من سعد الحصين إلى عبد العزيز الخويطر {إنّه لا يحب المسرفين}

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى معالي الدكتور/ عبد العزيز الخويطر وزير الماليّة والاقتصاد الوطني وفقه الله لطاعته ورضاه.

أما بعد: فقد اتصل بي أحد الاخوة ليبشرني أن وزارة المالية وضعت أمانة في يديك لأنه يعرف ما أحمله من همّ وخوف من أن ينزع الله نعمه علينا بسبب الاسراف في تبذيرها، ويعلم أنني أضعك في المرتبة الأولى بين ندرة من المواطنين الذين أدعوا الله أن يصلح بهم هذا الفساد بما عهدته في تدبيرك لحياة الأمة، وحياتك الخاصة، من تحكيم للشرع والعقل.

وقد مرّت المملكة حفظها الله قدوة للمسلمين في دينهم ودنياهم بحال مماثلة – نوعاً وإن لم يكن كمّاً – بالحال التي تمرّ بها الآن، واختار الله مساعد بن عبد الرحمن رحمه الله لإخراجها مما كانت فيه. واليوم يختارك الله – على غير رغبة منك – لهذا الأمر العظيم وأرجوا الله أن يعينك على حمل الأمانة وهي فرض لا يجوز لك أن تتخلى عنه، وأنت له أهل، وقلّ المتأهّلون له:

1) أنا أخاف على استمرار نعم الله من الإسراف لأن الجميع واقع فيه: على المستوى الرّسمي والشخصي، من العالم والعامّي، من الذّكر والأنثى، ومن الصغير والكبير، ومن الغنيّ والفقير. أما بقية المعاصي فيقدم عليها عدد من الناس ويتركها عدد، وفاعلها يتستّر عن أعين النّاس، وتدفعه الغرائز الطّبيعيّة إليها، أما الإسراف فهو مثل الشرك لا تدفع إليه غريزة.

والإدارات والمؤسسات الدّينية لا تقلّ عن غيرها، بل تزيد، كانت رئاسة البحوث والافتاء والدّعوة والإرشاد تذهب إلى الطائف – للاصطياف – بأكثر من 230 موظّف وشلّ العمل ماليّاً وإداريّاً في الرّئاسة، بينما كانت وزارة المعارف جزاكم الله خير الجزاء تذهب بخمسة عشر إلى ثلاثين موظّفاً والوزارة أكبر من الرئاسة عشرة أضعاف.

كثرة الموظّفين في الإدارات والمؤسّسات تعطّل العمل اكثر مما تخدمه، وقد تذكرون إحصائية معهد الإدارة: أن المملكة تشغّل ما بين 8 إلى 16 لكل موظّف تشغّله تونس وسوريا والأردن في التعليم والصحّة، قد يناسب هذا العمل مصر حيث لا عمل ولا عمال من الخارج، ولكن لا يجوز تقليدها فيه.

كان للوزارات وكيل واحد، واضطرت وزارة المعارف قبل بضع وثلاثين سنة إلى تعيين وكيلين لحلّ إشكال شخصي وقبلي أو جغرافي، وعندما أعلن وزير البترول (الثاني) وفرة المال وحث الإدارات الحكوميّة على الصّرف – وهي المعصية الأولى في مسيرة الإسراف الحاليّة – بدأت الوزارات في تخيّل الحاجة إلى عدّة وكلاء وعدّة مساعدي وكلاء. والنتيجة كسب شخصيّ أو مظهريّ وزيادة في الإنفاق بلا ضرورة، فالمطلوب: وكيل واحد ينوب عن الوزير في غيابه. ويمكن أن يقال مثل ذلك في شركات النظافة والأمن والصيانة وغيرها.

2) قبل عام كتبت إلى سموّ الأمير أحمد بن عبد العزيز وفقه الله بأن موظفي الأمن في المكاتب الثقافية في الخارج يعوقون العمل والدّعوة والسّمعة الطّيّبة للمملكة أكثر مما يخدمونها، وقدمت مقارنة بين المكتب الإيراني والمكتب السّعودي والفرق الذي أحدثه وجود موظّفي الأمن في المكتب السّعودي بلا حاجة إلاّ تقليد سفارة احتاجت إليهم مرّة، وقد ألغي قرار إيفاد رجال الأمن للمكاتب الثّقافيّة في الخارج بفضل الله.

