من سعد الحصين إلى الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية [مجلة التوحيد في مصر]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى فضيلة الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، وفقه الله لطاعته، والدعوة إلى سبيله على منهج النبوة.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد وصلني 3 أعداد مجلة التوحيد، وكنت ظننت أن اشتراكي قد ضلّ طريقه إليكم، وقد أرسلته قبل بضع سنوات، فجزاكم الله خير الجزاء وثبتكم وأيّدكم.
على أني لاحظت أن مجلة التوحيد في عهدها الجديد بدأت تتجه في اتجاه ما يسمى (بالصّحافة الإسلامية) وتستبدل ما يسمى (بالفكر الإسلامي) بالعلم الشرعي، والتوحيد الذي تنتمي إليه المجلة لا يقوم على الفكر وإنما يقوم على الوحي، والدعوة إلى الله على منهاج (السنّة المحمّدية) أي على بصيرة لا تبنى على الظّنّ بل على اليقين، ولا على الصّخب والمبالغات والإثارة والشتائم بل على قول الحق وعلى الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن.
وإليكم بعض الأمثلة:
1) في ص1: قلتم عن أمريكا والغرب ما يشير، بل يصرّح بأنهم يخصّون الدّول الفقيرة (الإسلامية) بتنظيم الأسرة وتحديد النّسل وإعطاء المرأة حقّ الإجهاض، والواقع أن هذا كلّه (مع المفاسد الأخرى التي يذكرها غيركم) انتشرت في بلادهم أوّلاً ولها مؤيّدون ومعارضون، وترون أن أول وأكبر معارض للإجهاض: الفاتيكان.
2) ص2: ذكرتم أن المسلم (لا يستطيع إظهار إسلامه) في بلاده. وبحمد الله أن الأمر غير ذلك، ففي جميع بلاد الإسلام وبلاد الكفر لا يفتن الناس عن أصول دينهم: العقيدة الصحيحة والعبادة الصحيحة، وحتى في العراق أسوأ بلاد المسلمين توظف الدّولة العلمانية الأئمة والمؤذّنين والخطباء وتضيء المساجد وتجري إليها الماء بل وتطبع القرآن وتوزعه. وهذه إسرائيل أسوأ بلاد الكفر يجد فيها دعاة السّنّة الحرّية المطلقة لنشر التوحيد والسّنّة،
ولكنكم ذكرتم الحقيقة ص5 (أو بعضها على الأصح): وجدوا أننا تسلّطنا على أنفسنا.. لا كما قلتم: نعطيهم خيرات بلادنا ونقتل لهم إخواننا وأنفسنا ونحلّ لهم ديارنا وأموالنا وأعراضنا، فهذا من (تهويش) المجلات (الإسلاميّة)، ولكن المشكلة في رأيي تنبع من محبتنا للثقافة الغربيّة ومن شرور أنفسنا ووساوس الشياطين، فنحن نقابلهم في أبعد من منتصف الطريق، وتشتهي أنفسنا ما تشتهي أنفسهم أعاذنا الله جميعاً من ذلك، ومن ذلك تقليد الصحافة (الإسلامية) للصحافة الغربية في التهريج وبناء الأخبار على الظّن والإشاعة والنقل دون تثبّت.
3) مثل المجلات (الإسلامية) تبنون قصوراً على وحدة الصّفّ وتأسفون لتفتت دولة الإسلام الكبرى ص3و6 (تركيا)، ولا تبيّنون على ماذا يتّحد الصّف الشرعي، وتنسون أن دولة الإسلام الكبرى كانت تحكِّم دعاة التصوّف والخرافة وتحكُم بغير ما أنزل الله، فضلاً عن الظّلم والعنصرية.
4) ص4، وعلى نهج (الفكر الإسلاميّ والثقافة الإسلامية) تستعملون عبارات غير شرعيّة مثل: الدخول على الله، ص4و5، والصلح مع الله، ص5، وعبارات غير عربيّة صحيحة مثل: وجعلها كمالاً لعجز الفرائض ص5.
