من سعد الحصين إلى عبد الله بن سعد أبا حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الدّين وفي وطنٍ أُسِّسَ على منهاج النّبوّة في الدّين والدّعوة من أوّل يوم الشيخ/ عبد الله بن سعد أبا حسين، أحسن الله له رزقاً وأسعده في الدّنيا والآخرة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد وصلتني المقالتان وشكرت الله ثم شكرتك على اهتمامك وإطلاعي على شيء مما كتبته في الدّعوة:
1) وجدت الأسلوْبَ راقياً، والموضوْعَ مهمّاً جدّاً لأن أكثرنا لم يعد يهتمّ بالتّميّز الذي منّ الله علينا به بلاداً ودولةً وفوق ذلك ديناً، غير متّبع، أو جاهل بنهي النّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم إمّعة إن أحسن الناس أحسن وإن أساء الناس أساء.
2) أرى – مع ذلك بل بسببه – أن خير وسيلة للدعوة إلى الله: اللغة التي اختارها الله لكتابه وسنة رسوله {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
3) وقد يلقي الشيطان في أمنية الدّاعي إلى الله إذا تمنّى أن يغيّر وسيلة الدّعوة (أو منهاجها) طمعاً في قبولها مما قد يصل إلى الاستدراك على الله ورسوله أو التقديم بين يدي الله ورسوله؛ فالله أعلم بما يَصْلُحُ لخلقه وما يُصْلِحُهُم.
ونعلم علم اليقين أن نوحاً عليه السّلام لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم بلسانهم ليلاً ونهاراً وسرّاً وإعلاناً وما آمن معه إلاّ قليل؛ فليس على الدّاعي إلاّ أن يدعوا بالمنهاج والوسيلة الشرعيّة التوقيفيّة ومن الله وحده الهداية.
4) يبدو لي أن اهتمام أخي الكريم بالأسلوب العصري غلب على بيان الموضوع من مختلف جوانبه، وبخاصّة موضوع التّميّز، وأكثر السّعوديّين (وبينهم بعض الولاة من الوزراء والإداريّين والسّياسيّين فضلاً عن الإعلاميّين) لا يدركون أعظم ما ميّز الله به هذه البلاد والدّولة المباركة منذ القرن الثاني عشر، ألا وهو: تجديد الدّين (بالعودة به إلى ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرات.
لا أعرف بلداً ولا دولة مسلمة بعد القرون المفضلة أُسِّست على ذلك من أوّل يوم غير هذه البلاد والدّولة.
ولا زالت بفضل الله متميّزة على الجميع بأنه لا يبنى فيها مسجد على قبر ولا توجد فيها زاوية صوفية ولا يقام فيها مولدٌ ولا عيدٌ للهجرة وللإسراء والمعراج، ولا يتقرب فيها إلى الله بشرك (ولا بدعة دونه) رغم مطالبة الصّحفيّين والكتّاب المبْتَدِعّة، ولا تزال بفضل الله وحدها تحكم بشرع الله في الاعتقاد والعبادات وجلّ المعاملات.
هذا والله هو التّميّز، وأرجوا الله أن يثبّت ولاة الأمر عليه.
5) وقل مثل ذلك عن (الخصوصية) التي يصعب على مِثْلِي التمييز بينها وبين (التّميّز). أما (الهويّة) فيصعب على مثلي إدراك ما تعني بها هنا، وهذه إحدى مساوئ استعمال لغة جديدة ولو كانت أرقى من لغة الإعلام. وكأنّك ركّزت على من لا يعوّل عليه: هرقل وأبو سفيان في حال شركه وقسّ بن ساعدة.
6) الواضح لي: تميّز هذه البلاد وهذه الدّولة المباركة على البلاد والدّول منذ القرون المفضّلة بما أشرتُ إليه من قبل، أما خصوصيّة النبي صلى الله عليه وسلم فيشاركه فيها الرّسل من قبله (عدا الخمس في الحديث: «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي…» [متفق عليه]، وأنه خاتم المرسلين، وكل ما ثبت بالنّصّ) أما أهم ما ميّزه الله به وخصّه به عن عامّة النّاس، وهو الرّسالة والوحي بإفراد الله بالعبادة ونفيها عمّن وعما سواه فيشاركه فيها كل من سبقه من المرسلين، (مثل كونه على خلق (أَيْ دِيْن) عظيم وأنه أًرْسِل رحمة لمن أرسل إليهم)، وهذا ما قد يلتبس على القارئ فهم المقصود منه.
7) وتذكّرني دعوى غلبة الأسلوب أو الوسيلة على الموضوع أو الغاية بمَثَلٍ يقال عن (هتشنز) تربوي بارز في أمريكا رَأَسَ جامعة شيكاكو نحو ربع قرن ورَأَسَ مجلس إدارة دائرة المعارف البريطانية وغيرها، وأعجبني رأيه: اهتمام الجامعات بالكتب الكبيرة (الصّفراء) لتعليم الناشئة أُسُس المعرفة، وطَرْد الرّياضة والكشّافة والفنون والمهن منها فكان يقال عنه أنه (رسول بلا رسالة).
8) والاسراف في اللفظ والتّقتير في العمل سمةٌ للعرب بل الاسراف معصية (مثل الشرك) لا مُسَوِّغ لها وقال الله تعالى: {إنه لا يحب المسرفين} ولكنها تكاد أن تكون شاملة للغنيّ والفقير، وللعالم والعامّي، وللذّكر والأنثى، وللصّغير والكبير، والأكثرون مصرّون عليها في المسجد والمكتب والمنزل، وهم لا ينتجون ولا يحسنون الاستهلاك. وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه، تعاونا على البر والتقوى وتحذيرا من الإثم والعدوان.
الرسالة رقم/118 في 1428/5/18هـ.