من سعد الحصين إلى معالي وزير الحج والأوقاف [2] [ملاحظات على المساجد في المملكة]

 بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى معالي وزير الحج والأوقاف وفقه الله لطاعته ورضاه.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فقد كتبت لكم رسالة برقم/134في 1408/5/20 حول بعض الملاحظات على المساجد في المملكة.. وبمتابعة الموضوع وجدت أنكم قد تفضلتم مشكورين بالاستجابة السريعة – كعادتكم – فأحلتموها لبعض الإخوة المختصين للدراسة.. فرأيت مقابلتهم وعرض وجهة نظري معضلة ومقابلتها بوجهات نظرهم لعل أحدنا يستفيد من الآخر فرائدنا جميعا هو الحق والمصلحة بإذن الله..

وكان الأولى أن أفعل ذلك قبل الكتابة لكم ولكن قدر الله وما شاء فعل فقد كتبت لكم وكتب أكثرهم لكم قبل أن ألقاهم.. ولكن – ولله الحمد – ما فات مستدرك وفيه درس لي في المستقبل سأحاول الاستفادة منه فيما أكتب لكم أو لغيركم فيما أرى فيه حاجة للإصلاح.

لقد اتّفقت مع بعض الإخوة في بعض ما اقترحت ولو عاد إليهم الموضوع فلربما أعانهم الله على تغيير بعض آرائهم في مثل:

1) عدم الحاجة إلى المحراب الثاني أو (التجويف) الذي يحجب الفائدة الوحيدة من وجود المحراب وهي: توفير الصّفّ الأول ولو اقتصر على المحراب الكبير الذي يضم المنبر بحيث لا يبرز فيقطع الصف الأول.. ويتقدم فيه الإمام عند كثرة المصلّين فيوسع لهم المكان.. لتحققت أكثر من فائدة ولتوفّرت النفقة.

2) عدم الحاجة إلى كتابة لفظ الجلالة.. أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة أو بسم الله الرحمن الرحيم أو أي آية من القرآن لأنه لا يُعْقل منها غير غرضين: الزّينة وهي مكروهة في المساجد.. وقد وردَتْ عدّة أحاديث وآثار عن أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث لتشييد المساجد.. وأن الزينة في أماكن العبادة من صنيع أهل الكتاب .. وأنها من علامات السّاعة.

أو التعبّد.. ولا يجوز التعبّد بشيء لم يشرعه الله في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله}.

فضلاً عن ما في ذلك من مخاطر على العقيدة ذكرت بعضها من قبل بإبراز لفظ الجلالة ووضع أشعة حوله تشبيهاً لله بخلقه أو تشبيها لبعض صفاته بصفات خلقه..

ولأنه بدا لي أن بعض الإخوة يجهل مكان وجود ما ذكرته من إبراز لفظ الجلالة بأحرف مذهّبة في وسط المحراب الصغير ووجود أشعة مذهبة حوله.. فقد دللت الإخوة على مسجدين: أحدهما في المغرّزات بجوار منزل الشيخ محمد بن سلمة.. والآخر بجوار جسر سوق عتيّقة.

3) أبدى لي بعض الإخوة أن للقبّة فائدتين: فائدة معمارية فيما مضى قبل أن يوجد الحديد والإسمنت، فلا فائدة منها الآن.. وفائدة الإضاءة وسط المسجد.. وبينت لهم أن إضاءة النوافذ كافية لو اقتصرت الوزارة على الزجاج العادي.. ولكن أكثر مساجد الوزارة الجديدة تضاء بالكهرباء في جميع أوقات الصلاة لاشتراط الإدارة الهندسية الزجاج المعتّم المبزّر، وهو أغلى ثمناً.

وبالإضافة إلى ذلك فإن القبة تمنع الاستفادة من سطح المسجد إلى الأبد.. وتكلفتها أعظم من السقف العادي.

ولو رجع الإخوة إلى تاريخ العمارة البيزنطية لوجدوا أن القبب استعملت في كنائس النصارى قبل أن تستعمل في المساجد.. وفي تاريخ العمارة في بعض كلّيات الهندسة العربية بيان بأن حدوثها في المساجد لم يكن لغرض معماري وإنما لأن المسلمين بعد فتح الشام استعملوا الكنائس مساجد وعندما احتاجوا لبناء مساجد جديدة قلّدوا البناء الموجود وأصله كنائسي بيزنطي.

