من سعد الحصين إلى عبد الله بن أحمد الزيد [مشروع تربوي]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الله الشيخ/ عبد الله بن أحمد الزيد زاده الله من فضله. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فقد وجدت في انتظار عودتي للأردن من أعمالي في سوريا ولبنان رسالة منك ليس لها تاريخ حول مشروعك التربوي الاصلاحي لأحوال المجتمعات المسلمة جزاك الله خير الجزاء على اهتمامك ونيتك ومحاولتك.. أما النتيجة فهي بيد الله وحده.. «ويأتي النبي (يوم القيامة) وليس معه أحد».. وقد حاولت أن أكون صريحاً في الإجابة:

  1. لأن هذا منهجي.
  2. لأني لا أظنّ أحداً سينافسني في الصراحة.
  3. وفوق ذلك فالمستشار مؤتمن.

ومحاولتك ليست الأولى من نوعها وإن كانت أشمل في تطلباتها.

– فقد حاولت المملكة هذا الإصلاح فاستعانت بعد الله بخيرة المختصين من الداخل والخارج من المعروفين بالصّلاح في وضع سياسة التعليم للمملكة ثم لوضع مناهج جديدة (وأعني هنا وأظنك تعني بكلمة المنهج: المحتوى الدّراسي).. وبعد أكثر من ثمان سنوات من الجهد والمال ظهر خلل النتيجة قبل بدء التطبيق وبعده.

– حاولت وزارة المعارف إصلاح أسلوب التعليم الديني فعهدت إلى عدد من خيرة مختصيها من الداخل والخارج إعادة الصياغة وكانت في رأيي ورأي الكثرين رديئة.

– عهدت وزارة المعارف إلى الشيخ/ محمد قطب وفقه الله بكتابة مقررات للصفوف الثانوية لضمان مستوى أعلى وكانت النتيجة أسلوبا جيداً ونقصاً فاضحاً في المحتوى وفي أهم أركانه: توحيد العبودية.

– حاول الشيخ/ عبد المجيد الزنداني كتابة مقررات العقيدة لمدارس اليمن (مع غيره وطبعتها المملكة سنوات). بهدف تصحيح ورفع مستوى الدّين في نفوس الدارسين وربطه أو ربط (العلوم التجريبية) به.. وكانت النتيجة: مؤلف مشوِّق جدّاً للقراءة ولكنه لم يُعْطيه فهماً ولو يسيراً لوجوب إفراد الله بالعبادة الهدف الأول لإرسال جميع الرّسل.. ولم أستغرب عندما وجدت هذه المقررات بعنوان (توحيد الخالق) تدرس (مع مدارس اليمن) في مدارس الشيخ/ أحمد كفتارو رئيس الطريقة النقشبندية في سوريا لأنها لا تظهر فرقاً بين السّنة والبدعة ولا بين التّوحيد والشرك.

– جرت محاولات أخرى في المملكة لصياغة مقررات العلوم الطبيعية والاجتماعية حتى لا تخالف الشريعة.

– وجرت محاولات أخيرة منذ سنوات لإصلاح مناهج العلوم الدينية والطبيعية لرفع مستواها من قبل وزارة المعارف.

– وحاولت أنا تغيير التنظيم والاطار الذي تقدم به هذه المناهج وليس المناهج نفسها لأن أساس المشكلة في رأيي في التنظيم المنقول، من مجتمعات كافرة أو مسلمة، بلا بصيرة: وعندما فَرَضَ التنظيم الجديد نفسه بالإقبال عليه خلال ثمان سنوات تجريبية أمسكت الإدارة التعليمية زمامه بروتينها ولجانها( المختصة) وتوسعت في تنفيذه بعد تعديله على النحو الأمريكي وانتهى الأمر بإلغائه مع نظام المرافعات في ظروف أزمة الخليج لا أعادها الله.

وفي رأيي أننا نبالغ عندما نبرئ أنفسنا من سوء اختيارنا ونضع المسؤولية على البعثات الخارجية والمدارس (التنصيرية).

المخطئ الأول: نحن.. والطريق الخطأ: التقليد بدون حدود ولا وعي. اسمح لي أن أخالفك مع الأغلبية في إحالة المسؤولية عن تقصيرنا إلى قوة خفيّة عليا( دون الله). تخطط وتنفذ وتنجح دائما في تحقيق هدفها: إخراج المسلم عن شرع الله: اليهود والنصارى والماسونية والعلمانية.

