من سعد الحصين إلى مدير التحرير [من ضلال محمد الغزالي]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الإسلام/ مدير التحرير وفقه الله لطاعته وتقواه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: ففي العدد 971 بتاريخ 1408/1/23 من مجلة اليمامة وفي الصفحة 80 نشرت مقابلة مع الشيخ/ محمد الغزالي:
1) قدّم للقرّاء بأنه يعيش في الجزائر محاولاً اقتلاع الجذور الفرنسية وأنّه نجح إلى حدٍّ ما في عودة الروح الإسلامية للعروق الجزائرية.
وللإنصاف فإن هذه المحاولة والنجاح المحدود في تحقيقها حدثت في الجزائر قبل أن يتوظف الشيخ الغزالي في جامعتها.
وأكثر من ذلك فإنه لا يُعرف للشيخ منذ وصوله أيّ أثر في هذا الأمر.. وإذا كان للمجلّة دليل واحد على صحة ادّعاء محرّرها فأرجو بيانه حتى لا نغمط الرجل شيئا من حقّه.. وإذا لم يكن لها دليل ولكنها انساقت إلى المدح جزافاً وبلا تثبّت (كالعادة) فأولى لها ألاّ تعود إلى مثل هذا الادّعاء الذي غمطت به جهاد شعب كامل في الاستقلال والتعريب وإزالة آثار الاحتلال الفرنسي الظالم (دون عون من الشيخ الغزالي).
2) من قراءتي للمقابلة في مجلّة اليمامة وأمثالها في مجلات أخرى بدا لي أن الشيخ ختم الله لنا وله برحمته قد شاخ فعلاً ولم يعد قادراً على بلورة رأي مجدّد صحيح واحد.. وإنما هو الهجوم (الدونكشوتي) الذي لا تُعرف له قضية ولا يَبِين منه هدف ولا تَظْهَرُ له نتيجة..
وهو في هذه المقابلة – مثلاً – يظهر تارة بمظهر المؤيّد لتطبيق الأحكام الشرعية.. وتارة يظهر بمظهر الباحث عن عقبات في طريقها باشتراطه أن يحكم الشعب قبل ذلك في علاقاته بما أنزل الله.. يمثل تارة بالسّعودية للشعب الذي استحق تطبيق شرع الله عليه.. وتارة يهاجم منهجها السّلفي.
ثم ينفي عن الأحكام الشرعية تهمة (تشويه الأجسام).. وليته قدّم مثالاً واحداً على ذلك حتى يتبيّن مقصده: هل يعتبر قطع اليد في حدّ السرقة.. والقتل أو الصلب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف في حدّ الحرابة تهمة منفية عن الشرع (وتشويهاً للأجسام وتصويراً كاذباً مدسوساً على الإسلام)؟ ثم يقفز إلى تقرير أن الإسلام أعطى القضاة الحق في (إيقاف الحدّ) إذا رأوا أن (المتهم) قد تاب توبة نصوحاً بعد أن أورد إشارة إلى قصة (ماعز).. ولم يحاول الجمع بين تقريره هذا الأمر وعدم (إيقاف) النّبي صلى الله عليه وسلم الحدّ عن (ماعز) و(الغامديّة) بعد أن رأى (وهو الوحيد الذي يستطيع التيقّن من ذلك بما ينزل عليه من الوحي) أنهما تابا إلى الله توبة نصوحاً بدليل أنهما جادا بنفسيهما في سبيل الله.. ولا يمكن الاعتذار عنه بأنه يقصد ما قبل ثبوت الزّنى لأن أضعف تلاميذ الشيخ يعلم أن حد الزّنى لا يقام حتى يثبت بالاعتراف أو شهادة أربعة.
وعقبة (ثالثة) يضعها الشيخ عفا الله عنّا وعنه في طريق تطبيق الأحكام الشرعية عبّر عنها بأن الحدود جزء من سبعين شعبة يتكون منها الإيمان (فلماذا تُختار الحدود فقط من بينها وتُنسى الأمور الأخرى)..؟
وعقبة (رابعة) أو لعلها تفسير للثالثة: غيبة العدالة الاجتماعية. وكأنه في اشتراطه إزالة العقبتين الأخيرتين يشترط توفر مجتمع من الملائكة أو من الصّدّيقين قبل تطبيق الشريعة في الحكم.
3) يقول عن الدّيموقراطية أنها من أحكم الأنظمة التي شهدتها الدّنيا.. ولم يتضح موقعها من الحكمة في رأيه بالنسبة للخلافة الرّاشدة.. ولو نظر إليها بنفس المنظار والعداء الذي يواجه به المنهج السلفي لوجد فيها غرضاً أوضح للتّنفيس عن روحه الهجومية.
