من سعد الحصين إلى صالح السليمان الفوزان

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الله الشيخ/ صالح السليمان الفوزان سلمه الله من كل شر وقدّر له الفوز بجنّات النعيم.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فأرجوا الله لكم خير الدّنيا والآخرة. وقد اطلعت أخيراً على رسالة منكم قبل أربعة أشهر برقم686/8/99 في 1406/10/25 للوالد الشيخ عبد العزيز بن باز عما كتبته جريدة البيان من دبي عن الشيخ ناصر الدّين الألباني والسّلفيّين عامّة، ولا بدّ أنّ الوالد الشيخ كتب لكم في هذا الموضوع مبيّناً لكم ما قد أكرّره هنا ولكنّي وجدتها فرصة للسّلام عليكم والتّعرف بكم ولو كتابياً ولشكركم على اهتمامكم بالمحافظة على هذا الدّين زادنا الله وإياكم محافظة عليه في أنفسنا ومن حولنا.

ولكن أبعد ما كتبته الجريدة عن الصّواب فالشيخ الألباني يقول عنه الشيخ/ عبد العزيز بن باز: لم أر في أهل الشام قاطبة أكثر تمسّكاً بالعقيدة الصحيحة من ناصر الدّين الألباني وبهجت البيطار، ولعل الشيخ ذكر لك في ردّه على رسالتك كتابيّاً أو مشافهةً: أنه لم يخدم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذا العصر من المسلمين قاطبة أحد كالشيخ الألباني، ولكن المتصوّفة والقبوريّين حرب عليه يتهمونه بالوهابيّة والتطرّف لأن عقيدتهم وعبادتهم تقوم على الجهل والخرافة والبدعة والانحراف عن منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللأسف ساد الانحراف في العالم الاسلامي حتى شمل أكثر المسلمين واعتُبِر التّمسّك بالسّنّة تطرّفاً.

وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النّار إلاّ واحدة وهي المتمسّكة بسنّته وسنّة أصحابه سلف هذه الأمّة.

ويهمّ الخرافيّين ألاّ يُحذَّرَ المسلمون من منهجهم؛ فترون الإشارة فيما ذكرته الجريدة إلى (استئصال كلّ واعظ أو خطيب يلوّح بالشّرك أو يريد إدخال الشعب في متاهات الرّدّة) أي كما فعل محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عندما قاتل بسيف الدّولة السّعوديّة عبّاد القبور من المسلمين وهدم الأضرحة المبنية على قبور الصحابة والأولياء أو من يدعي القبوريّون أنّهم أولياء.

وتعليقاً على الملاحظات المرفقة برسالتكم أودّ التنبيه لما يلي:

1) لم يَدْع الألباني إلى إزالة قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنّما تمنّى في رسالة: (تحذير السّاجد من اتّخاذ القبور مساجد) أن يفصل القبر عن المسجد الأمر الذي حرص عليه الخلفاء الرّاشدون عند توسعتهم للمسجد فجاءت التّوسعة في عهد عمر رضي الله عنه ثم في عهد عثمان رضي الله عنه فيما عدا الجهة الشّرقيّة حتى لا يدخل القبر في المسجد استجابة لتحذير النبي صلى الله عليه وسلّم المسلمين لحظة موته من مثل ذلك: «لعن الله اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» قالت عائشة رضي الله عنها بعد روايتها هذا الحديث «يحذّر ما صنعوا» وفي موضع آخر «ولولا ذلك لأبرز قبره» وبعد ذهاب الخلافة الرّاشدة ومجيء الدّولة الأمويّة أمر الوليد بن عبد الملك بإدخال الحجرات في المسجد وحدث ما يخشاه كلّ ذي عقيدة صافية من تزيين القبر وتوجّه بعض المسلمين إليه في الدّعاء وحرص بعضهم على الصّلاة إليه والتّسابق إلى دكّة الأغوات لاستقباله في الصّلاة حيث تمتلئ الدّكّة بالمصلّين وبعض الصّفوف الأول أمامها ناقصة أو خالية، وقام البعض بالطّواف حوله، وبعد أن بنى المبتدعة القبّة فوق القبر منذ مئات السّنين اعتبرت القبب من العلامات البارزة في المساجد مع أنّها أخذت في الأصل من الكنائس البيزنطيّة الكافرة.

2) الذّهب ليس حراماً إطلاقاً في رأي الألباني وإنما يرى حرمة الذّهب المحلّق في زينة المرأة استشهاداً بأكثر من حديث صحيح عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد سبقه بقرون من رأى هذا الرّأي من علماء المسلمين، وقد نختلف معه في هذا الأمر حيث يرد الاختلاف بين السلف ولا خطر في ذلك على الدّين أو على المسلمين، الخطر العظيم المحقّق يأتي من جهة الاختلاف على العقيدة التي لم يختلف فيها السّلف رحمهم الله ورضي عنهم وإنما أحدث الاختلاف الجهلة من الصّوفيّة والقبوريّين هدانا الله وإياهم أو الزّنادقة والملحدون ممن تسمّوا بالإسلام وزاغوا عن هداه قاتلهم الله.

3) الألباني شيخ أهل الحديث في هذا العصر وعلى هذا فهو أولى من غيره بمعرفة قدر المحدّثين، هو ناقد يبيّن درجة الحديث على نهجهم وبالمقاييس التي وضعوها ويعتبر البخاري ومسلم رحمهما الله شيخي أهل الحديث على الإطلاق وهذه مؤلفاته تشهد على ذلك.

4) لا ينكر أتباعه في سوريا ولا في غيرها فضل أصحاب المذاهب ولكنهم ينكرون التمذهب (مطلقاً) بصرف النّظر عن الدّليل من الكتاب والسّنّة.

5) الشيخ/ الألباني كان أستاذاً بالجامعة الاسلاميّة بالمدينة ويمكنكم معرفة سبب انتهاء عمله فيها من الجامعة نفسها أو من الشيخ/ عبد العزيز، ولا أهمّية لذلك على أيّ حال.

أرجوا التفضل بإعادة النّظر في معلومات السّفارة عن هذا الموضوع لأنه شريك لنا ولكم في بضاعة العقيدة الصّافيّة التي قامت عليها بفضل الله الدّولة السّعوديّة وإن لم تأخذ برأيه في بعض أحكام العبادات والمعاملات وقد حدث الاختلاف في بعض هذه الأحكام في زمن الصّحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم ولم ينقص من قدرهم.

وفقكم الله وسدّد خطاكم ونوّر طريقكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ملاحظة: تجدون مع هذه الرّسالة رسالة تبيّن موقف السّلفيّين من الأئمة الأربعة.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.

الرسالة رقم29 في 1407/2/25هـ.