من سعد الحصين إلى محمد بن ناصر العبودي [4]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الدّين وفي وطن الدّعوة مِنْ قَبْل ومن بعد، الشيخ/ محمد بن ناصر العبودي وفقه الله لخدمة دينه، ونصر به السّنّة، ودحر به البدعة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فجزاكم الله بهداه وتوفيقه وثوابه على رسالتكم في 1420/1/18 وكتبكم الكريمة أكرمكم بما أكرم به خير خلقه من الاصطفاء للدّعوة إليه.
ولأنّك ذكرت رسالتي في 1419/11/7 خشيت أنك لم تجد ملحقها في 1419/12/16؛ فإليك نسخة منها، وكان لك الفضل على إخوتك (منذ كتبت عن أفريقيا الخضراء بل منذ الأمثال الشعبية): ابراهيم وصالح وسعد وعبد الله، وإن لم ينسك أبو محمد رحمه الله مع محبته لك (كما لم ينس الوالد الشيخ عبد العزيز مع محبته له) من الأوصاف (كما تظنّ)، ووصفه لك يليق بك من حيث خفة الدّم وإن لم يشمل الحقيقة: (ملهّي الرّعيان) أذكر ذلك الآن حتى أتيح المناسبة ليحصل على عفوك ومسامحتك وتحصل على أجر ذلك من الله، وكلاكما أهل لذلك.
ولكنّ واجب شكر الله على منّته علينا ببلد ودولة أسِّسَت على الدّعوة إلى الله على بصيرة من أوّل يوم (وهو مالم يحدث مثله لأحد منذ القرون المفضّلة) وبوظيفة رسمية للقيام بذلك (كمثل أمّ موسى عليهما السّلام ترضعه وتؤجر عليه)، يقتضي أن نسخّر مواهبنا لشكر هذه المنّة قولاً وعملاً، أعاننا الله على ذلك.
وإليك مقالة عن (حرية التجارة)(1) وأخرى عن (التوقّعات والنتائج)(2) وثالثة عن (الرخاء)(3) اتّخذتها مقدمة لنتيجة أعظم منها: التذكير بشرع الله.
وكما ذكرت لك من قبل: يمكن الجمع بين الفكاهة والطرفة والمرح وأدب الرّحلات وبين الدّعوة إلى الله على بصيرة وبين ما تهوى الأنفس من المباحات وبين ما وظّفنا الله له وخلقنا من أجله.
واستمتاعي بجميل وظريف وصفك ودقّة ملاحظتك لم يشغلني التّنبيه إلى ما رأيته محوجا للتّنبيه، مع أنّ بعض ملحوظاتك العاديّة أعادت إلى ذاكرتي: كآبة (ليما) وأنس (بوينوس أيرس) وجمال ورخص المتاع والأنفس في جنوب أفريقيا، بل والشّعور بحضور الجنّ في (كلكتا) (جعل الله كلامنا خفيفاً عليهم).
وبالمناسبة لم أرك ذكرت مكانين رأيتهما أجمل ما خلق الله على هذه الأرض: ملتقى إيطاليا مع سويسرا (كومو ولوكانوا) زرتهما عام1381 ثم عام1408 ضمن جولة بالسّيّارة في أوروبا فلم أر في أوروبا أجمل من هذه المنطقة، وشلاّلات (نياكرا) من جهة (كندا) خلال رحلة تخييميّة في أمريكا وكندا بالسّيّارة من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق ومن أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال امتدّت 3 أشهر و13 يوماً، فلم أر أجمل منها في أمريكا الشّماليّة. ولكنّي لا أرى أن الإسلام يستفيد بوجوده في مثلها ولو أن الله جميل يحبّ الجمال؛ فقد اختار لبيته وخير رسالاته وادياً غير ذي زرع بين جبلين من الصّخر الأصمّ: {ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة…} فإنّ جنّتهم في الدّنيا، والله لا يضيع أجر عامل للدّين أو للدّنيا: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤتها منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} جعلنا الله وإياكم من العاملين لدينه وجعل ما أعطانا جميعاً عوناً على طاعته.
أكرر شكري لأخي الكريم على سعة صدره واهتمامه برسائل أخيه وإن كنت أودّ أن تصنف تحت (الدّعوة إلى الله على منهاج النبوّة) لا تحت الفكر ولا تحت النقد.
جزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1)
(2)
(3)
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه- الرسالة رقم46 في 1420/1/24هـ.