من سعد الحصين إلى عبد الرحمن الجماز [موضوعان هامّان عالمي ومحلي]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصين إلى أخي في الله/ الشيخ عبد الرحمن الجماز وفقه الله لطاعته.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأرجو الله لأخي دوام الفضل وجزيل الأجر في مقابل ما منّ الله به عليه من حسن الخلق وحبّ الخير لعباده ولعلّ الله أن يزيد فضله عليك باستخدامك لدينه.
وموجب هذه الرسالة موضوعان هامّان أرى من واجبي إيصال رأيي فيهما للمسئولين تبرئة للذّمّة ولعلّ الله أن يهدي الجميع سواء الصراط:
الأول: عالمي.. ويتعلق بفتنة الإرانيين في الحج.. {وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}.. فمع إعجابنا في البداية بصبر المسئولين ومحاولتهم تجنب المصادمة في مقابل مظاهرات الإيرانيين في حج الأعوام السابقة بدا للكثيرين منا أن اللين لم يزدهم إلاّ جرأة على الحق العام والخاص وعلى شرع الله.. وتبع التنازل لهم عن نظام منع التظاهر فتح أبواب البقيع لبدعهم وشركهم والسكوت عن مهاجمتهم للعقيدة السّلفيّة التي قامت عليها هذه الدولة وقام عليها هذا المجتمع بفضل الله ميزة على الدّول والمجتمعات الأخرى.. ثم جاءت المرحلة الأخيرة من الفتنة ظاهرها العذاب وباطنها الرحمة إذ أعاد الله بها الدّولة إلى الحزم والضرب على يد المعتدي وإيقافه عند حدّه.. وكسبنا الجولة ولله الحمد والفضل والمنّة وأرجو الله أن يعزّز هذا الكسب بالثبات عليه والمزيد منه.
ولكن هناك جولات أخرى لازلنا في حاجة إلى كسبها: نزلت وسائل الإعلام إلى مستوى العدوّ بالمهاترات الصّحفية تعرف المثل الشعبي الحكيم: (اكرب وجهك وارخ يديك) في البداية خالفنا المثل تماماً: أرخينا الوجه واليد واللسان.. وعندما هدانا الله للطريق الصحيح للمعالجة بالحزم والضرب على يد الظالم تحوّلنا فجأة فلم نكتف بالشدة في مكانها وهو اليد.. بل انطلقت صحفنا تعوّض ما فاتها بالسبّ والشتم.. وصحفنا مع الأسف لا تجيد السبّ كما أنها لا تجيد المدح.. ولكنها تسِفّ في الحالتين.. وهنا زادت بتبرئة العقيدة الشيعية من العدوان.
وفي الهدي النبوي مخطط واضح لسلوك المسلم لا تعرفه الصحف ولا يعرفه المثل الشعبي.. الغضب لمحارم الله وحدوده أن تنتهك ومعاقبة المعتدي بمثل عدوانه وتجنّب الصّخب والسّب واللعن والمهاترات.
وعلى هذا يمكن أن نقلب المثل فنقول: اكرب يدك وارخ وجهك ولسانك.. وليس للمسلم أن يقابل النباح بالنباح.
وجولة أهم لم نكسبها بعد ولا تحركنا لكسبها في الطريق الصحيح.
الجولة الإعلامية أيضاً.. الإعلام الإيراني يدعو إلى المبارزة بالمقارنة: البنوك بجوار الحرمين تقوم على الرّبا بينما يمنع الربا في قم وفي طهران وفي كل مكان من إيران.. السفارات السّعودية تتزيّن بالنساء المتبرّجات (المسلمات وغير المسلمات) حتى في المجتمعات المسلمة بينما تتنزّه السفارات الإيرانية عن ذلك.. يرفض الممثل الإيراني الجلوس على مائدة أو في حفلة تدار فيها الخمر أو أي معصية ظاهرة بينما يظهر أحد ممثلي السعودية (قبل شهرين) (مثلاً) مع امرأته المتبرجة في حفلة ترقص فيها راقصة على أنغام أغنية: (آمنت بالله).. لا يسمح في إيران ببيع المجلات الخليعة بينما تسمح السعودية ببيع مجلات تتجاوز الخلاعة إلى حدّ أن تحلف محررة كويتية برأس اللات والعزى.. تشغل الاذاعة والتلفزيون السعودي أكثر وقت المسلم بالأغاني المحرمة والمسلسلات الساقطة بينما يُشغل الراديو والتلفزيون الإيراني بالقرآن والحديث والخطب المنبرية والأخبار والتعليقات والمسلم الصالح المتتبع لهذه المقارنة.. فضلاً عن الكافر والفاسق.. لا يثنيه عن قبولها وجود ممثلين صالحين أو مصارف شرعية أو برامج دينية لأن هذا هو المفروض والمتوقع من دولة العقيدة والشريعة ويستنكر أن يخالط نقيضه.
