من سعد الحصين إلى أبي الزبير المغربي [1] [خمس مقالات في إفراد الله بالعبادة رفضت مجلة الأسرة نشرها]
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعد الحصيّن إلى أبي الزبير عبد الرحمن عيروض، زاده الله من فضله ورحمه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فإن هذه المقالات القصيرة المرقّمة من (1) إلى(5)، كتبتها قبل بضع سنين بطلب من الشيخ عبد الله بن منيع ووعد قاطع منه (في المسجد الحرام بعد صلاة العشاء والتراويح في رمضان) بأن تنشر في مجلة الأسرة التي يموّلها الوقف الاسلامي من صدقات المحسنين (في بلاد ودولة قامت من أوّل يوم على التّوحيد والسّنّة) وهو أحد القائمين على الوقف والمجلة، بعد أن نبّهته إلى اغتصاب حزب الإخوان المسلمين الضّال لكلٍّ من الوقف والمجلّة، وإصرار القائمين عليهما (المجلّة بخاصّة) على استبعاد الدّعوة إلى إفراد الله وحده بالعبادة والنّهي عن الشّرك بالله في عبادته، وأبرز مثل لهذا الشرك الأكبر: أوثان المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة التي تملأ بلاد المنتمين إلى الإسلام والسّنّة (فما دونها) عرباً وعجماً (عدا السّعوديّة)، ومنذ أُسِّسَت المجلّة لم تخرج عن هذا المنهج الفاسد إلاّ مرّة واحدة بإلحاح منّي وعون من الله ثم من أخي/ عادل بن حمد الحصيني وهو أقرب القائمين على الوقف والمجلّة إلى منهاج النبوّة في الدّعوة.
ومرّتْ ثلاث سنين ولم ينشر منها واحدة، فذكّرته بوعده فقال: إنهم يقولون: إنّ مقالاتك شديدة (وهذه تهمة الحزبيّين للتّوحيد وأهله منذ طمعوا في اوال الموحِّدين)، فسألت الشيخ/ عبد الله بن منيع: هل قرأت المقالات؟ فأجاب: نعم قرأتها، فسألته: هل رأيت فيها شدّة؟ فأجاب: لا والله، ليس فيها شدّة، وتذكّرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم لناقصات العقل والدّين: «ما رأيت لأغلب ذي لبٍّ منكن»، كيف يُكَذِّب شيخٌ موحِّد دَرَس فقه المعاملات في المعهد العالي للقضاء وعمل سنوات في محكمة التمييز بمكة المباركة، كيف يكذِّب نفسه وعقله وحُكْمه ويُصدِّق أفراخ حزب الإخوان العرين عن العلم والعقل والحُكْم؟ ألا يرى الدّرك الذي وصل إليه؟ وألا يخاف أن يكون ممن إذا وعد أخلف؟ إذا لم يكن له اهتمام بأوّل وأعظم العلم والعمل الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه. والله المستعان.
(أول مقال رفضت مجلة الأسرة نشره)
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا}
دين الله واحد:
الدّين الذي ارتضاه الله لكلّ عباده وأرسل به كل رسله واحد؛ وهو الإسلام؛ قال الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، (لدينه أي: لا تبدّلوه بأن تشركوا)، {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40]، (المستقيم توحيد الله) المَحَلِّي في تفسير الجلالين، وغيره بغير لفظه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وتابعيهم إلى يوم الدّين: “الأنبياء أولاد علّات، أمَّهاتُهم شتَّى ودينهم واحد” متّفق عليه.
أصل الرّسالات واحد:
بعث الله جميع رسله ليبلّغوا جميع رسالاته إلى جميع عباده على أصل واحد لم يختلف باختلاف الأمم والزمان والمكان والأحوال المعيشية والفكريّة والسّياسيّة:
الأمر بعبادة الله وحده، والنّهي عن إشراك أحد من خَلْق الله – كائنا من كان – معه في عبادته، وبخاصّة دعاء أوثان المقامات والأضرحة والمشاهد والمزارات التي شرعها الشيطان لقوم نوح ثم من تبعهم من أهل أديان الحقّ والضّلال. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6].
وأورد البخاري في صحيحه عند تفسير قول الله تعالى عن قوم نوح في أصنامهم أو أوثانهم: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23] قول ابن عباس رضي الله عنهما: (أولئك أسماء رجال صالحين، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى من بعدهم أن ابنوا في مجاسهم أنصابا)، وذكر الخبَرَ -بغير لفظه- ابنُ جرير رحمه الله في تفسيره.