3) لقد حاولت أن أقدّم بنفسي مثالاً ضعيفاً: فقضيت بضعة عشر سنة في عملي الحالي أستضيف العمل في بيتي مع أن الجهة المختصّة في الرئاسة تعرض إمكان استئجار منزل باسم مستودع (لسكن مدير المكتب) مخالفة للنّظام.

وبقيت 22 سنة في المرتبة نفسها لم أسع إلى ترقية ولم أحصل عليها، وأرفض الأدوات (الكماليّة) التي يتفاخر بها موظّفو اليوم، وأرفض السّلفة الماليّة ونفقات المتفرقة وما فوقها، وليس معي في العمل غير سائق لشاحنة صغيرة لنقل الدّعاة والكتب والإعانات.

وأكبر همّي: تنفيذ منهج النّبي صلى الله عليه وسلّم في الدّعوة: أن تكون على بصيرة من كتاب الله وسنّة رسوله وفقه الأئمة في القرون الثلاثة لنصوصهما، وأن تقتصر على تعليم التّوحيد والسّنّة في العبادات والمعاملات والتّحذير من الشرك والبدعة بأيسر سبيل: حلقات الدّرس في المساجد والبيوت والمجالس العامّة، وقد نبّهت زملائي مديري المكاتب إلى وجوب الموازنة بين النقص في المظهر والنفقة لتحقيقه وبين الدّعوة على منهاج النبوّة.

وقد تعلمون أنني تنازلت عن مكتبي في الوزارة عندما كنت مديراً عامّاً للتّعليم الثانوي – عندما جاء أحد مديري المدارس الثانويّة في الرّياض يطالب بمكتب في بداية (الطفرة) أي الاسراف، وبقيت بدون أثاث مكتبي حتى تركت العمل في التعليم العصري واخترت التعليم الشّرعي: الدّعوة إلى الله بلا مكتب ولا أثاث ولا موظّفين.

وأنا على يقين أنني لم أكن لأحقق وأؤدي الأمانة على وجه أفضل بكل المظاهر التّقليديّة.

4) كنت اقترحت على اللجنة العليا للإعلام: أن توقف الدّعاية في وسائل الإعلام الخاصّة والعامّة للمنتجات المستوردة وكلّ ما نستهلكه مستورد فليس من مصلحة المواطن ولا الدّولة التشجيع على الاستهلاك بل هو أقرب إلى المخالفة للشرع والعقل.

5) وكتبت للجنة العليا للإصلاح الإداري مقترحاً تحميل نفقات اللهو الرّياضي والفنّي والجمالي من يريدها من المواطنين.

6) وكتبت لمدير عام مؤسّسة الخطوط السّعوديّة قبل عشر سنوات وقبل سنة راجياً تحويلها إلى شركة تجاريّة لخفض النّفقات وتخفيف الإسراف وتحسين الخدمة.

7) وأتمنى عند تنفيذ مسجد في الداخل أو الخارج بتمويل حكومي ألا يبنى له أكثر من مئذنة ولا تضاف له زخارف ولا مباني لا يستفاد منها: {يا أيّها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} والسّرف: ما زاد عن الحاجة.

والقبّة في المسجد تقليد كنسي بيزنطي أجنبي عن الإسلام وتكلفة القبّة والمئذنة تبني مساجد وكلّ إسراف وراءه حقّ مضيّع.

آسف لما أخذت منك من وقت، ولكن فرحي بأمر تعيينك دفعني إلى اغتنام المناسبة للاتصال بك، وكالعادة: لا أهنئك ولكن أهنئ وزارة الماليّة والمملكة بك.

سدّد الله خطاك وأعانك على حمل أمانتك وعوّضك الله خيراً في وقتك وراحتك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.

الرسالة رقم116 في 1416/5/18هـ.