المسؤولية تقع على من هو أقرب إلينا وألصق بنا: النفس والشيطان ولا يحتاج الأعداء الآخرون إلى تخطيط ولا تنفيذ كبير فنحن نقابلهم في أقرب من منتصف الطريق إليهم ونبذل كثيرا من الجهد والمال لنكون صورة باهتة سخيفة عنهم  في أدنى أحوالهم.

دعني أضرب مثالا قريبا: ننكر على أنفسنا إضاعة الوقت والجهد والمال في تحقيق النمط الغربي من الحياة السّطحية وندعي أن العلمانية أو الصليبية أو الماسونية أو الصهيونية خططت لإفساد نهج حياتنا بالسينما والتلفزيون والفيديو والألعاب الرياضية والمناهج الدراسية.. إلخ.. ولكنّي أعلم وتعلم أنت: أننا الذي سعينا للحصول عليها ودفعنا ثمنها بل وأفسدنا الصالح منها بسوء تنفيذها.

بل دعني أضرب مثالاً أقرب: الشيخ عبد الله بن أحمد الزيد يحرص وهو بصدد محاولة اصلاحية مستقلة للتربية على وضع حرف – د – قبل اسمه مع ان الذي أخذناها منهم يترفّعون غالباً عن ذلك.. وهو يلتزم مسبّقاً بالتقسيمات التقليدية للتربية: حضانة.. روضة.. ابتدائي.. متوسط.. إلخ دون ملزم غير التقليد الاختياري الأعمى.

وجود (الدويلات المتناحرة) كما تذكر سبق في المجتمع المسلم وجود (التخطيط والجهود المضنية) للقوى الشرقية والغربية بل سبق وجودها ذاته.. ولكنه الشّحّ وحبّ الدّنيا: الجاه والسّلطة والمصلحة الخاصة وأحيانا الإعجاب بالرّأي والتعصب له.. وكل هذا لا يختصّ به المجتمع الكافر عن المجتمع المسلم ولا الحاكم عن المحكوم.

المناهج الدراسية الفاسدة والتنظيم الدراسي الفاسد وصل إلى المجتمع المسلم قبل عودة البعثات الدّراسية للخارج.. ولقد كنت شخصياً أحد أفراد هذه البعثات في مصر ثم انكلترا ثم أمريكا وأشهد لله شهادة حق أنني لم أواجه مرة واحدة خلال بضع سنوات أحداً يحاول أن يوجهني إلى غير الوجهة التي سافرت للبحث عنها أو يوحي إليّ من قريب أو بعيد بأن التعليم الديني (مختلف) كما ذكرت.. ولكن النظام التعليمي الديني أو الدنيوي الذي اخترناه ولم يفرض علينا يعلمنا أن المدرسة شر لابدّ منه للحصول على الرّزق.. ولذلك يكره الطالب المدرسة.. ولا يريد منها إلاّ شهادة الوظيفة بحق أو بدونه.. وإذا كانت الدراسة العصرية تعطي شهادة أفضل في سوق العمل اختارها الأغلبية.

(المدرسة التنصيرية) في رأيي لا وجود لها إلا في المجتمعات النصرانية بل في أقلّها لأن أكثر المجتمعات النصرانية في أوروبا وأمريكا تمنع تدريس الدّين في مدارسها الرسمية.. وكذلك توجد في بعض البلاد الوثنية مثل افريقيا والهند وجنوب شرق آسيا.. ولكن (للعدل) ليست كل المدارس التي يملكها النصارى تبشيرية أو تنصيرية بالضرورة كما أنه ليس كل المدارس التي يملكها المسلمون شرعية.

عندنا في الأردن – مثلاً – تدرس المدارس النصرانية المقررات الدراسية التي تدرسها مدارس الدولة والمدارس (الإسلامية) الخاصة ولا بدّ من تدريس الثقافة الاسلامية بواسطة مدرس مسلم حاصل على شهادة كلية الشريعة.. ومنذ وصولي (12سنة) لم أعثر على مسلم واحد في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان تحول إلى النصرانية بسبب دراسته في مدرسة نصرانية.. {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.. ثم إن نسبة أخطائنا إلى غير مصادرها الحقيقية يعوق إصلاحها.. لا شك أن ذلك أيسر وأحرى بالقبول من الجميع ولكن ليس من العدل ولا من العقل ولا من الشرع في شيء.