منهاج الدعوة بعد الرّسل واحد:
ليس لمن آمن بالله وكتابه ورسوله أن يدعو إلى الله إلا على منهاج رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اختاره الله له وأمر باتّباعه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31]، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] وهي السّنّة. ومنهاج الرّسول صلى الله عليه وسلم (ومن سبقه من الرّسل ومن تبعه من الخلفاء الراشدين المَهديين وفقهاء الأمة بعدهم حتى زُيِّن لأكثرنا الفكر بديلاً عن الوحي): يبدأ ويستمر وينتهي بنشر توحيد الله بالعبادة ومحاربة الشرك في العبادة وما دونه من البدع. وهذا بفضل الله ما أسِّسَتْ عليه هذه الدولة المباركة بعقد لا يجوز نقضه بين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله. ومن اختار غيره فقد استدرك على الله ورسوله، وحكم بغير ما أنزل الله، وشَرع من الدّين ما لم يأذن به الله، وصلى الله وسلم على محمد وآله.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
(ثاني مقال رفضت مجلة الأسرة نشره)
التوحيد أعظم طاعة والشرك أكبر معصية
لن يطاع الله بأعظم من إفراده بالعبادة، ولن يعصى بشرٍّ من إشراك غيره معه في عبادته ودعائه.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65-66].
وقال تعالى عن عدد من أنبيائه عليهم صلواته وسلامه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]، وهم خيرته من خلقه.
وقال تعالى في صفة من يمكّنهم الله في الأرض بفضله ثم بصالح أعمالهم: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116]، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
والتزام التّوحيد وتجنّب الشرك: أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده، كما قال الله تعالى عن يوسف وآبائه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه وبركاته عليهم أجمعين: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 38-40].
ولأن أوّل وأهمّ ما بُعث به رسل الله في كلّ زمان ومكان وعلى كلّ حال: توكيد الأمر بصرف العبادة (والدّعاء هو العبادة) لله وحده وتوكيد النّهي عن صرف شيء من ذلك لغير الله (ولو كان من أعظم خلق الله من الملائكة والنّبيّين والصّدّيقين والأولياء)؛ فقد جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه ثم بيده حتى اللّحظات الأخيرة من حياته لاجتذاذ أصّول الشرك وفروعه وسدّ أبوابه وذرائعه. وصدع بتوحيد الله في عبادته وزجر عن الإشراك بالله في عبادته قبل الأمر بالصّلاة والزَّكاة والصّوم والحج وقبل إذن الله بالقتال (حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين كلّه لله وحتى تكون كلمة الله هي العليا)، وقبل تحريم الخمر ووضع الرّبا وفرض الحجاب، ودون السّعي لاغتصاب المُلْكْ.
ومع أن سمة دعوته اللّين والإحسان في الموعظة والمجادلة استجابة لأمر ربه عزّ وجلّ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]؛ فقد عَلِم أن من الحكمة (وهي السّنّة أو الشريعة أو الدّين باتّفاق المفسّرين) التّغليظ والشدّة والحزم في إنكار الشّرك بالله في عبادته، وعمل بذلك حتى لقي ربه، فقال لرجل من أصحابه: «أجعلتني لله نداً» ؟ إنكاراً لقوله: (ما شاء الله وشئت) (أحمد وغيره)، وأنكر على آخرين من أصحابه طلبهم شجرة مثل ذات أنواط وبيّن أن ذلك يماثل طلب قوم موسى منه: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف: 138] (متفق عليه)، وأنكر على خطيب القوم قوله: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال: «بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله»، (مسلم). وإن لان فيما دون ذلك من التّبوّل في المسجد (متفق عليه) وإدمان الخمر (متفق عليه) وطلب الإذن في الزنى (أحمد). وصلى الله وسلم على محمد وآله.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
(ثالث مقال رفضت مجلة الأسرة نشره)
توحيد الرب المعبود
يشمل توحيد المخلوق ربه ومعبوده أمرين عظيمين هما جماع دينه وإيمانه واعتقاده تجملهما الآية العظيمة الجامعة من سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] أي: لا نعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك؛ العبادة من المخلوق لخالقه وحده لا شريك له، والإعانة ونحوها من الخالق لمن يشاء من عباده.
الأمر الأول:
إقرار العبد – اعتقاداً وقولاً وعملاً – أن الله تعالى واحد في أسمائه (وأخصها: الله والرحمن)، وصفاته (وأخصها: المحيي والمميت) وأفعاله (وأخصها الخلق والبعث والجزاء الأخروي وما سمّاه بعض المتأخّرين: الحاكميّة في أمور الدّين).
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180]، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]: أثبت لنفسه صفتي السّمع والبصر ونفى مماثلة مخلوقاته له سبحانه وبحمده، وقال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف: 40].
