا، ولابدّ أن يختلفا؛ فأخي صالح رحمه الله خالف أستاذه السّنهوري والدّواليبي ومن وافقهما من أهل الفكر في تحليلهم أخذ الفوائد الرّبويّة، وبالغ رحمه الله في ذلك، ومثله مخالفته هفمن وأمثاله في خروج المرأة للعمل لغير ضرورة وإهمالها رعيّتها: البيت والعائلة، إلى درجة أنّي اكتفيت بجهاده في هذا السّبيل وركّزت على التّذكير بإفراد الله بالعبادة (الدّعاء بخاصّة) ومحاربة الشّرك بالله في عبادته (الدّعاء بخاصّة) الذي لا يغني في الجهاد به أحد عن أحد. ولم أكتب في التّحذير من التّحايل على الرّبا غير مرّة تأييداً للدّكتور/ حمزة بن محمد السّالم ومخالفةً للشّيخ عبد الله بن منيع نيابةً عن أخي صالح رحمه الله لأنّه لم يذكر اسم زميله ابن منيع رغم مخالفته الشّديدة له.

ولم أكتب عن محاولة العابثين إخراج المرأة من بيتها وتخلّيها عن رعيّتها غير مرّتين أو ثلاث بطلب من سموّ الأمير ممدوح ومعالي الأستاذ عبد العزيز السّالم.

ومراد هفمن دون محمد أسد بدرجات وإن جنى الفكر عليهما فأبعدهما عن طريق الوحي والفقه فيه من أهله أعلام الهدى في القرون الخيّرة. ولم أجد في (الطّريق إلى مكّة) لمحمد أسد ما يمنعني من ترجمته رغم أنّ غازي القصيبي رحمه الله حذّرني من ميله إلى فكر المعتزلة، وربّما ظهر له ميله إلى الإعتزال في تفسيره أو ترجمته القرآن.

أمّا أخطاء مراد هفمن فهي كثيرة وبالغة لا يجوز معها ولا مع بعضها تقديمها للمسلمين لمجرّد القراءة أو التّسلية فكيف (بدعوة المسلمين إلى قراءتها لعلّهم يتوصّلون إلى ما توصّل إليه الغرباء).

لا يُدْعى للدّين الحقّ بالفكر ولو سُمِّي إسلاميّاً، وإنّما يُدْعى إليه بالوحي من الكتاب والسّنّة بفَهْم السّلف في القرون الخيّرة، قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني} وقال تعالى: {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن والبصيرة هي العلم الشرعي والفقه في الدّين من أهله، والحكمة هي السّنّة، فهي القسم الثّاني من الوحي في قوله صلى الله عليه وسلّم: «أوتيت هذا القرآن ومثله معه»، والموعظة هي القرآن تبيّنه السّنّة قال الله تعالى: {يا أيّها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين}.

ولو تُرِك أمر الدّين للفكر لتفرّق الدّين، واحتار المسلم أيَّ فكر أو أيّ مفكّر يتّبع، ولكنّ الله منّ على عباده بحَصْر أمر الإتِّباع وقصره على كتابه وسنّة رسوله الصّحيحة فهما وحدهما اليقين من ربّ العالمين بفهم أئمّة الفقه في الدّين من الخلفاء الرّاشدين ثمّ الصّحابة ثم تابعيهم في القرون الخيّرة الذين فضّلهم الله ورسوله على مَنْ يأتي بعدهم. والله وليّ المؤمنين.

كتبه/ سعد الحصيّن- مكّة المباركة في 19 رمضان 1434هـ.