السّلفيّة هي القِمّة، فمن هم أهلها؟
السّلفيّة هي القِمّة، فمن هم أهلها؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أ ـ السّلفيّة هي الطائفة النّاجية المنصورة إلى قيام السّاعة بفضل الله لا يضرّها من خالفها أو خذلها، لأنها تعني:
الإلتزام بنصوص الكتاب والسّنّة بفهم أئمة السلف: الخلفاء الرّاشدين المهديّين الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ومات وهو راضٍ عنهم، وروي عنه: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضّوا عليها بالنواجذ»، وبفهم بقيّة الصّحابة والتابعين لهم بإحسان في القرون الخيّرة (بخاصة)، قال الله تعالى: {والسّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}، وقال الله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير النّاس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» [متفق عليه]. واشتراط فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان في القرون الخيّرة أمْرٌ بالغ الأهمّيّة فهو سياج متين يحفظ معنى الآية والحديث من عدوان المتأوِّلين والمحرِّفين والمبدِّلين من مبتدعة القرون المتأخرة بعد أن ابتلي الإسلام والمسلمون بتغليب الابتداع على الإتباع وتغليب الفكر على الفقه وتغليب العاطفة والهوى والظّنّ على الهدى منذ ولاية الفاطميّين ثم الأيّوبيّين ثم المماليك ثم العثمانيّين على بلدان المسلمين بعد القرون الخيّرة، ثم منذ أن ظهر قَرْنُ الفكر الحديث الموصوف ـ زورا ـ بالإسلاميّ فصار العلم يقاس بالزّيّ وبالتّأليف (على غير منهاج النّبوّة) وبعدد ونوع الشّهادات الدّراسية (الغربيّة المعرّبة بخاصة).
ب ـ وبين القرون الخيّرة وقرن الفكر الأخير برز في القرون الوسطى علم من أعلام السّلفيّين لا أعرف بعده ولا قبله مثله: ابن تيمية أسكنه الله الفردوس من الجنة، وأنقذ الله به تلميذه إبن القيّم رحمه الله فكان قاب قوسين أو أدنى من درجة شيخه في العلم والعمل ونشر السنّة ومحاربة البدع والمبتدعة، فجَدّد الله بهما دينه ودعوة رسله جميعا: الدّعوة إلى إفراد الله بالعبادة ونفيها عما سواه، وإلى الإتباع والنّهي عن الابتداع في الدّين، وإلى ما دون ذلك من الاعتقاد والعبادات والمعاملات .
ج ـ وفي القرن الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر من الهجرة جدّد الله دينه وسنّة رسله بعلم الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب وسيف الأمير/ محمد بن سعود وذريتهما أسكنهما الله الفردوس من الجنة، فهدم الله بهم أوثان المقامات والمزارات والأضرحة في جزيرة العرب وما دون ذلك من البدع في كلّ مراحل حكمهم الثلاث .
د ـ وفي آخر القرن الرابع عشر وأوّل القرن الخامس عشر جدّد الله دينه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم بالشيخ ابن باز في جزيرة العرب والشيخ الألباني في بلاد الشام أسكنهما الله الفردوس من الجنة فردّ بهما الناس إلى الالتزام بالدليل من الكتاب والسّنة في كلّ ما يجب أو يُسَنُّ التّقيّد به في الاعتقاد والعبادة والمعاملة .
هـ ـ هؤلاء المجدّدون هم ـ فيما نعلم ـ خير الدّعاة إلى السّلفية منذ القرون الخيّرة، بل هم السّلفيّون حقاًّ الذين أهّلَهم الله تعالى بفضله ليكونوا قدوة يحتذيها المنتمون إلى السّلفية، لا بتقليدهم، بل بالنّسج على منوالهم: معرفة الحقّ بدليله؛ فليس فيهم معصوم يجوز الأخذ عنه دون معرفة دليله من الكتاب أو السّنة الصحيحة إلا للجاهل الذي لا سبيل له إلى معرفة الدليل، وإلاّ فلا فرق بين السّلفي والصوفي والشيعي؛ فالأخيران يدّعيان العصمة لمشايخهم وأئمتهم بلسان الحال أو المقال .
