من سعد الحصين إلى سعود بن محمد بن عوشن [1] [ملاحظات على نشرة مشاريع الخير في الفلبين]

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعد الحصين إلى أخي في الدّين/ سعود بن محمد العوشن أسعده الله في الدّارين.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أما بعد: فقد تلقيت رسالتكم الكريمة رقم 150 في 1414/4/10هـ ومعها نشرة بعنوان: (مشاريع الخير في الفلبين) وطلب الملاحظات عليها وفقنا الله وإياكم لنصرة دينه وكتابه وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم.. ولأن كلّ عمل بشري يعتريه النقص فإليكم ما رأيته من ملاحظات على النشرة وبالتالي ما كتبت لأجله:

1) دأب كثير من دعاة العصر على بناء نشاطهم الدّيني ومنه الدّعوة إليه على الأساليب الدّنيوية المعاصرة حتى تنادى معظمهم إلى تقليد النصارى في دعوتهم إلى دينهم الباطل بالتركيز على إنشاء المدارس والمصحّات وتقديم المال والطعام.. وكاتب النشرة يسير على هذا النهج فيستدل على طريق الدعوة إلى الله بالطائرات والمطارات والجيوش والقلاع.. وبالمناسبة فإن القلاع لا وجود لها الآن إذ حلّت محلّها القواعد والمعسكرات.

وهنا يظهر الفرق بين الدّين الثابت والدّنيا المتقلّبة.. منهج الدّين الصحيح ثابت ومرجعه ثابت: كتاب الله وسنّة رسوله وفقه الأئمة في القرون الثلاثة المفضلة.. ومناهج الدّنيا تتغيّر بتغيّر الزمان والمكان والحاجة. ص1

2) رتّبت النشرة دروس العلم الشرعي والدين والخير: القرآن والسّنة (وعلوم مهمّة) من فقه وتوحيد وتفسير.. الخ. وإذا قبلنا فصل علوم الدين المهمة عن الكتاب والسنة لغرض التوضيح فالتوحيد يسبق الفقه في الأولوية بل ويسبق القرآن: (تعلّمنا الإيمان ثمّ تعلّمنا القرآن) هذا هو منهج الصحابة رضي الله عنهم الذي أقامهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي القرآن والتّفسير قبل مجرّد الحفظ ثم فقه الدّين في العبادات ثم المعاملات.ص2

3) تعطي النشرة (التنظيم على قواعد وركائز إسلامية) أكثر مما يستحق، فليس في سنّة رسول الله  صلى الله عليه وسلم للدين والدعوة مكان يذكر للتنظيم الذي تحوّل إلى هدف في الحركية والحزبية (الإسلامية) المعاصرة.. كان يرسل صحابيّاً أو آخر إلى قومه أو غيره وليس معه من التنظيم إلا الأمر بالدّعوة إلى التوحيد، فإن هم أطاعوك لذلك علّمهم الصّلاة، ثم بقية الشرائع، وهذا ما فعله الصحابة رضي الله عنهم والتابعون ومن سار على نهجهم حتى جاء القرن الأخير ومعه التنظيم التقليدي.. وقبل قرنين جاء محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وسار على النهج الشرعي وجاء عبد الله القرعاوي رحمه الله وسار على النهج الشرعي أيضاً ونفع الله بجهدهما نفعاً عظيماً بلا مالٍ ولا مباني وركائز(إسلامية) بل سار على هذا النهج عبد العزيز آل سعود رحمه الله في توطين البادية: مطوّع يجمع البادية على قليب ويعلمهم الدّين ويبنون مسجدهم كما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مساجدهم.. ولما جاء المال والتنظيم الحديث إلى دعوة عبد الله القرعاوي رحمه الله ماتت، وإن بقيت آثار ما قبل التنظيم والمال. ص2

4) يلجأ كاتب النشرة في وصفه الإنجازات إلى عبارات يصعب قياسها مثل: (خلال فترة قصيرة جدّاً) ص3، و: (تكاليف أغلب المشاريع معقول جدّاً، وليست كبيرة نسبيّاً) يمكن اعتبار عشرين سنة فترة قصيرة بالنسبة إلى خمسين، ومبلغ مائة مليون ليس كبيراً جدّاً بالنسبة إلى مائتين. ص20.

5) (طلب العلم الشرعي فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة بقدر ما يعرف دينه وعباداته وينظم معاملاته)ص6. ومرة أخرى: إذا فصلنا العبادات والمعاملات عن عموم الدّين لأجل التّوضيح فكيف ننسى العقيدة التي قضى الرسل صلى الله وسلم عليهم أكثر زمن بعثتهم في تعليمها وتثبيتها؟ للأسف هذا الخطأ يتكرر عند الأحزاب والجماعات الاسلامية التي تدعو إلى الله على غير بصيرة.. وكلها كذلك هداها الله.

6) وصفت النشرة المسجد بأنه (دار للعلم، ومنتدى للفكر، والوعظ والإرشاد)ص9 باختصار.