وهذا الأمر من أمور الإيمان والاعتقاد والتّوحيد -على عظمه- لا يكفي العبد للدّخول في الإسلام ولا الثبات عليه فقد قال الله عن المشركين: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31]، أقرّوا اعتقاداً وقولاً ولم يقرّوا عملاً. بل أقَرَّ به إبليس اعتقاداً وقولاً فلم يقَرِّبْه من رحمة الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر: 36]، {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76]، {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82-83].
الأمر الثاني:
إقرار العبد – اعتقاداً وقولاً وعملاً – أن الله تعالى وحده هو المستحقّ للعبادة، فلا يركع ولا يسجد ولا يذبح ولا ينذر إلا له، ولا يدعو ولا يعظّم ولا يستعين ولا يستغيث ولا يحلف إلا به، ولا يطلب المدد إلا منه، ولا يلجأ إلا إليه؛ هو الغني سبحانه وغيره مفتقر إليه ولو كان ملكاً مقرّباً أو نبيّاً مرسلاً أو وليّاً ممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة فليس لهم من الأمر شئ بل الأمر كلّه لله وحده.
قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162-163]، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106] أي المشركين، كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
وهذا الأمر هو الحدّ الفاصل بين الهدى والضّلال، وبين الإسلام والكفر، وبين عبادة الله وحده ودعاء الأولياء معه. وهذا الأمر، هو سبب خلق الإنس والجن وسبب إرسال الرّسل وإنزال الكتب؛ قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وهذا الأمر، هو معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، كما قال نوح ومن بعده من الرّسل صلوات الله وسلامه عليهم لأقوامهم: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] أي: بلا إله إلا الله . وصلى الله وسلم على محمد وآله.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
(رابع مقال رفضت مجلة الأسرة نشره)
الشرك بالرب المعبود
أ- الشرك الأكبر المخرج من الملة لا يغفره الله ولا يقبل معه عملاً صالحاً كما أوحى الله تعالى لكلّ نبيّ من أنبيائه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] وإن شاء تعالى غفر أيّ معصية دون الشرك؛ فلا عذر للمشرك بالشهوات والغرائز الجِبِلِّية ولا بالمشقة ولا بالحاجة، ولا سبيل للإكراه على القلب محلّ الاعتقاد ومنبع الإخلاص والتّوحيد، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وهذا الشرك الشنيع والظلم العظيم من المخلوق لنفسه يشمل أمرين:
1) الشرك بالله في أسمائه أو صفاته أو أفعاله، وهو قليل الحدوث في أوائل المشركين؛ فقد قال الله تعالى عن أولئك: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]؛ فهم معترفون لله بالرّبوبية في الخلق وفي صفتي العزّة والعلم، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} [يونس: 31]؛ فهم معترفون لله بالرّبوبية في الرزق والملك والإحياء والإماتة والتدبير؛ فلم ينفعهم هذا الاعتراف لله بربوبيّته لخلقه ولم يدخلهم في الإسلام ولم يخرجهم من الكفر. بل إن منهم من يعترف لله بأخصّ أسمائه: (الله) كما في حديث صلح الحديبية المتفق على صحته، ومنهم من يعترف بما سمّاه المتأخرون: (الحاكمية) إذا وافق الحكم أهواءهم، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: 49]، فلم يُغْنِ عنهم ذلك من الله شيئاً إذا لم يفردوا الله بالعبادة وحده لا شريك له.
2) الشرك بالله في عبادتنا له بدعاء غيره معه، أو الاستعانة أو الاستغاثة بغيره معه فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو بطلب المدد إلا منه، وغير ذلك من العبادات الخاصّة به سبحانه وتعالى عن الشّريك والنّدّ والظهير. قال الله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [القصص: 87-88]، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال الله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] أي: لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك ، وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، وأكبر مظاهره تعظيم المقامات والأضرحة والمزارات. وهذا الأمر من الشرك الأكبر هو الذي جحده المشركون في كلّ عصر وأرسل الله جميع رسله لنفيه والتّحذير منه ومحوه والتّركيز على ذلك قبل وفوق جميع أحكام الشريعة باتّفاق جميع فقهاء الأمة، خلافاً لما ظنّه وسطّره الكاتب سيّد قطب تجاوز الله عنا وعنه في مؤلّفه (في ظلال القرآن ص 1846 وص 1852 وص 2110 ط. دار الشروق).
