من سعد الحصين إلى عبد العظيم بدوي [1] [ملحوظات على مؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الدّين/ عبد العظيم بن بدوي عظّم الله قدره في الدّارين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد تصفّحت مؤلّفكم الأخير وشكرت الله ورجوته زيادة توفيقكم ودوامه، وثباتكم على الحقّ والدّعوة إليه على بصيرة.
وحمدت الله على أن التّأليف لا يعوقكم عن الدّعوة المباشرة بل هو نتيجة لها، وإلا فإني عادة لا أرحّب بالمؤلّفات الجديدة فلم يترك الأول لآخر حاجة إلى ذلك.
ولأنك تعرف رأيي في منهاجك وأني أعدّك نعمة من الله عليّ تسدّ ما أعجز ويعجز عنه الكثيرون من الدّعاة عن سدّه فسأكتفي ببعض النقد:
1) (حقوق الطبع) قانون غربي تجاري لا صلة له بشرع الله ولا يجوز في رأيي تقييد العلم الشرعي به.
2) التّقديم للمؤلِّف والمؤلَّف، بدعة أخرى لم يعرفها السّلف، وما هي إلاّ تزكية للمؤلِّف بطلب منه وكأنه يزكي نفسه ودعاية للمؤلّف ككلّ بضاعة للتّجارة الدّنيويّة وتزيد في النّفقة بلا حاجة فهي من الإسراف في الطّيبات الذي لا يحبّه الله.
3) لغة متأخّري المؤلِّفين صحفية أكثر منها شرعية كما يليق بطلاب العلم الشرعي(وأنت ولله الحمد من خيرهم) ولكن تمر بعض الجمل التي لم يتضمنها كتاب الله ولا سنّة رسوله ولا فقه الأئمة في القرون الثلاثة، وكان شيخنا عبد الرزاق عفيفي رحمه الله يحذّرنا من الوقوع فيها. ومن أمثلة ما ورد في (الأربعون المنبرية):
يقول القرآن، يحدثنا القرآن.
والقرآن: قول وحديث، والقائل هو الله سبحانه وتعالى.
و: تحدى الله فرعون.
والتحدّي يكون من النّدّ للنّد وإن تفاوتت قدراتهما، تعالى الله عن النّدّ.
و: موسى، المؤيّد بقوّة السّماء.
والسّماء من مخلوقات الله ليس لها ولا لمن فيها من مخلوقات الله قوة إلاّ به.
ونوع آخر: الحكم على أمر لا يمكن التأكد منه: تبعاً لبعض المفسرين: مثل تأخير يعقوب عليه السلام الدّعاء إلى السّحر، ولنا في اليقين ما يغني عن الظّنّ: {والمستغفرين بالأسحار} وحديث النزول دلالة على فضل هذا الوقت من الليل، ولكن الله وحده يعلم متى استغفر يعقوب لبنيه: فوراً أو في السّجود أو في السّحر، والفسرون غير معصومين من الرّأي والظّن، والفيصل الآية أو الحديث الصحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم.
4) مناسبة معجزات الأنبياء لعصورهم: السحر لزمن فرعون والطب لبني إسرائيل والاعجاز اللغوي للعرب، ولو استطردنا فهل نقول بأن الناقة لثمود لحبهم للإبل أو الحليب؟ والمائدة لبني اسرائيل لتميّزهم بحبّ الأكل؟ الخ… أظنّ هذا اسرافاً في القول يجب أن ينزّه تفسير كلام الله عنه إن لم يكن ورد فيه نص صريح صحيح.
5) معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم: الوحي.
والله يقول: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيّين من بعده}، ويقول: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم}، وتختلف أو تتميّز الآية عن المعجزة بأن الأولى تأتي غالباً بالطلب حالاً أو مقالاً، وأن الأولى تقترن غالباً بالتّكذيب والعذاب: {فظلّت أعناقهم لها خاضعين} وهذا يفسّر حديث: «وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة» فالآية أكثر ملازمة للانقطاع، والوحي أكثر ملازمة للاستمرار. ولكنّ تدبّر كلام الله غنيّ عن التكلّف: {ولقد يسّرنا القرآن للذّكر فهل من مدّكر}.
6)يقول الفيروزآبادي: ومذهب أهل السّنّة…
ألا ترون من الخير ربط طالب العلم الشرعي بأئمة الهدى في القرون الثلاثة وبالموقّعين عنهم بعدها؟.
7) في الحاشية تذكر أحياناً هذا الحديث سبق تخريجه ولا تذكر الصفحة ليسهل عودة القارئ إليه، والأولى إعادة التخريج فلن يزيد في عدد الأسطر ولا النفقة.
8) في الفهرس: آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلّم ص347، والصحيح: ص349، وفي رأيي كان الأولى ذكر حديث أبي عبيدة: آخر ما تكلّم به النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن شرار الناس الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» تحذير السّاجد21.
9) من مميّزات الكتاب وهي كثيرة بفضل الله أنه يصلح قدوة حسنة للخطباء لأنه يعتمد على اليقين بدل الظّنّ غالباً والاقتصار على القصص الحقّ الموحى بها، وعدم الانشغال بالطوارئ والحوادث مهما عظمت اقتداء بسنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الخطبة، ولكن خطب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانت أقصر و: «قصر خطبة الرجل وطول صلاته مئنّة فقهه».
وفقكم الله، وثبّتكم بالقول الثابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.
الرسالة رقم227 في 1417/8/10هـ.