ولن يثنيه عن قبولها أيضاً تذكره أو تذكيره بصلاح العقيدة هنا وفسادها في إيران لأن أغلبية المسلمين – مع الأسف – يشاركون إيران بمثل فسادها في العقيدة ويظنون ذلك من الهدى.
والثاني: محلّي.. ويتعلق بالجملة الأخيرة على محلات الأشرطة الدينية التي استاء منها كثير من المواطنين الصالحين إذ يرون أن الدّولة تصرف كثيراً من الوقت والجهد والنفقة على الترفيه (البريء) والتسلية (المباحة).. وهم لا يستطيعون الاقتناع بأن التسجيلات الدينية أخطر على المجتمع أو أقل براءة من المسلسلات المصرية والأغاني المائعة في الإعلام الحكومي.. ويرون من الإجحاف مطالبة محلات التسجيلات الدّينية بما لم تطالب به محلات التسجيلات الغنائية وأفلام الفيديو من وجود صاحب المحل السعودي في محلّه.. وعدم نشر الإنتاج غير السعودي ولا السعودي الذي لم ينشر في وسائل الإعلام الرسمية.. بل ينتظرون من الدولة التي قامت بعقد مع الله لنشر دينه والحكم بكتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم ومحاربة البدع والشرك والخرافات.. ينتظرون منها أن تساهم في مثل هذا النّشاط الدّيني وتميّزه عن غيره وتفتح السّبل أمامه.. وفي مناقشتي لهذا الموضوع من قبل ومن بعد كنت أحثّ محلات التسجيلات الدّينية على (ما يقرب من) الاقتصار على علماء المملكة ولكن لسبب قد لا تهتم به الجهات الأمنيّة – مع الأسف – وهو المحافظة على العقيدة والمنهج الصحيح للدعوة بعد أن لاحظت أن الإقبال على الخطب المنبرية والتهجمية والحماسية أكثر منه على دروس العقيدة والأحكام الشرعية.. والدعوة الإسلامية المعاصرة موبوءة بتوجيه المسلم إلى أخطاء غيره وشغله بها عن أخطائه.. أكثر المجلات الإسلامية وخطب الجمعة في الأمصار الإسلامية ودروس الدعاة العصريين تنبه المسلم إلى فساد دين اليهود والنصارى وتنبه المحكوم إلى فساد الحاكم وتنبّه المسلم إلى فساد المجتمعات الملحدة.. وإذا صحّ التنبيه في بعض الحالات وخلا من المبالغات والادعاءات التي لا تستند إلى دليل حقيقي.. فلم يؤخذ في الحساب محدودية قدرة السامع أو القارئ ومسئوليته في إصلاح هذا الفساد.. وأسوأ من ذلك أن المسلم بهذا النهج ينام على أخطائه في العقيدة والعبادة والمعاملة تدغدغه الأحلام بأن كل الأخطاء من وعلى غيره.
إذن.. فلن أختلف مع قرار الجهة المختصّة: الاقتصار على بيع تسجيلات العلماء من المملكة.. ولكني لا أرى من الصواب اشتراط سبق إذاعته في الراديو أو التلفزيون فكثير من دروس علماء الأمة لم يسبق لها النشر في وسائل الإعلام ولكن بدلاً من ذلك يشترط ألاّ يباع تسجيل لممنوع الخطابة.. وهو شرط مماثل في الهدف والنتيجة.
وعن كلمة (الإسلامية) في لافتات محلات التسجيلات فيمكن أن يوضع مكانها الدّينيّة تمييزاً لها عن محلات الأشرطة الأخرى(1) أرجوا التفضل بالنظر في هذين الأمرين ومحاولة مناقشتها مع من ترون من أولي الأمر وتحري طاعة الله وتقواه في الأخذ بما رأيت أو تركه.. واسأل الله للجميع الهداية لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(1) التي أرجو أن تولى من الإشراف والرقابة والاهتمام والتشديد أكثر مما تخطئ به الآن حيث يتفق أغلبية أصحاب الرّأي في أنها معول هدم في جسم الأمة وروحها ودينها ونظامها.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.
الرسالة رقم14 في 1408/1/19هـ.