من سعد الحصين إلى يحيى الساعاتي المشرف العام على مكتبة الملك فهد بالرياض {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى أخي في الدّين/ الشيخ يحيى الساعاتي المشرف العام على مكتبة الملك فهد بالرياض وفقه الله لطاعته.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فإن الإسراف أمر لا يحبّه الله.. وواضح أنه مع الربا من أكبر أسباب نقمة الله وعذابه لهذه الأمة.. ظهر أولاً في فلسطين فأخذها الله وسلّط عليها أسوأ البشر.. ثم تحوّل إلى لبنان فأخذها الله وسلّط بعض أهلها على بعض.. ثم ظهر في الكويت فسلّط عليها أسوأ حاكم في المنطقة دينا ودنيا.. وإذا كان الله قد رحمنا فأعاد الكويت قبل لبنان وفلسطين فإنما ذلك، والله أعلم لأنه لم ينضم إلى الاسراف والربا فيها ما شاع في فلسطين ولبنان من عبادة أوثان المقامات والأضرحة والمزارات والقبور أوثان الجاهليّة من عهد نوح عليه السّلام إلى اليوم.
ومكتبة الملك فهد مثل مكتبات بعض جامعاتنا وغالبية المؤسسات الرسمية تساهم في الاسراف الذي لا يحبّه الله من حيث تظنّ أنها تخدم الدّين أو المصلحة الدنيوية العامة.
والإسراف للدين مثل الابتداع في الدّين أخطر وأخفى من الاسراف للدنيا والمعاصي المعروفة لأن الأولى يُتَقرّب بها إلى الله وبالتّالي تستعصى على الإصلاح أو حتى محاولته، بينما يرجى للعاصي التوبة لأنه يعرف معصيته ويستغفر الله منها
ومن أمثلة الإسراف الذي تقعون فيه ويقع فيه غيركم: شراء المخطوطات الدينية وغير الدّينية بمبالغ طائلة لا يحدّها شرع ولا عقل.
والدّافع الحقيقي لذلك أمران:
داخلي.. وهو العاطفة (الإسلامية).. وقد حذّر الله من العاطفة واتباع الهوى في الدّين: {إن يتبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}. ولا يوجد وصف (الإسلامي) و(الإسلامية) في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فقه الأئمة في القرون الثلاثة.. وإنما اخترعته الحزبية الإسلامية في هذا العصر لخروجها عن المنهج الشرعي وفقرها في العلم والفقه المبنيّ على نصوص الوحي.
وخارجي.. وهو تقليد التجارة الغربية بالآثار ومنها المخطوطات.. والإسلام غنيّ عنهما فلم يشرع لنا الله في كتابه ولا سنة رسوله تقديس ولا رعاية الآثار الدينية والفكر البشري ولو سمّي إسلاميا.. وما ضلّ المسلمون عن منهج الوحي إلا بواسطة الفكر (الإسلامي) والماضي والحاضر.
عندما كتاب الله محفوظاً بفضل الله ولن يزيد في حفظه فضلاً عن تدبّره شراء المخطوطات القديمة للمصحف بل لقد ورد عن بعض الخلفاء الراشدين الذي أمرنا بالتزام سنتهم واتباع هديهم حرق المخطوطات القرآنية وإزالة الآثار (الدّينية) وبينها شجرة بيعة الرضوان وقبر النبي دانيال (في اعتقاد بعض المسلمين).
الإسراف عام مع الأسف والهجوم على ثروة الأمة لتبديدها بحجة أو أخرى هو القاعدة في مجتمعنا اليوم.. هناك إسراف بمسوِّغ جمالي أو فنّي أو رياضي أو حضاري ولكن أخطر المسوغات اسباغ القداسة على فعل ما لا يحبه الله بمعصيته.. وعندنا سنّة رسول الله وفقه القرون الثلاثة لا تحتاج لزيارة.
ومن أمثلة الإسراف الديني الذي عرفته عن المكتبة: ندوة أو مؤتمر عن ماض الإسلام أو المسلمين في إسبانيا.. وهو أمر عاطفي أيضاً لا علاقة له بدين الله ولا الدعوة إليه على بصيرة.
وإنما قدمنا لأوروبا مظاهر جديدة مسرفة للترف الفكري والجسدي ولذلك جاءت نقمة الله: {وكذلك نولّي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون}.. ليس للإسلام فنّ ولا عمارة ولا فكر ولا حضارة دنيوية، والتفاتنا إلى هذه الجوانب ومحاولة لصقها بالدّين بوصفها (إسلامية) انحراف عن نهج النبوة في الدّين والدعوة واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.. ولأني سمعت عنك الرغبة في الخير كتبت إليك رجاء محاولة جعل المكتبة مركزاً للدعوة إلى الله على بصيرة بالحكمة (أي السّنّة) والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. وهذه لا يحسن أداءها المفكرون (الإسلاميون) ولا الكتاب والشعراء (الإسلاميون) ولا الأطباء والرياضيون (الإسلاميون).. بل علماء الشريعة وخاصة مثل الشيخ/ محمد بن عثيمين والشيخ/ صالح الفوزان والشيخ بكر أبو زيد.
والميزان: قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال علماء الأمة في القرون الثلاثة بلا توجّه فكري ولا حزبي ولا سياسي.
وفقكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم/83 في 1414/6/25هـ.