وإذا كان المسجد داراً للعلم الشرعي وهو كذلك فلماذا المدرسة ودار القرآن والمركز الإسلامي المنفصلة التي تصرف لها أكثر الأموال. وإذا كان الوعظ والارشاد شيئاً آخر غير حلق الدروس في المسجد، بل يقوم على القصص والكلام المنمّق المبتدع فلا شكّ أنه ابتداع في الدّين لن يأذن به الله.. ومثله الفكر (الإسلامي) والثقافة (الإسلامية) التي جاء بها الشيطان بديلاً عن علوم الشريعة من الوحي وفقه الأئمة له.

7) في النشرة يظهر أن 16 مسجداً من 28 سميت بأسماء أشخاص من الصحابة أو العلماء أو المبتدعين وهذا يخالف النهج الشرعي فالمسجد بيت الله ليس للمبتدع إلا الأجر إن قبله الله منه.. والتبرك باسم أو رسم أحد الصالحين فكرة وثنيّة ومدخل إلى الشرك.. وأعرف في دمشق مسجدين تحوّلا إلى وثنين بسبب التسمية بأسماء الصحابة: 1) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، 2) صهيب الرومي رضي الله عنه.

8) ص16 تدّعي النشرة أن مشاريعها أصلحت الناس في المظاهر والمخابر.. وإذا جاز للمسلم تزكية نفسه وجهده وكيف يجوز له والله تعالى يقول: {فلا تزكّوا أنفسكم}، فكيف يجوز لبشرٍ الحكم على السرائر، والله وحده يعلم ما في الصدور؟ وتكرر هذا الخطأ الشنيع ص18 بوصف القائمين على المشاريع المذكورة في النشرة بأن نياتهم (مخلصة لله وحده)، ووصف المنفقين بأنّهم (أنفقوا بنفس طيبة راضية لا تريد من وراء ذلك مدحاً ولا رياءً ولا عوضاً إلا من الله وحده).

9) وادّعت النّشرة أنّ إخلاص القائمين والمنفقين حقق لمشاريعهم (الأثر الفعّال في العطاء والإنتاج والنفع والتأثير) ص18، وهذا يدلّ على الغفلة عن ذكر الله وعن طلب العلم الشرعي، فالله سبحانه وتعالى بيّن في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن عاقبة الإخلاص: القبول، بفضل الله ورحمته، ولكن أكثر الأنبياء مع إخلاصهم وكرم أخلاقهم وصبرهم وصحة منهجهم لم يكن لعملهم النتيجة الظّاهرة المقابلة لجهدهم، فالنبي من الأنبياء يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان أو الرهط بل ويأتي وليس معه أحد، وهذا نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل (في رأي الجمهور) لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً وما آمن معه إلاّ قليل.. ومحمد صلى الله عليه وسلم عجز عن اقناع عمه أبي طالب (الذي آزره وحماه بإذن الله وحوصر معه في الشعب) بقول لا إله إلا الله، وأكثر قومه من أهل مكّة حاربوه وأخرجوه واتّهموه بمختلف التّهم وأنكروا عليه الدّعوة إلى التوحيد لأن فيها تنفير الناس وتسفيه أحلامهم نفس التهمة التي يلقيها الحركيّون والحزبيّون (الإسلاميّون) في وجه دعوة التوحيد في هذا العصر.

10) يميل أكثر المسلمين والإسلاميين (لصيطرة البدعة والتّقليد، والبعد عن الاتباع والجهل بمنهج النبوة) إلى تشييد المساجد وتزيينها بالقبب والمآذن والمحاريب والمنابر وزخرفتها إمّا بالنقوش (الجمالية) أو بكتابة الآيات أو الأحاديث أو أسماء الله ورسوله وصحابته.. وكلّ هذا ابتداع في الدّين مخالف للسّنّة.. والصرف عليه من أموال المتبرّعين تضييع لها وإسراف لا يحبه الله: {إنّه لا يحب المسرفين} وأكثر ذلك جاء من تقليد المسلمين للنصارى في دينهم بعد دنياهم.

فالقبّة والمحراب والشكل المخروطي أو الهرمي للمئذنة والأقواس والنقوش كلها مأخوذة من الكنائس البيزنطية قبل البعثة ببضع مئات من السنين.

يمكن التّجاوز عمّا يفيد مثل رفع مكان المؤذّن أو مكبّرات الصوت لإبلاغ النداء وتمييز مكان المسجد ليراه القريب، فرش المسجد اتّقاء البرد، وضع خطّ تسوى به الصفوف.. أما الأشكال فلا وزن لها في شرع الله وخاصة ما أخذ عن أعداء الله الذين حرّفوا وغيّروا دينه. وأعظم من ذلك ربط المساجد بالقبور. وفقنا الله وإياكم لمعرفة الحقّ والثبات عليه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه.

الرسالة رقم 58 في 1414/4/28هـ.