ظنكم أن كثيراً من المدارس (الإسلامية) تقصر تعليمها على المواد (الشرعية والدينية) وتترك المواد (التجريبية).. يخالف الواقع.

فأكثر المدارس الدينية الرسمية والخاصة تفرض تدريس العلوم الطبيعية واللغوية والاجتماعية والرياضيات حتى على من لا يقدر عليها من الطلاب.. وعلى من لا يستطيع اجتياز الامتحان في هذه المواد التي قد لا يحتاجها في دينه ولا دنياه أن يتوقف عن التعليم حتى التعليم الدّيني أمّا أن (العلم من المهد إلى اللحد) فكلمة خيالية تقال ولا نصيب لها من الحقيقة.. وهذا سفه تقليدي.. ولمعالجة هذه السفاهة حاولت أن يكون للطالب بعد البلوغ الخيار في جميع الدّروس إلا الدّين لأن الله لم يفرض غيره، وكذلك اللغة العربية للعرب.

ولو كان ظنّك صحيحاً – افتراضاً – فهل الخيار الباقي: المدارس التنصيرية؟ أي المدارس الرسمية والخاصة (غير الدّينية) المنتشرة في كلّ مكان؟ أرجو أن تكون أحكام أخي في مقدمة عمله دقيقة لعل النتائج في المؤخرة تكون أقرب إلى الصواب.

أرى تمحيص لغة البحث بحيث تخضع للغة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم القاسم المشترك بين المسلمين في كلّ مكان وزمان والمتفق على نقائها وصفائها من شوائب العجمة والعامّية ولا يجوز أن يجرف الباحث تيار لغة العصر واصطلاحاتها.

مثلاً لا يجوز الإشارة إلى الشرع أو الدّين باصطلاح الفكر الإسلامي ولا الثقافة الإسلامية.. الفكر شيء مبنيّ على الظّن.. والوحي شيء آخر يقيني هو المصدر الوحيد لشرع الله: {إن يتبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى}.

ووصف (الإسلامي) و(الإسلامية) لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ابتدعه أحد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الهدى في القرون الثلاثة.

احتمال اتّفاق الأمة على منهج واحد صحيح بعيد جدّاً يقرب من المحال.. فأكثر الأمة عادت إلى الوثنية (المقامات والأضرحة والمزارات والمشاهد) وأكثر عبادتها مشوب بالبدعة فيما عدا دولة التّوحيد والسّنّة السّعوديّة.

وهذه مؤتمرات: وزارة التربية ومختصّيها وندواتها ثم هذه المنظمة العربية للتربية والتعليم والثقافة والعلوم ثم المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم (تقليداً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم)  تقدّم المحاولة تلو المحاولة لجمع العرب أو المسلمين على شيء (ولو غير شرعي) ولا استجابة، ولعل في ذلك الخير، ففاقد الشيء لا يعطيه

مرة أخرى.. عشرات المدارس تجمع بين العلوم الدّينية والدنيوية في المملكة وسوريا ومصر وغيرها.. ونتائجها ضعيفة من أيّ جانب: الديني والدّنيوي.

ولعلّ من المناسب أكثر: محاولة إصلاح هذه المدارس مع أن الطريق شبه مسدود.. فالمسلمون اليوم – غالباً – تحركهم العاطفة ويكفيهم اسم الإسلام.

ولعل أخي يستطيع إعادة اللغة العربية في مدارس المسلمين إلى مرجعها الأعلى: كتاب الله رسماً وقاعدة وأسلوباً وإملاءً حتى لا يحتاج الطالب العربي المسلم إلى ترجمة للقرآن باللغة العربية الدارجة.

ولا داعي في رأيي للحضانة والروضة فهي تقليد أجنبي يساعد الأم على التخلّص من مسؤولية رعاية طفلها في أكثر عمره حاجة إليها، بل ويساعدها على التخلّص من قرار البيت للتعرض لفتنة الشارع والمكتب.

ولا داعي في رأيي للفصل بين الابتدائي والمتوسط حيث تجمع الأطفال فهما مرحلة الطفولة ورفع التكاليف {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستئذنوا}، أما الثانوي فطلابه رجال ببلوغهم الحلم والتكليف.

كان من الأسهل تشجيعك وموافقتك ولكنها أمانة أخاف من التفريط فيها.. وستجد الاستجابة العابرة من غيري. وفقكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.

الرسالة رقم/46 في 1413/3/19هـ.