4) اتفقت مع بعض الإخوة أن الهلال فوق المئذنة لا لزوم له.. وأي نفقة تُصْرف فهي (في رأيي) إسراف والله {لا يحب المسرفين}.. وقد اعتبر المسلمون المعاصرون الهلال رمزاً للإسلام في مقابل اعتبار النصارى الصّليب رمزا للنّصرانية.. ومن الخطأ – في رأيي – إدخال الرّموز على الشريعة.. فالإسلام ينحصر في الاعتقاد القلبي والنطق باللسان والعمل بالجوارح مطابقاً لما شرعه الله من غير زيادة ولا نقصان.. والرموز قادت النصارى إلى الوثنية وقادت المسلمين في هذا العصر إلا ما لا يختلف عن الوثنية من عبادة القبور: دعاء المقبور والاستغاثة به، والذبح عند القبر، والطواف به، وعبادة الأشجار بتعليق الخرق عليها لجلب النفع أو دفع الضرّ.. أو تعليق الحذوة على الباب لدفع الضر.. وأمثال ذلك كثير.. هدى الله الجميع.

5) واتفقت مع بعضهم (وخالفني بعضهم) في عدم تسمية المساجد بأسماء العلماء والصحابة.. فقد رأيت مسجداً في دمشق سمّي باسم صحابي ثم أقنع الشيطان بعض القائمين على المسجد ببناء قبر لذلك الصحابي فيه.. وسدّ الذّريعة واجب فإن أمنّا حدوث ذلك هنا في هذا العصر فقد يحدث في أي مكان وفي أي عصر.. والمملكة قدوة بتميّزها ولله الحمد وتفرّدها بصحة العقيدة ونشر السنة ومحاربة البدعة قولاً وعملاً.. ونحن لا نضمن أنفسنا فالقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن.. ونضمن أن إبليس باق إلى يوم القيامة ولا حاجة لتسمية المساجد إلا للأغراض الرسمية للقائمين على خدماتها ويكفي لذلك تسميتها بالأحياء والحارات والشوارع التي تقع فيها.. وعندما تتعدد في مكان واحد تضاف إلى أسمائها أرقام تتميز بها.

ولا أرى للوزارة الموافقة على تسمية المساجد الأهلية بأسماء المنفقين على بنائها فالمحذور مشترك ويضاف هنا الخوف من الرّياء والسمعة.

6) مصلّى النساء مرفق جديد نقل إلى المملكة في العشر سنوات الأخيرة من بعض البلاد العربية.. وفضلاً عن تكلفته لا حاجة إليه إلا في رمضان أو لحضور الدّروس القليلة التي توجد في النادر من المساجد..

وفي الألف وأربعمائة سنة الماضية ابتداء بعصر رسول الله صلى الله عليه وسلم سمح للنساء بحضور المساجد مع حثّهن على البقاء في بيوتهن خير لهن وخير للمسلمين وللإسلام.

وكان يكفي تأخير صفوفهن عن صفوف الرجال كما كان الحال في صدر الإسلام.. وإذا كان من السهل تحقيق رغبة بعض النساء في حضور المساجد بعدة أذرع من قماش أو بدونها فلماذا تتحمل الوزارة تكلفة إضافة سقف ثاني لغرض مفضول؟

ويمكن بجزء من هذه النفقة وضع مظلّة في ساحة المسجد الذي يضيق بمصليه يوم الجمعة لتفيد عددا أكبر بنفقة أقل ويمكن بجزء من هذه النفقة أيضاً اقتطاع مؤخّرة المسجد المسقوفة بحاجز بسيط يستعمله النساء في أوقات الحاجة المحدودة.. وفي بقية الأوقات  يستعمله المصلون الدائمون وهم لا يحتاجون أكثر من صفين أو ثلاثة في أغلب المساجد في المملكة وغيرها وبذلك تتوفر خدمات الإنارة والتكييف والتنظيف ونفقاتها.

7) وأمر أخير بدا لي مناقشة بعض الإخوة فيه ووجدت بيننا اتفاقاً عليه وإن خرج عن الموضوع الأصلي.. وهو: كسوة الكعبة القديمة التي (تبروز) وتوضع على الجدران في بعض المعارض والأماكن العامّة والخاصة.. وقد ذكر لي بعض من أثق به أن بعض من حصلوا على قطعة منها يضعونها على الأرض ويطوفون بها.

وهذه أيضا من الرموز غير المشروعة (في رأيي) فيما يتجاوز ستر الكعبة. ويستحق الأمر إعادة النظر فيه.

ولعل من الخير عرض مثل هذه المواضيع على هيئة كبار العلماء أو على أحد أفرادها.. ولا أرى الاكتفاء فيها برأيي أو برأي مثلي وخاصة ممن ألفوا هذه العادات وهذه الرموز فلم تعد تحرّك الغيرة والخوف على دين الله في حاضرنا ومستقبلنا. وفقكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.

الرسالة رقم/146 في 1408/7/5هـ.