ولم يقبل الله اعتذار المشركين بالتّقرب بأوليائهم والاستشفاع بهم إليه، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومن معه بقتالهم، وأحبط أعمالهم الصّالحة من عمارة للمسجد الحرام، وسقاية للحاجّ، وطواف وسعي واستغفار، وإخلاص الدّين لله عند الشدة؛ بسبب تلبّسهم بهذا الشرك الأكبر باتفاق فقهاء الأمّة خلافاً لما ظنّه وسطّره سيّد في المؤلَّف نفسه ص 1492 ط. دار الشروق.
ب- الشرك الأصغر، وهو معصية كبيرة وظلم عظيم من العبد لنفسه ولكنه غير مخرج من الملّة، ومن مظاهره: الرّياء والحلف بالشرف والأمانة والذّمّة والحياة وبالنّبيّ والكعبة وبأيّ أحد غير الله سبحانه وبحمده. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه ومتّبعي سنته.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
(خامس مقال رفضت مجلة الأسرة نشره)
الولاء والبراء
الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والنّصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدّين النّصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم.
والبراءة من أعداء الله ورسوله وشرعه وهم المشركون بالله في عبادته مهما كان انتماؤهم وشعارهم، قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
ومناط الولاء: الجمع بين صحّة الاعتقاد (بوحدانيّة الله في عبادته -خاصة- وفي ربوبيّته -عامّة-)، وبين صلاح العمل (باتّباع السّنّة)، وفي هذا جماع الخير كلّه. وقد قرن الله تعالى الإيمان والعمل الصالح {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93]، في أكثر من خمسين آية، وفي معنى ذلك ما يصعب حصره.
ومناط البراء: الشرك في الاعتقاد (بدعاء غير الله تقرباً بذلك إليه واستشفاعاً به إليه)، والابتداع في العمل (بعبادة الله على نحو لم يأذن به الله)، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].
ويدخل في صميم الولاء الشرعي محبّة السّنّة الصحيحة والدعوة إليها ومحبّة أهلها الذين يردّون كل مُتنازعٍ فيه من الدين إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمّة. ويدخل في صميم البراء الشرعي بغض الابتداع في الدّين والحرص على تغيير هذا المنكر والتّحذير منه ومن الدّاعين إليه ومن المصرّين عليه ولو انتموا إلى الإسلام وأهله وإلى الدعوة وأهلها.
ولا ينافي عقيدة الولاء والبراء معاملة الكفار فمن دونهم من المبتدعة بالبيع والإجارة والمزارعة والزّيارة والهدّية وحُسْن الخلق فضلاً عن دعوتهم والدّعاء لهم بالهداية كما فعل رسلّ الله بأمره، وهذه سنّة رسول الله في معاملتهم؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كلّ ذلك، ومنه استعارة أسلحة المشرك، واستئجار آخر دليلاً له في الهجرة (أخطر حدث فصل بين أهل الإسلام وأهل الأوثان)، ومنه اتخاذ المشرك عيناً له، ومزارعة يهود خيبر بعد كلّ ما ظهر من عداوتهم ونقضهم للعهد، بل ودخوله في جوار المطعم بن عدي وهو مشرك.
ولا ينافي عقيدة الولاء والبراء الانتفاع بالعلوم الدنيوية للكفّار ومن دونهم من العصاة وصناعاتهم ومهنهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الحلّة من صُنْع نصارى الشام والبردة من صُنْع مشركي اليمن. وقال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]؛ فلا يجوز الاستفادة من فكرهم ودينهم في فهم شرع الله ووحيه، وقد وقع بعض المسلمين مِنْ قَبْل في ضلال مبين بمحاولتهم الاستفادة من فلسفة اليونان في بيان الإيمان بالله ومن تصوّف الهند ْوفارس في التعبّد، ومِنْ بَعْد بربطهم الوحي بالفكر واليقين بالظّنّ. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
* هذا واحد من عدّة مقالات تعهّد الشيخ عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء وأحد مؤسسي الوقف الإسلامي نشره في مجلة الأسرة التابعة للوقف رداً على شكوى الكاتب من اغتصاب حزب الإخوان المسلمين المجلّة وتسخيرها لفكره وتمجيد رموزه وتجنبها الأمر بإفراد الله بالعبادة والنهي عن الشرك في العبادة وما دونها من البدع، فرفض رئيس تحرير المجلة عبد الحميد الزامل نشرها بحجة شدّتها مع اعتراف الشيخ عبد الله أنه لا شدّة فيها، وإنما هو اتباع منهاج حسن البنا رحمه الله الذي حذف الشرك من موبقاته ومن وصاياه العشر، وكان تعهّد الشيخ عبد الله بنشرها في رمضان وفي المسجد الحرام هداهم الله.
كتبه/ سعد بن عبد الرحمن الحصين عفا الله عنه في 1434/2/12هـ.