من سعد الحصين إلى سمو الأمير/ تركي بن فيصل آل سعود [الأمن مسؤولية شرعية]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى سمو الأمير/ تركي بن فيصل آل سعود أسعده الله بطاعته والدّعوة إلى سبيله على بصيرة.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فإن الباعث لهذه الرّسالة: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم، كما هو الواجب على كلّ مسلم بنصّ الوحي.

1) نشرت أيدي وألسنة السّوء شائعة تقديم هدية ماليّة إلى بعض علماء الكتاب والسّنّة، في محاولة للوسوسة بأن هؤلاء العلماء (مأجورون)، وبالتالي تنفير النّاس، والشباب (العاطفي) خاصّة، عن علماء الشريعة وضمّهم إلى اتباع النّاعقين بالدّعاية الحزبيّة والحركيّة والفكريّة الموصوفة زوراً بالإسلاميّة.

وبدرجة أقلّ جرت محاولة من المصدر نفسه لتشويه رسالة لكاتب هذه الأسطر تقارن بين منهج الدّعوة النّبويّة ومنهج الدّعوة البشريّة المنحرفة بإشاعة أن الاستخبارات أو أحد القائمين عليها أعاد طبعها.

وما كان للحزبيين والحركيين إلا أن يوسوسوا ويشوهوا وجه الحقيقة، فقضاياهم وحججهم ووسائلهم فاشلة فيما سوى ذلك، ولكن، ألم تكن هناك مندوحة عن تقديم الفرص لهم؟

العلماء والدّعاة الغيورون على دولة ومجتمع التّوحيد والسّنّة ينشرون فضلهما ويذبّون عنهما؛ ديناً يدينون الله به، وليس لمطمع دنيوي، وإلا لما كانوا أهلاً لفضل الله عليهم بانتهاج منهج الحق واليقين في مواجهة تيار الظّنّ والعاطفة، ولما كانوا أهلا للعون المادّي وليس فيهم من هو محتاج إليه.

2) لماذا يتحوّل التعاون بين المواطن الصالح وبين جهات الأمن القائمة على حراسة دولة ومجتمع التوحيد والسّنّة خارجيّاً وداخليّاً إلى شبهة ومسبّة وتهمة بالعمالة النفعيّة؟

يبدو لي سببان:

أحدهما: من داخل الجهات الأمنية، مثل سوء اختيار المخبرين وبالتالي سوء تنفيذهم لمهمّاتهم، وبالتالي سوء سمعة الجهاز الأمني وحاجة العامل فيه إلى (بدل سمعة) ماليّ، وبالتالي عدم جرأة الأخيار من المواطنين على المساهمة في هذا العمل الشرعي.

بل إن الجهاز الأمني يقوم على قاعدة فاسدة مخالفة لشرع الله، وهي اعتبار المواطن عدوّاً! ومتّهم حتى تثبت براءته وإدانته، وغالباً ما ترافق التحقيق وسائل التعذيب النفسي والجسدي غير الشرعية التي ينتج عنها تشويه الحقيقة.

والظّنّ أو الوهم قاعدة غير شرعية يقوم عليها جهاز الأمن في أغلب دول العالم وخاصّة ما يسمّى بالعالم الثالث. وبهذا أصبح العامل في الجهاز الأمني – وهو مؤمّن من العقوبة – يخدم نفسه، ويشاطر المواطن العادي سوء الظّنّ والاحساس بالعداوة، ويغذّي شعور الخوف المتبادل بين الرّاعي والرّعيّة.

وليس بغريب أن يقتنص الحركي والحزبي والطّائفيّ هذه الفرصة لتعزيز مكاسبه، ولكن واجب الراعي والرّعية تفويتها عليه، لا بذلها له، وهذا ثاني السببين.

3) أخيراً وافقت الدّولة – وفقها الله لما يرضيه – على زيادة أثمان بعض الخدمات، لإشراك المواطن في تعديل ميزان الخزينة العامّة، وحثّاً له على الاقتصاد المشروع، وإبعاداً له عن الإسراف والتبذير الذي لا يحبه الله.

ولكن بدا لي أن التوفيق لم يحالف بعض الإجراءات الإدارية لتحقيق ذلك، وخاصّة ما يتعلق بالماء، وهو الأكثر أهميّة لقلّته وتكلفة توفيره ونصِّ الوحي على حرمة الإسراف في صرفه ولو للطّاعة. كان اقتراح إحدى جهات الاختصاص تقديم 30طن شهريّاً لكلّ مواطن بدون مقابل وهي كافية للضرورات الشرعية، ورفع ثمن الماء للشريحة الثانية إلى ريالين للطن مقابلاً عادلاً للتّكلفة وتشجيعاً للمواطن على الاقتصاد في صرفه. ولكن الإجراء الإداري الذي نفّذ أكسب الدّولة سمعة الزيادة في الثمن وقدم مائة طن للشريحة الأولى والثانية التي تشمل أغلبية المواطنين بعشر التكلفة.

4) وفي الختام أرى إعادة النظر في وضع المؤسسات الأمنيّة عامّة، وتخفيف عدد موظّفيها وانتقاءهم على أُسس شرعيّة، وتقليل الحوافز المادّية حتى لا يتقدّم للأعمال الشرعية – ومنها الأمن – إلا الراغب في الخير لدينه وأمته رعاة ورعيّة، والموازنة العادلة بين قرائن الخير والشر في عمل كلّ مواطن بدلاً من الأخذ بقرائن الشر وحدها والتركيز عليها، وجلب مشاركة كلّ مواطن على اختلاف المستويات في حفظ أمن هذا البلد المبارك – الذي ميّزه الله بخير الدّنيا والآخرة – وتحمله لكل المسئوليات وحصوله على كلّ الحقوق التي تناسب ظروفه التي خلقه الله لها، والتّحرّي عن حسناته أكثر من سيّئاته.

وأقل ما يحتاج إليه المواطن في بلد التوحيد والسّنّة زيادة ماله، بل هو أقلّ النّاس قاطبة في حاجته إلى ذلك، فقد وهبه الله من الكفاية المعيشية وقلّة الضرائب ما لم يحصل عليه أحد من جيرانه العرب والمسلمين خارج حدود دول مجلس التعاون الخليجي وأغلب بلاد العالم.

والكثرة مُفسدة على اختلاف أشكالها {كلاّ إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، وهي دائماً في جانب الشرّ {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}، {وقليل من عبادي الشكور}.

وأرجوا الله الذي منّ على الدّولة السعودية الأولى والأخيرة بتميّزها – بعد دولة الاسلام الأولى – بالقيام على نشر التّوحيد والسّنّة ومحاربة الشرك والبدعة، أن يثبتها على دينه وشرعه، ويجعلها قدوة للمسلمين في كلّ مكان وزمان، ويحفظها من كل صاحب فتنة وبدعة وشرّ، ويحفظ عليها أمنها وإيمانها، ويوفقكم لنصر دينه وأهل دينه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. تعاونا على البر والتقوى، وتحذيرا من الإثم والعدوان.

الرسالة رقم/ 179 في 1415/9/27هـ.