5) ص6، تضعون الأزهر رمزاً للشريعة تقليداً لغيركم، الأزهر أسّسه الفاطميّون لنشر المذهب الشّيعي، وبعد قرون حوّله صلاح الدّين رحمه الله إلى المذهب الشافعي في الأحكام ومذهبه الأشعري في الاعتقاد لا الاتباع.
ومن هم المخلصون الذين بذلوا قصارى جهدهم لجمع الكلمة وتوحيد الصف؟ وعلى ماذا؟ والإخلاص والنّفاق لا يعلمه (من قلوب العباد) إلا الله وحده العليم بذات الصدور.
6) ص7: تحكِّمون عقدة المؤامرة الخيالية في قرار وزير التعليم العالي بشأن غطاء الرأس واللباس المدرسي: الخطأ الإداري، وأنه جزء من مؤامرة يمثل هذا القرار بدايتها، ولكن الله حكم في أعظم من ذلك: الشرك والفتنة عن الدين، وعلى من يعلن الكفر ويدعو إليه ويعلن الحرب على الإسلام بحكم مختلف ثالث: {إنهم اتّخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.
7) ثم حكمتم على مصدري قرار منع الحجاب ص7: بأنها بداية لقتل الغيرة على الأعراض مع سبق الاصرار والترصّد، وسوغتم الحكم على القلوب والنيات بأن الشواهد والقرائن يستدلّ بها على ما وراءها، في مخالفة صريحة للوحي في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد كانت (الشواهد والقرائن) تدل على أن المشرك الذي يواجه بسيفه جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: لا إله إلا الله ليدفع السّيف عن نفسه كما فهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الله أنكر أشد الإنكار على حبّه وابن حبّه الأخذ (بالشواهد والقرائن) في مثل هذا.
8) قلّدتم الصّحافة العلمانية (والإسلامية) في التحليل السياسي لقضية سعد زغلول ونفيه وعودته والمعاهدة الإنكليزية.
والتحليل السياسي أدخله الشيطان في الدعوة المعاصرة وهو أجنبي عنها، فهو يقوم على الظّن، والظّن أكذب الحديث، وعلى الإشاعة والله تعالى يحذّر من نقلها: {يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا}.
9) ص39: قلّدتم (الفكر الاسلامي الحديث) في إشاعة الرّدّ على شبه المستشرقين حول تعدد زوجات الرّسول صلى الله عليه وسلم وكررتم أقوالهم (وفي ذلك نشر لباطلهم)، وقد تنبّه محمد قطب هداه الله إلى خطئه في تأليف ونشر كتابه: (شبهات حول الاسلام)، وندم عليه وأثبت ذلك في تقديمه للطبعات المتأخرة، ولكنه خضع لرغبة الأكثرية وهذه مشكلة الفكر (الإسلامي) والثقافة (الإسلامية) والشريط (الإسلامي)، أغلبها يسير على هوى الأغلبية، {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}.
10) ص40و41، قلّدتم ظنّيات وإسرائيليات الفكر الإسلامي القديم، فذكرتم أربع مرّات أن سليمان تزوّج ألف امرأة 300زوجة و700جارية، وفي الرابعة قلتم العكس، وذكرتم أربع مرات أن داود تزوج مائة، وأكّدتم مرّتين أنه تزوّج امرأة قائِدِه (كما هو معلوم) ولم يُعلم إلاّ من الإسرائيليات.
11) ص49: كلمة وصفت بأنها هادئة، وهي في الواقع صاخبة ومضطربة، لم توفّق في وصف المرض ولا في علاجه، بدأت بتقسيم النّاس بين مفْرط، (وهو الغالي في الدّين) ومفَرِّط، (وهو العلماني) واضطربت بين ذم المُفْرط ومدحه، واضطربت بين عدم جواز إخراج مسلم من دينه إلا بدليل (واضح صريح لا يحتمل التّأويل) وبين الحكم على المُفَرِّط بأنه علماني ومنافق وأن بغيته القضاء على ما يذكره بإطار الدّين الذي خرج منه وعليه {ولا يجرمنّكم شنآن قوم…}.