و ـ وفي السّنين الأخيرة انتشرت السّلفيّة بفضل الله انتشاراً واسعاً لم تعرفه بلاد المسلمين منذ انتهاء القرون الخيّرة (فيما يتعلّق بالاعتقاد الصّحيح ومحاولة اتّباع السّنّة في العبادات والمعاملات وكراهية الابتداع في الدّين والانحراف عن منهاج النّبوّة في الاعتقاد فما دونه، والمنحرفين عنه: المعتزلة والقدرية والجهميّة والمرجئة والأشاعرة والصّوفية والقبورية. ومن خير من نشر المنهاج السّلفي وحثّ عليه ودافع عنه بعد ابن باز والألباني رحمهما الله؛ الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في بلاد ودولة التّجديد والتّوحيد والسّنّة فمنذ عَرَفْتُه وهو يجمع بين وسائل الدعوة الشرعيّة؛ (الخطابة يوم الجمعة، ودروس الأحكام الشرعيّة في المسجد، ومقاومة الاعتداء البدعي (الصّحفي الجاهل بخاصة) على الدّين الحق وأهله والتأليف في العلوم الشّرعية جزاه الله خير ما يجزي به العلماء العاملين الملتزمين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم .
ز ـ وحَمَل الراية السّلفية بعد الثلاثة عدد من طلاب العلم الشّرعي وعلمائه ولكنّ أكثرهم ابتلوا ببعض صغار السّلفيّين حولهم يشغلونهم بالغيبة والنميمة والوسوسة عن العلم الشرعي ويصرفونهم عنه إلى مناوأة إخوانهم السّلفيّين والتّشهير بأخطائهم وتفسيقهم وتبديعهم وصدّ المسلمين عن الاستفادة منهم، ولو اتّبعوا المنهاج الشرعي السّلفي لتثبّتوا استجابة لأمر الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا}، فإذا ثبت الخطأ أنكروه بأسلوب النّصيحة وتجنّبوا الفضيحة عسى الله ألاّ يفضحهم يوم الحشر والحساب، والسّلفيّون هم خيْرة المسلمين إلى قيام السّاعة وهم القلّة الصالحة من خلق الله، فإذا صرف الشيطان ألْسِنَة السّلفيّين وأقلامهم عن: (الدّعوة إلى إفراد الله بالعبادة والتزام السّنّة ومحاربة الشرك بالله في عبادته والابتداع في دينه) إلى ما دون ذلك من أمور الدّين فضلاً عن محاربة إخوانهم السّلفيّين فليس هذا من شكر الله على نعمته بالمنهاج السّلفي عليهم، بل هو أقرب إلى الكفر بها وهَدْم للسّلفيّة بأيدي السّلفيّين لا يفرح به غير المبتدعة من الفكريّين والحزبيّين والحركيّين والصّوفية والقبوريّة والخرافيّين .
ط ـ والسّلفيّ الحقّ لا يشدّ وسطه (في لفظ ابن تيمية رحمه الله) لشيخه ولا لغير شيخه ولا يوالي فيه أو يعادي فيه، وإنما يتولى الله ورسوله والمؤمنين عامة، ويعادي المشركين والقائلين على الله بغير علم، بصرف النّظر عن انتمائهم، فالنّظر إلى القول والعمل لا إلى مجرّد الدّعاوى، وأكثر الضّالّين يحسبون أنهم مهتدون وهم ممن {ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} كما وصفهم خالقهم سبحانه وتعالى وهو أعرف بهم .
ي ـ والسّلفيّ الحقّ: لا يقيس الإسلام ولا المسلمين بقول شيخه أو فعله فشيخه خطّاء مثل بقيّة بني آدم فلا معصوم من الخطأ في الدّين أو الدّعوة إليه أو تبليغه إلا رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومعيار السّلفي في الحكم ـ كما تقدم ـ نصوص الكتاب والسّنّة وفقه أئمة السّلف الأُوَل فيهما، فالحجّة ليست في رأي شيخه بل في روايته بعد التّثبّت من صحّتها والتّثبّت من موافقة فهمه الآية أو الحديث لفهم الصّحابة رضي الله عنهم ، أمّا من يقول بقول شيخه ويعمل بعمله دون معرفة دليله، وتعظيمه، وقبول من يقبل ورفض من يرفض؛ فهذا أقرب إلى الصّوفي والشّيعي منه إلى السّلفي، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومتبعيه .
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، في 1434/7/3هـ