من سعد الحصين إلى أحد قدماء الدعوة [جماعة التبليغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الله الشيخ/ (أحد قدماء الدعوة) وفقنا الله وإياه للحق والعدل.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأرجو لكم خير الدنيا والآخرة.
أما بعد: فقد اطلعت على رسالتكم حول جماعة التبليغ وما عرف أخيراً عن منهجها ومشايخها، ورجوت الله أن يجزيك خير الجزاء على اهتمامك بالدّعوة والدعاة وحزنك على تفرقهم، ووجدت حاجة للتنبيه على ما يلي:
1) تفرق رأي الدعاة فيما حدث ليس بأخطر من حدوثه أو السكوت عليه، بل أن ما تسميه تفرقاً هو في رأيي أمر مستحب بل واجب من حيث إبراز المشكلة ومناقشتها {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة}، وأن له نصيب من معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحب في الله والبغض فيه وموالاة الحق وأهله ومعاداة الباطل وأهله مهما كان سابق الصلة به وبهم، وأن في التغافل عن تعصّب للجماعة، وستر لباطل لم يغيّر بعد ولم نر اهتماماً حقيقياً بتغييره، وتجنب للاعتراف بالخطأ والجهل والانتصار لمنهج في الدعوة والدفاع عنه قبل التعرف على جوانبه الظاهرة فضلاً عن جوانبه الخفية بل وبعد التعرف على ما لا يجوز تأخير بيانه.
2) إشارة أخي إلى أن أغلبية الجماعة وخاصة العرب لم يتأثروا بأخطاء المشايخ يخالفها الواقع وأقرب دليل ما ورد في رسالتكم من تقليد للمشايخ في فهمهم الخاطئ للشرك إذ تعتبرون ما تسمّونه (شرك الشهوات والمادّيات) عندنا أكبر مما تسمّونه (شرك الأولياء والصالحين) عندهم ويشارككم أحد قدماء الجماعة و (علمائها) من العرب هذا الرّأي إذ أعلن في خطبة الجمعة قبل شهرين أن بقاء المسلم في الدّكّان بعد سماعه النداء للصلاة رغبة في طلب الرّزق: الشرك الأكبر وتبعه آخر من قدماء الدّعوة التّبليغيّة في مكّة فأفتى في ملأ من الجماعة بجواز بيعة المشايخ الطرقية وبما يسمونه (المراقبة) عند القبر بحجة مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وترخيصه في زيارة القبور، كما أن بعض أبناء هذه البلاد في معرض دفاعه عن المشايخ أفتى بجواز التّوسّل البدعي، وأغلب العرب يتابعون العجم في تفسير لا إله إلا الله بمعنى الربوبيّة.
هذه نتيجة واضحة لانتشار منهج الدعوة التبليغيّة هنا وهناك، فمدارس من أشرت إليهم لم تقدم لهم هذه الأفكار وإنما هو التأثّر بالمشايخ القدماء في الجماعة وخلفيّتهم الصّوفيّة.
ولقد رأيت تأثير المنهج الصوفي واضحاً في عدد من إخواني من قلب الجزيرة العربية لم يتهموا بالبيعة ولم يفتوا بجواز البدع والشرك ولكن كثر فهم ادّعاء الكرامات والاهتمام بالأحلام وتقديس المشايخ وتحكيمهم في خاصة أمورهم والالتزام ببعض عاداتهم مثل المعانقة مع ورود النهي عنها حتى إن واحداً من أبرزهم أخبرني أنه تذوق التمبولة وهي عادة قذرة إن لم تحرم بإضافة التمباك إليها، وما عرف كل ذلك إلا عن طريق الجماعة.
3) أكثر من وجود الأخطاء التي أشرت إليها أهمية عدم الإحساس بها عند العرب أو العجم وعدم ردّها عند الاختلاف إلى الله ورسوله والتصدّر للفتوى دفاعاً عن المنهج المألوف بلا علم، وهذه نتيجة خطيرة لتأثر الجماعة بمنهجها ومشايخها، فالتّركيز دائماً على علم (الفضائل) والتحذير دائما من الانشغال بعلم (المسائل) والاهتمام الأول بترك الدّنيا أما الخطأ في العقيدة والعبادة فلا يجوز ذكره في منهج الجماعة اعتماداً على المخطئ إذا خرج في الدّعوة ثلاثة أيام ترك شركه وخطأه.
