من سعد الحصين إلى مدير إذاعة القرآن الكريم بالرّياض [4] [ملحوظة على توجيه الشباب الدّعاة]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الدّين وفي بلاد أُسِّستْ من أوّل يوم على منهاج النّبوّة في الدّين والدعوة/ مدير إذاعة القرآن بالرّياض وفقهم الله لطاعته ونصر بهم دينه وسنّة نبيّه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أمّا بعد: فقد استمعت إلى إذاعة القرآن عصر الإربعاء 1426/12/25 وتوجيهكم الشباب – الدّعاة بخاصّة -، وشكرت الله ثم شكرتكم على اهتمامكم بهذا الأمر، ورجوت الله أن يزيدكم توفيقاً وأن يدلّنا وإيّاكم على الحقّ وأن يثبّتنا وإيّاكم عليه ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين.

ولِفَرَحِي بمثل هذه الحلقة من الذّكر وإعجابي بأكثر ما ورد فيها رأيت إبداء ملحوظة حول بعض ما ورد عن خطبة الجمعة:

1) خطبة الجمعة عبادة فرضها الله على عباده لتعليمهم وتذكيرهم بالله وآلائه وأيامه وتعليمهم أمر دينهم، ولا يليق بها إلاّ اليقين من الوحي والفقه فيه من أهله – أهل القرون المفضّلة بخاصّة -.

2) وتكرار الخطبة سنّة سيّد ولد آدم يدلّ على ذلك ما ثبت في خُطَبِه وأقواه – فيما أعلم – ما رواه مسلم من حديث أمّ هشام بنت الحارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: «كان تنّورنا وتنّور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة وما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كلّ جمعة على المنبر إذا خطب النّاس»، وما رواه مسلم عن جابر بن سمرة قال: «كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً يقرأ القرآن ويذكّر النّاس».

3) قال ابن القيّم رحمه الله في زاد المعاد- 1/423 – تحقيق الأرناؤوطيّين – عن خطب النّبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة: (إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار)، (ومن تأمّل خُطَبه وخُطًب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرّبّ جل جلاله وأصول الإيمان الكلّيّة) 1/424.

وقال الصّنعاني (في سبل السّلام 2/49) عن خُطَب النّبي صلّى الله عليه وسلّم: (وكان يُعَلّم أصحابه في خطبته قواعد الاسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم… ويَذْكر معالم الشرائع في الخطبة والنّار والميعاد)، (وكانت محافظته [على الخطبة بسورة {ق}] اختياراً منه لما هو أحسن في الوعظ والتّذكير، وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة) 2/50.

4) وعلى هذا جمهور فقهاء الأمّة، حتى جاء الأفغاني ومحمد عبده من فرنسا ليجدّد الدّين بالفكر الموصوف زوراً بالإسلامي كما حاول المفكّرون قبلهم تجديده بالفكر اليوناني (إقرأ إن شئت تفصيلاً – الحكم بما أنزل الله فرض عين على كلّ مسلم ص73-78).

5) والتّكرار والتّرديد مما شرعه الله للدّعاة إليه في كتابه وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلّم كما قصّ الله في القرآن من نبأ فتنة الشيطان آدم وزوجته، ونبأ موسى وفرعون، ونبأ صالح وثمود وغيرهم مراراً وتكراراً في سُوَرٍ متتابعة ومتفرّقة، وكما كرّر الله الآية الواحدة في السّورة الواحدة.

وكما كرّر النبيّ صلى الله عليه وسلّم الخطبة بسورة {ق}، وكرّر: «إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه…» من خطبة الحاجة، وكرّر: «أمّا بعد: فإن خير الحديث كتاب الله…» فيما رواه مسلم وغيره. وشرع الله أن يكرّر دينه ولا يغيّر.

6) والمسائل الاجتماعيّة (التي ورد في الحلقة الأمر بذكرها مع النَّهْي عن تكرار المسائل الاعتقادية) مبنيّة على الظّن مثل المسائل التربوية والنّفسيّة والسّياسيّة (غير الشرعيّة) والاقتصاديّة والاعلاميّة وكلّ ما أحدثه مفكّروا الشرق والغرب و«الظّنّ أكذب الحديث» قال الله تعالى: {إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئاً}؛ فلا يجوز خلطه باليقين، وأسوأ وأظلم ما يكون ذلك في العبادة المفروضة مثل خطبة الجمعة.