12) ص50: اتّهمتم المُفَّرِّطين بفرض أفكارهم بقوّة وسائل الإعلام والدعاية المتاحة لهم والممنوعة عمن سواهم، ومجلة التوحيد فضلاً عن المجلات (الإسلامية) الأكثر انحرافاً عن منهج النّبوة تكذِّب هذا الادّعاء فهي (متاحة) وغير ممنوعة.
13) ص50: إدّعيتم أن السّحْل والقتل والتشريد والتعذيب والسجن (هو جزاء من يخرج عن المنهج العلماني الذي وصل إلى الحكم، والواقع يبيّن أن السّحْل (العراقي) وتوابعه لم يقع على المفرطين الغالين في الدّين، ولا على (الإسلاميّين)، وإنما قتل بعض الثوار والحكّام بعضاً تنافساً على الدّنيا لا على الدّين، (والإسلاميون) رموا أنفسهم في أحضان حزب البعث العراقي هرباً من حزب البعث السّوري تنافساً على المناصب أيضاً، وأعلن بعض قادتهم تسويغاً لذلك أنهم وجدوا البعث العراقي يقوم على قاعدة إيمانية، وعندما لاحت لهم الفرصة صاروا رؤساء بلديات يرخّصون الخمّارات، وبناء أو ترميم الكنائس والأضرحة ومزرعة الخنازير، بل ما هو مخالف تماماً لما يدّعون: تولّوا وزارة العدل التي يقولون إنها عين الحكم بغير ما أنزل الله. هدانا الله وإياهم وجميع العالمين.
14) ص50و51: تتساءلون عن التطرّف، هل هو التمسّك بشرع الله في النفس أو البيت؟ هل هو الدّعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟ الحجاب؟ الصلاة؟ الوضوء؟ العفاف؟ وأنا أجيبكم: أكثرية المسلمين المفَرِّطين، بل أكثرية الكفار يطلقون كلمة التطرف على من يدعوا الناس باسم الاسلام على غير منهج النبوة، (بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن) الذين حوّلوا الدّعوة إلى التّهييج والفتنة وزعزعة الأمن والنظام، وقتلوا الأبرياء، وخرّبوا وفجّروا وأساءوا إلى سمعة الدّعوة إلى الله وأثاروا خوف الحكام من الدعاة (حزب الإخوان الضّال بخاصّة).
15) وأخيراً في ص55 إلى61: قلّدتم الاسلاميّين في طريقة عرضهم لمشاكل المسلمين، لا يذكرونهم إلاّ عند النّزاع على الأرض، والعلاج الوحيد: الجهاد، أيُّ جهادٍ لمن لا يعرف العقيدة ولا العبادة الصحيحة، وإذا اتّجه إلى الدّين فعلى طريق الإفراط والضلال؟.
وهذه الاحصائيات التي أوردتموها، هل تأكدتم من صحّتها؟ أو على طريقة المفرطين الإسلاميين: كلّ ما وصف بالإسلامي ونسب إليه فنشره جائز.
لقد استغلّ الشيطان وصف: (الإسلامي والإسلاميّة) للخروج عن الوحي إلى الفكر، أما الدّين الصحيح فلم يرد في نصوصه، ولم يعرف عن علمائه في القرون الثلاثة المفضّلة، بل لم يستعمل (فيما أعلم) قبل ابتداعه في القرن الأخير ليحلّ محلّ العلم الشرعي والدّعوة النبويّة إليه.
أيها الإخوة: السير مع التيار أسهل، خاصة إذا نسب للإسلام، ولكننا نريد لأنصار السّنّة المحمدية أن يثبتوا على علوم الشرع المبنية على نصوص الوحي ولا يغتروا بالكثرة أو القلّة: {وقليل من عبادي الشكور}، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
وهذه وجهة نظر ممن يحبّ أن ينتمي إلى السّنّة، ويعضّ عليها بالنواجذ (ولو تغيّرت الموضة).
وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم87 في 1415/4/19هـ.