أما في الكتاب والسّنّة وعند علماء الأمّة وأما في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم للدّعوة فالاهتمام الأول بإزالة الشرك الأكبر صراحة وبلا مواربة وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سواء كان ركوعاً أو سجوداً أو كان استغاثة أو دعاءً أو طلب شيء من المخلوق لا يقدر عليه إلاّ الخالق سبحانه وتعالى، ومعنى لا إله إلا الله على ذلك نفي كلّ معبود غير الله وإثبات العبادة لله وحده هكذا علّمها رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصحابته وعلماء السّلف وهكذا فهمها أبو لهب وأبو جهل أعاذنا الله من شركهما ومصيرهما.
أما الانشغال بالدّنيا عن ذكر الله فلا شكّ انه مصيبة عظمى يجب علينا تذكير أنفسنا وغيرنا والتّحذير منه، ولكن طلب الرّزق أمر مشروع، وحتى الذي يسمع النداء فلا يبادر بترك طلبه لابتغاء ما عند الله بأداء فريضته تجده يسمّي متجره: بقالة الاتكال على الله، ويكتب على الآلة الحاسبة:
(لا تكن للعيش مجروح الفؤاد *** إنما الأرزاق من ربّ العباد)
وإنما هي الغفلة عن ذكر الله التي نرجو من الله أن ينقذنا والمسلمين منها، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً}، ورد في الصحيحين أنه لم يبق في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر من أصحابه، وقال الله سبحانه وتعالى: {تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة}، ولم يسمّهم مشركين، وعلى هذا فلا شكّ في أن ما تسميه (شرك الشهوات والماديات) أخف مما تسمّيه (شرك الأولياء والصالحين) ونرجو الله الذي أنقذنا من الأخير أن ينقذنا من الأول، وأرجو من أخي أن يستفتي علماء المسلمين الموحّدين في هذا الأمر وعدم القناعة بعلمي وعلمه.
4) غير صحيح أن مشايخ الدّعوة متعطشون للمعرفة على أيدي علمائنا لأننا عرفنا عنهم التعصب لمذهبهم في العبادة ومنهجهم في الدعوة وليتهم يقبلون ما نقبله من عقيدة أبي حنيفة رحمه الله فيزول الخلاف بيننا، وأمر إصلاح الدّعوة لا يحتاج إلى جهد عظيم أو زمن طويل في رأيي إذا كانوا حقّاً يريدون الإصلاح، مثلاً: يكفي من جانب إزالة (تبليغي نصاب) ووضع (رياض الصالحين) مكانه، وهل يختلف العربي عن العجمي إلا بالتّقوى؟ إذاً لماذا التفريق بينهما وتأكيد أن الخطر هيّن لأن العرب لم يتأثروا! لقد بيّنت لك أنهم تأثروا وأن الطريق ممهدة للصوفية في قلب الجزيرة العربية بسبب نشاط الجماعة أكثر مما كانت من قبل، والأعاجم، ألسنا مسئولين عنهم، ألم يتردّد في (بياناتنا) أن (فكرنا عالمي)، أليس استمرار خروجنا معهم وخاصّة في القارة الهندية تشجيعاً لهم على الاستمرار في الخطأ؟
5) لقد صرفت في إشارتك إلى الاستفادة منهم في الاتجاه إلى تخفيف اهتماماتنا الدنيوية، بل وإلى ترك المعاصي والالتزام بالعبادات، ولكن العقيدة في خطر إذا استمرّت الجماعة على نهجها، والله سبحانه وتعالى يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
كان من نتائج تأثرنا بهم أن يزيد اهتمامنا باللحية والتلفزيون والدّعوة وتكبيرة الإحرام، ويقل اهتمامنا بالعقيدة وهذا أمر أرجو أن يتنبه أخي إلى خطورته البالغة على الاسلام وعلى المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ولجميع المسلمين من كلّ ذنب وأرجوه أن يهديني ويهديك ويهدي ولاة أمور المسلمين وعامتهم لأقرب من هذا رشدا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم/247 في 1405/8/16هـ.