7) وممّا سبق من نصوص الوحي والفقه في الدّين: لم تخرج خُطَب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم الجمعة مرّة واحدة عن الثّوابت الشّرعيّة التي مرّ ذكرها: الإيمان، الشرك، الموت، الحساب، الجنّة، النّار، أحكام الشرع… فلم يذكر – مرّة – شيئاً عن الأحداث العظام التي حدثت في عهده مع أهمّيتها ويقين الخبر من الوحي عنها: الغزوات، الإفك، قتل القرّاء.

لربّما ذكرها في دعاء القنوت أو الخُطَب الخاصّة بها لا في خُطَب الجمعة لأنّه الأسوة الحسنة لأمّته، وأخبار حوادثهم من وسائل الإعلام الغربيّة والشّرقيّة لا من يقين الوحي، واستنباطهم قاصر غالباً من هذا أو ذلك لأنهم مقلّدون والتّقليد نُسْخَة باهتة لا ترقى إلى الأصل.

8) ولقد وصلت إلى هذه القناعة بعد أن درستُ ما استطعت عن يقين الشرع وعن ظنّ التّربيّة (أسُسُها الفلسفيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة في الداخل والخارج) وبعد أن عملت في المؤسّسات التّربويّة العصريّة رُبْع قرن والشّرعيّة رُبْع قرن وتبَيَّنْتُ الأمر من مصدره الأصلي والتّقليدي استجابة لأمر الله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا} لا من: (سمعت النّاس يقولون شيئاً فقلته).

9) والإعجاز العلمي في القرآن (الذي وعدتم المستمعين بالكلام عنه) من فتنة وبدعة خلط الظّنّ باليقين، ويزيد سوءاً بأنّه قول على الله بغير علم، وخروج عن سبيل المؤمنين في تفسير القرآن، وصارف عن تدبّر كلمات الله والعمل بها وتبليغها، وكلّ من وَلَغَ فيه قاصر في العلم الشرعي أو النظريّات الكونيّة أو فيهما معاً منذ طنطاوي جوهري الكاتب إلى زغلول النّجار الجيولوجي.

10) وأعجبني الرّدّ على السّؤال عن مسئوليّة الحكّام في توجيه الرّعايا وبيان ذلك مع الإشارة إلى تميّز هذه الدّولة المباركة (على جميع دول المسلمين منذ القرون المفضّلة) بتحكيم شرع الله والدّعوة إليه على بصيرة في كُلِّ أمور الاعتقاد والعبادات وجُلِّ أمور المعاملات وهدم أوثان المزارات والمشاهد ومحاربة البدع منذ نشْأة دولة الدّعوة على منهاج النّبوّة في القرن الثاني عشر الهجري حتى اليوم زادها الله توفيقاً وجبر نقصها وعفا عن تقصيرها.

وهذه الإشارة مهمّة جدّاً شهادةً بالحقّ، وشكراً لله المتفضّل بهذه الدّولة والبلاد المباركة وعليها، وتعليماً للجاهلين والجاحدين بهذه النّعمة العظيمة وهم الأكثرون من مواطنيها فضلاً عن بقيّة العرب، وحثّاً لولاة الأمر علمائهم وأمرائهم وعمّالهم للثّبات على هذا الصّراط المستقيم والميزة العظيمة التي اختصّهم الله بها.

11) في وسائل الإعلام ومؤسّسات التّوجيه متّسع لذكر الحوادث والطوارئ وفنون العصر لمن يرى وجوب أو جواز نشرها وإذاعتها على الأمّة، أمّا شرع الله فقد بيّنه الله تعالى بقوله: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، ولو تمسّكنا بهذا اليقين وتجنّبنا الظّنّ لكفانا الله شرّ الخلط والتّخبّط والوهم والخيال في قضايا حادثة مثل: دخول القوات الدّوليّة (لصدّ عدوان حزب البعث على الخليج وخطره على الدّين والدّنيا)، ومثل: قضايا الجهاد الوهمي العدواني، ومثل: الدّفاع عن الدّين خطر الاعتداء الخارجي، والدّاخلي وهو أشر.

جزاكم الله بهداه وتوفيقة، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصيّن عفا الله عنه.

الرسالة رقم17 في 1426/12/26هـ.