4) يقيس (شرعية) الأحزاب السّياسيّة بمقاييس شرعيّة المذاهب الفقهية التي (اختلفت في أمور كثيرة لكنها عايشت بعضها بعضاً وكانت في صالح الإسلام) وينسى أن علماء الأمّة الذي نسبت إليهم هذه المذاهب بنوا آراءهم على الكتاب والسّنّة واجتهدوا – بتعلمهم الشرعي – فيما لم يجدوا فيه نصّاً.. أما الأحزاب السّياسيّة في الغرب (الأصل) أو في الشرق (التّقليد) فتبني اتجاهاتها على المصالح الحزبيّة الخاصّة وعلى الهوى.
وفكرة التّعايش تسطير عليه فيتصور مجتمعاً مسلماً يجتمع فيه محمد بن عبد الوهاب والأفغاني والكواكبي ومحمد عبده (وربما ابن سينا والرّازي وإخوان الصّفا) وتجمع فيه الجماعات والفرق والطوائف الإسلامية لا ينكر أحد على أحد.. وتطبيقاً لذلك لا يعرف عن الشيخ مهاجمة البدعة ولا المبتدعين ولا الوثنية الجديدة ولا الوثنيين عبّاد القبور في مقر إقامته الأصلي أو الفرعي..
الاستثناء الوحيد: مهاجمته لأهل السّنة الذين يحاولون نشرها بالفعل إن قصروا عن نشرها بالقول.
5) عاد إلى هاجسه الذي لا يكاد يفارقه منذ عشر سنوات تقريبا وهو الهجوم على السّلفيّة والسّلفيّين الذي لم يهمله في كلّ ما يكتب منذ ذلك اليوم الذي كان يحاضر فيه في المنطقة من المملكة وسأله شاب ممن يسمّيهم بالسّلفيين عن حكم حلق اللحية (وكان الشيخ يومها حليقاً) فردّ بردّ يهوّن فيه أمرها.. فوصفه الشاب (سفهاً) بأنه (حمار).. منذ ذلك اليوم أعلن حربه الضّروس على السّلفيّة والسّلفيّين بصفة عامة.. ومن أجل ذلك هاجم التّمسك ببعض السّنن مثل سنّة الشرب قاعداً.. ودلّل على صحّة رأيه (كعادته) بأنه رأى أحدهم في أمريكا يجلس للشرب فقال له: إن التزامك هذا حريّ بأن يمنع الأمريكان من الدّخول في الإسلام!! ويتساءل غيره: كم من الأمريكان دخل الإسلام على يد الشيخ الغزالي بسبب تهاونه وتهوينه شأن السّنّة القولية أو الفعليّة العادية أو العباديّة؟ ومن أجل ذلك هاجم (في هذه المقابلة) ملازمة المرأة بيتها إلا لضرورة.. وقد يجهل (هدانا الله وإياه) أن النّبي صلى الله عليه وسلم أمر (في الأحاديث الصحيحة الثابتة) بتوفير اللحية والجلوس للشرب بل وأمر بالتّقيّؤ من شرب واقفاً.. وأنه أخبر بأنّ صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في مسجده.
وأن الله أسقط عنها الجهاد بمعنى القتال في سبيله.. ولكنه لن يجهل قول الله تعالى: {وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى} و{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
6) وأمرٌ أخير أرى أهمّية التّنبيه إليه:
لَقَبُ المفكر الإسلامي لا يليق بالدّعاة إلى الله.. فشرع الله جاء عن طريق الوحي في الكتاب والسّنّة لا عن طريق الفكر.. والدّعاة إلى الله على بصيرة هم الذين علموا شرع الله (بالأدلّة الصحيحة) وعملوا به وسعوا إلى تبليغه.. أما الفكر المجرّد فأليق بالفلسفة أو السّفسطة..
وأهمية إثارة هذا الأمر تبدو عند استقراء نتائج إطلاق هذا اللقب على الدّعاة المثقّفين الذين لم يعرفوا شرع الله أو أُخذوا بالحضارة الغربيّة – إنتاجها الصناعي ونظم إدارتها وطرق حياتها – فسيطر على عقولهم شعور بأن النجاح والفلاح والسّعادة في ربط دين الإسلام بعجلة الحضارة العلمانيّة.. ولعلّ الشيطان قد أوحى للصّحف العَرَبيّة بهذا اللقب حتى يسيطر على ميدان الدّعوة إلى الله من لا يصلح لها.. وبالتّالي يختلط الذّهب بالنّحاس ويعجز المسلم عن التّمييز بين الدّعوة إلى الله على بصيرة وبين مجرّد الخطابة والشهرة الأدبية (الإسلاميّة).
أرجو من الله العلي القدير أن يجعلنا أكثر دقّة في تمييز الحقّ من الباطل والزّبد مما ينفع الناس وخاصة عندما يتعلق الموضوع بشرع الله والدّعوة إليه؛ فقد قام هذا المجتمع على العقيدة السّلفيّة بفضل الله ووجب عليه بذلك حمل مسئولية نشرها والدّفاع عنها.
وفق الله الجميع لما يحبه الله ويرضاه وهدانا جميعاً لأقرب من هذا رشداً. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم/20 في 1408/2/5هـ.