من سعد الحصين إلى أبي نعمان دلوان خطيب جامع التوحيد في دوما
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي في الدّين/ أبي نعمان دلوان، خطيب جامع التوحيد في دوما – سوريا، وفقه الله لطاعته وثبته على سنّة نبيّه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد: فلقد فرحت عندما علمت بأنكم أنتم الذين خلفتم أخانا الشيخ/ عبد الله علوش بارك الله فيه وفيكم وفينا جميعاً على منبر الدّعوة الأول والأهم: خطبة الجمعة لأني أسمع عنكم من صلاح المعتقد والالتزام بالسّنّة ما يسرّ.
حمدت الله وشكرته ودعوته لكم بالتوفيق والتّسديد والتثبيت على منهج النبوّة في الدّين والدّعوة إليه.
وتعلمون يا أخي الكريم أن خطبة الجمعة جزء من الصلاة لا تتم صلاة الجمعة إلا بها في رأي جمهور العلماء، إذن فلا يجوز أن تحتوي إلاّ على اليقين من كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن تربط بالمناسبات الدّينيّة ولا الدّنيوية ولا يجوز أن يتكلم فيها الخطيب بالظّنّ وهو «أكذب الحديث»: و{لا يغني من الحق شيئا}، ومن الظّنّ ما يرد من أخبار في الإذاعات والاشاعات والجرايد: {يا أيها الذين ءامنوا إن جاء فاسق بنبأ فتبيّنوا}.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت: (كان تنّورنا وتنّور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً عامين أو عاماً ونصف، وما أخذت {ق*والقرآن المجيد} إلا من فيه كان يقرؤها كل جمعة على المنبر)، ولم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تكلم في خطبة الجمعة مرة واحدة عن الأمور الطارئة على أهميتها مثل غزوة بدر وأحد والأحزاب وتبوك والحوادث الأخرى التي حدثت في عصر النبوّة، ويقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (وكان مدار خطبه على حمد الله والثناء عليه بآلائه وأوصاف كماله ومحامده، وتعليم قواعد الاسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه)، وهذا كله تتضمنه سورة {ق}.
نعم.. لابدّ أن تناسب الخطبة العصر والحاجة، ولكن أهم حاجة في كلّ عصر: التوحيد ونبذ الشرك والكفر، والسنة ونبذ البدعة والخرافة، والتخويف من الموت وما بعده، والجانب المقبول شرعاً مراعاته في اختلاف الزمان والمكان: تعليم الحج في موسمه والصيام في موسمه والاستسقاء ونحوه مما تضمنته الشريعة.
أما حديث الشائعات واللغو السياسي وتهييج الناس بالبلاغة والبيان والقصص وإثارة الفتن أو الولوغ فيها فليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ابتدعه دعاة وخطباء هذا القرن الأخير لفشوّ الجهل بالسّنّة واستفحال الاعتماد على ما يسمى بالفكر الإسلامي أو الثقافة الإسلامية أو الحركية أو الحزبية الإسلامية، والالتزام بالدّين أو الدّعوة إليه لا يقوم إلا على الوحي من كتاب الله وسنة رسو الله صلى الله عليه وسلم وفقه علماء الأمة في القرون الثلاثة.
ولقد ذمّ الله سبحانه وتعالى التّعبّد له بغير ذلك: {إن يتبعون إلا الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}، والظنّ والعاطفة يهيمنان اليوم على الخطباء والدعاة في عصر ما سمّي بالصّحوة الإسلاميّة، وليس في مصادر الشريعة كلمة صحوة ولا إسلامي ولا إسلاميّة ولا فكر ولا ثقافة، وتغيير الأسماء لم يأت عبثاً وإنما أوحى به الشيطان ليلائم تغيير المسمّيات، والله يقول: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}. وفقكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.
الرسالة رقم56 في 1414/4/27هـ.