من سعد الحصين إلى مقدّم برنامج [وجها لوجه – على الهواء مباشرة] تلفزيون المملكة المباركة

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الدّين/ مقدّم برنامج (وجهاً لوجه – على الهواء مباشرة) تلفزيون المملكة العربية السّعودية، وفقه الله لطاعته وبلغه رضاه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمّا بعد: فقد تابعت قسماً من برنامجكم المعاد هذا اليوم عن الإرهاب. وبدت لي ملاحظات أرجوا الله أن ينفع بها ولا يكل إليها:

1) الأمر عظيم والمسئولية مشتركة كما تفضلتم جميعاً، ولابدّ لكلّ من ميّزه الله على عباده بالمواطنة في بلاد التّوحيد والسّنّة والقداسة والبركة أن يساهم في الاهتمام به، وقى الله الجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن وأصلح فساد قلوبنا وجوارحنا: {فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}. والاسراف والربا على كلّ مستوى من أهمّ الأسباب.

2) بعض الحلول التي طرحت منطقيّة ولكنّها خياليّة في الوقت نفسه: لن يقدّم التّعليم أيّ حلّ يذكر من حيث أنّ حلوله بطيئة وأنّه لا يوجد من يعلّق الجرس ولا أحد يعرف كيف يعلّق الجرس. النظام التعليمي تقليديّ من أساسه لا يمكن أن يخرج عن الطريق المحفور له بأي قدر من الفعاليّة، وتأثير الطالب به سلوكيّاً ضئيل جدّاً إن وجد.

3) لفت نظري أمر قليل لأهمّيته ولكن له دلالة كبيرة: ديكور الاستوديو الذي نُفّذ فيه البرنامج يذكّرني بصفّ في روضة الأطفال الخاصّة أو بعض صالات الملاهي بأضوائه الملوّنة للزّينة لا للمنفعة، وقد يصلح لبرنامج هزليّ للتّسلية ولكنّه لا يصلح لبحث هذا الأمر العظيم بعلاقاته الدّينيّة والدّنيويّة وأثره البالغ في حاضر الأمّة ومستقبلها.

بل قد يوحي للمشاهد أن البرنامج لا يخرج عن النمط التقليدي المريض للإعلام في البلاد العربية: سداه ولحمته التظاهر والتمثيل.

4) ولفت نظري أمر عظيم الأهمّية أجنبي عن الإعلام التقليدي: طريقة (إياد مدني) في التّعبير عن رأيه ببساطة وتواضع وعفويّة تجذب المشاهد وترغّبه في الاهتمام بالرّأي المعروض للنّقاش.

وتذكّرت مواطناً آخر من زملائنا الذين ميّزهم الله بالدّعوة إلى سبيله على منهاج النبوّة (وليس على منهاج الفكر الاسلامي المبتدع) له نفس القدرة على عرض القضيّة الشّرعيّة بالأسلوب نفسه: الشيخ عبد الله القصيّر مستشار في مكتب وزير هذه الوزارة وإمام مسجد شارع صيته شرق الرّياض.

وأعتقد أنّ هذا الثنائي من خير من يعهد إليه بحث هذا الأمر العظيم بصفة مستمرّة في الإذاعة والتّلفزيون والمسجد.

5) كلّ مواطن مسئول عن الأمن شرعاً وعقلاً في بلادنا المباركة التي ميّزها الله بنشر التّوحيد والسّنّة يوم بعث فيها آخر رسله ورسالاته، ويوم جدّد فيها الدّين على يدي محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود وعبد العزيز بن محمد وسعود بن عبد العزيز، ثمّ يوم جدّد فيها الدّين على يدي عبد العزيز بن عبد الرّحمن آل سعود والمصلحين من العلماء والأمراء إلى هذا اليوم بفضل الله وكرمه.

ولكن سمعة الأجهزة الأمنيّة في البلاد العربيّة جميعاً، (خطأً أو صواباً) جعلت أغلبيّة المواطنين ومنهم أكثرية طلاّب العلم ينظرون إلى هذه المسئوليّة ووجوب حملها مع وثيقة الجنسية واحتضانها وشكر الله على ذلك دون انتظار مقابل مادّي بل لتحقيق ما هو أعظم: المحافظة على نعم الله علينا بالدّين والدّنيا واصطفائنا قدوة صالحة للمسلمين في كلّ مكان.

6) خُطَب الجمعة، هذه العبادة العظيمة، صُرِفت عن وجهها وطبيعتها التي شرعها الله عليها لتعليم المسلمين دينهم وتذكيرهم بالله وباليوم الآخر، إلى الفكر والظّنّ والعاطفة والتّحليلات السّياسية السّاذجة المبالغة، وإلى جعلها نشرات إلحاقية لوسائل الإعلام.

لم يُذكر مرّة واحدة من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه تكلّم في خطبة الجمعة عن حادث أو طارئ ألمّ بالأمّة على كثرة ما ألمّ بها، ولم يتكلّم مرّة واحدة عن مناسبة مثل الاسراء والمعراج ولا عن غزوة من الغزوات من قبل ولا من بعد، ولقد شهدت أمّ هشام بنت حارثة رضي الله عنها أنها سمعت خطبته سنتين أوسنة ونصف فكان يخطب بسورة {ق} كلّ جمعة، وعلى هذا سار الأئمّة في القرون المفضلة بل حتى بداية القرن المنصرم يوم جاء الفكر الاسلامي المنحرف والمجاعات والأحزاب الاسلامية الضالّة عن منهاج النبوّة.

ولا أشكّ أن خطباء الجمعة العصريين هم أهمّ دعاة الفتنة.

فيجب إذن: العودة بخطبة الجمعة (وهي الدرس الدّيني الوحيد الذي يسمعه أكثر المسلمين) إلى شرع الله وسنّة رسوله. وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه. تعاوناً على البر والتقوى وتحذيراً من الإثم والعدوان.

الرسالة رقم71 في 1417/2/23هـ.